بدلاً من تجنيد الحريديم الحكومة والجيش “يشترون” الجنود بالمكافآت

معاريف

ترجمة حضارات 

 يهودا شاروني
​​​​​​​

1. يبيعون القيم بالمال
حتى حين كنت أخدم في الاحتياط، وذلك منذ زمن بعيد، جرت العادة أن نقف في نهاية الخدمة في طابور طويل أمام كاتب شؤون الأفراد في الكتيبة للحصول على ردّ مصروف جيب عن أيام الاحتياط. كان الدفع مبلغًا رمزيًا لا يتجاوز شيكلًا واحدًا لليوم، وعن 30 يومًا حصلتُ على 30 شيكلًا. يا سلام! بالنسبة إليّ كان ذلك “مَنّاً من السماء”، وإن بقي الأمر محرجًا.

خدمة الاحتياط كانت بالنسبة إليّ واجبًا وطنيًا لا يبرّر أي تعويض إضافي. خلال 25 سنة من الخدمة الاحتياطية وصلتُ إلى سيناء وشرم الشيخ والجولان وغزة والأغوار ولبنان. لم أفكر للحظة أنني أستحق وسام الرئيس. كانت تجربة فريدة للحياة لن تتكرر. ولم أشعر بالظلم، إذ حصلتُ في فترة الاحتياط على تعويض كامل من مكان العمل، وفي الجامعة رتّبوا لي امتحانات في مواعيد بديلة.

لكن العبء تحوّل إلى حمل لا يُحتمل. حتى الخدمة الإلزامية، في هذين العامين العاصفين، أصبحت ثقيلة لا تُطاق. في منتصف هذا الأسبوع بدأت جولة جديدة — لا أدري كم يبلغ عددها — باستدعاء 40 ألف جندي احتياط إلى غزة. كلمة “مغفّلين” تتردّد في الأجواء أكثر من أي وقت مضى. رئيس الأركان أيال زمير يحاول التحفيز، لكنه هو أيضًا يفهم الحقيقة.

معدّل التطوع لجنود الاحتياط انخفض إلى 70% مقارنة بالماضي، بعدما بلغ 120% في الأيام الأولى بعد 7 أكتوبر، حين اندفع جنود “الإخوة للسلاح” إلى الجنوب من دون أن يفكروا للحظة في تعويض مالي. اليوم الحصان اللاهث يجرّ العربة بصعوبة ويوشك أن يخرّ تحت العبء. كلمة السحر “هيّا” لم تعد تعمل.

ومع ذلك، لا يتوقفون عن محاولة “هندسة” قانون التجنيد عبر قانون التهرّب ومنح عشرات آلاف طلاب المعاهد الدينية إعفاءً من الخدمة، مع استمرار حصولهم على امتيازات اقتصادية. لم يخجل عضو الكنيست بوعاز بيسموت، الذراع السياسي المطيع لنتنياهو، من ترتيب صفقة تشمل إعادة الامتيازات الاقتصادية للحريديم وتأجيل قانون التجنيد مقابل تجنيدٍ صوري. إذا تحقق ذلك، يمكن إعلان وفاة قانون التجنيد الإلزامي ونهاية نموذج “جيش الشعب”.

هذه الفوضى التي تكرّس انعدام المساواة في العبء غير موجودة حتى في دول محايدة كسويسرا، التي لم تخض حربًا منذ 1847 ومع ذلك تفرض خدمة إلزامية لضمان الحياد. لكن في هذه الأيام المجنونة، بدلاً من إنزال كل ثقل الدولة على تجنيد الحريديم، تُخصَّص لهم عشرة ملايين شيكل لرحلة إلى أومان. وبدلاً من توقيف المتخلفين في مطار بن غوريون، تُطبخ صفقات على شكل ميزانيات دعم للمعاهد الدينية.

السؤال: ماذا يفعل نتنياهو ووزير ماليته بتسلئيل سموتريتش لـ“تبييض” ضميرهما الذي اختفى منذ زمن؟ بدلاً من جلب خيول إضافية للعربة التي ستنهار، يواصلان تدليل الحصان المنهك بمزيد من العلف وحصة خضار، ويصرخان “هيّا!”.

