هآرتس
ترجمة حضارات
زفي برئيل
كما فعلت الإمارات والسعودية من قبل، وافقت الولايات المتحدة على وقف إطلاق النار في البحر الأحمر، تاركةً الساحة لإسرائيل وحدها. وحتى محاولة إسرائيل توسيع دائرة الأهداف لم تقرّبها من الحسم.
أُعيد افتتاح مطار رامون بعد إصابته أمس بطائرة مسيّرة حوثية. ويبدو أن صاروخاً واحداً أو مسيّرة واحدة تخترق إسرائيل تكفي لإثبات قدرة الحوثيين.
في مارس الماضي شنّت الولايات المتحدة هجوماً واسعاً على معاقل الحوثيين في اليمن. وقبيل ذلك، حذّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إيران قائلاً إنه سيعتبر أي إطلاق من الحوثيين كأنه صادر عنها، مهدداً بـ“عواقب قاسية جداً”. وبعد شهرين تفاخر ترامب بإنجازه السياسي الأول في الشرق الأوسط: وقف إطلاق نار بين الولايات المتحدة والحوثيين.
وبذلك انضمت واشنطن إلى دول سبقتها بخطوات مشابهة. ففي عام 2019 سحبت الإمارات قواتها من اليمن وتخلّت عن دورها الفعّال في الائتلاف الأميركي ضد الحوثيين. وفي 2022 وقّعت السعودية اتفاق وقف إطلاق نار ما زال سارياً حتى اليوم.
منذ الاتفاق مع واشنطن واصل الحوثيون ضرب أهداف يصفونها بأنها “إسرائيلية”، بينما توقف الائتلاف الدولي عن العمل ضدهم، والأهم أن إيران لم تعد ضمن بنك الأهداف الأميركي. ونتيجة لذلك تبدو إسرائيل، التي تُركت وحدها في مواجهة الصواريخ والمسيّرات اليمنية، عاجزة ـ على الأقل علناً ـ عن الربط بين التهديد الحوثي ونظيره الإيراني.
تكشف سلسلة الهجمات الإسرائيلية على الحوثيين أن استراتيجيتها تشبه إلى حد بعيد تلك التي انتهجها الرئيس جو بايدن، والمبنية أساساً على “الردع، الإحباط وتجريد القدرات”. بايدن امتنع عن ضرب أهداف مدنية أو تصفية القيادة الحوثية، وإسرائيل برفعها سقف الهجمات لم تحقق إنجازاً يذكر.
فالهجمات على الموانئ وتدمير البنى التحتية المدنية، وحتى تصفية معظم أعضاء الحكومة الحوثية المدنية، لم تؤدِّ إلى ردع. أما بخصوص تجريد القدرات، فإن نجاح الحوثيين في إطلاق صاروخ أو مسيّرة واحدة بات كافياً لإثبات قدرتهم، إذ لا تدور حرب بين جيشين يسعيان لحسم ميداني محدد.
يقدّم الحوثيون أنفسهم كمدافعين عن غزة، لكنهم في الواقع كيان سياسي مستقل يجني مكاسب خاصة من استمرار الحرب.
وهذه ليست حرباً ضد “ذراع” تعمل بالوكالة مثل الميليشيات الشيعية في العراق أو حزب الله في لبنان يمكن ممارسة ضغط غير مباشر عليها. فالحوثيون، رغم ربطهم هجماتهم بوقف إطلاق النار في غزة، يظلّون كياناً مستقلاً يستفيد سياسياً واقتصادياً من استمرار النزاع.
يقل اعتماد الحوثيين على التمويل الخارجي مقارنةً بحزب الله أو الميليشيات الشيعية، إذ يموّلون أنفسهم عبر الضرائب والرسوم المفروضة على السكان في مناطق سيطرتهم التي تضم نحو 60% من سكان اليمن. كما ينجحون في استيراد النفط بطرق ملتوية، وفرض رسوم عبور عالية على السفن الأجنبية غير المرتبطة بإسرائيل، إضافة إلى تصنيع أسلحتهم محلياً، مع احتمال تلقي دعم عسكري من روسيا والصين.
توفر الحرب ذريعة لتجنيد آلاف “المتطوعين” في جيشهم الذي يضم بين 350 ألفاً ونصف مليون مقاتل، ولضرب خصومهم السياسيين وقمع المعارضة. فالأمر يتجاوز مجرد الحفاظ على البقاء.
وبالتوازي مع هجماتهم على إسرائيل، يواصل الحوثيون حروبهم الداخلية للسيطرة على مناطق الحكومة اليمنية المعترف بها، والتي يفتقر جيشها إلى القوة والولاء الموحد. وفي نهاية المطاف يطمح الحوثيون للسيطرة على اليمن كله أو انتزاع اتفاق يضمن لهم حصة وازنة من ميزانية الدولة والمناصب العليا.
وبينما لا يعلنون