الواقع أن الحكومة بدأت في تحفيز الجنود بمكافآت مالية بعشرات آلاف الشواكل. وزير المالية يعد رجال الاحتياط بقطع أراضٍ مجانية لبناء بيوت. يوآف زيتون في “يديعوت أحرونوت” فصّل هذا الأسبوع الامتيازات التي تنتظر المقاتلين والضباط: بطاقة رقمية “فايتِر”، الانضمام إلى نادي “باهتصداعه”، تحسين “اقتصاد البيت”، تمويل عطلات ونزهات، استخدام مرافق جمعية الجنود في نتانيا، دفع تكاليف جليسة أطفال، منح بعشرات آلاف الشواكل وغيرها.

هذه ليست امتيازات، بل “رشوة عسكرية” هدفها تبرير قانون التهرّب. وإذا كانت الحكومة أصلاً تحفّز الخدمة بمكافآت اقتصادية، فلماذا لا تُحوّل الجيش إلى جيش مهني بأجر كامل؟ عندها فقط تُكشف الأقنعة: إمّا جيش محترف برواتب مجزية، أو خدمة تطوعية للصهاينة المؤمنين بالمشروع. أما إذا رفض الحريديم الانضمام، فلا سبب لإعطائهم أي دعم مالي أو تمويل للمعاهد الدينية أو الرحلات.

جيش مهني سيحقق هدفين: إدماج الحريديم في سوق العمل والأمن، وتعزيز قوة إسرائيل. لكن ذلك لن يحدث في ظل حكومة نتنياهو، التي تعتمد على الحريديم كالمريض على جهاز التنفس الاصطناعي.

2. لا وجبات مجانية
أعياد تشري على الأبواب، وبعد 700 يوم من الحرب منذ 7 أكتوبر تذكرت وزارة المالية ومكتب رئيس الحكومة أن يبدلا “الديسك”: لا مزيد من الضرائب، بل توزيع امتيازات. في هذه المرحلة لا تزال الخطط قيد الفحص، لكن من الواضح أن الهدف سياسي: تهيئة الأرضية للانتخابات القريبة.

الخيارات المطروحة تشمل إلغاء تجميد درجات ضريبة الدخل (بقيمة 5 مليارات شيكل)، دعم الفائدة على القروض العقارية، أو تحسين سياسات الإسكان عبر مشاريع التجديد الحضري وتوسيع البنى التحتية للمواصلات. لكن بدل المعالجة الجذرية، يواصلون التوجه إلى حلول ترقيعية.

الخطوة الأكثر إثارة للجدل هي مضاعفة سقف الإعفاء من ضريبة القيمة المضافة على المشتريات من الخارج من 75 دولارًا إلى 150 دولارًا، ما يعني ضربة قاتلة للأعمال الصغيرة والمتاجر المحلية، فيما تُعفى منصات مثل “علي إكسبرس” وTemu من 18% ضريبة تُفرض على المنافس الإسرائيلي.

الولايات المتحدة نفسها ألغت مؤخرًا إعفاء 800 دولار على المشتريات الخارجية بعد فرض ترامب رسومًا جمركية واسعة لحماية الاقتصاد المحلي. بينما في إسرائيل يذهب الاتجاه المعاكس، وكأن الانتخابات أولوية على حساب المصلحة الاقتصادية.

الأجدى، بحسب خبراء، هو إلغاء الإعفاء من ضريبة القيمة المضافة على المشتريات الخارجية وتوفير أكثر من مليار شيكل سنويًا، أو خفض ضريبة القيمة المضافة إلى 17% كما وعدت المالية. لكن بدل الإصلاح الحقيقي، تفضّل الحكومة رشّ “رشاش امتيازات” على الجمهور لكسب ودّه مؤقتًا.

والحقيقة البديهية تبقى: لا وجبات مجانية. بعد يوم الانتخابات سيدفع المواطن الثمن — وبالكبير.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025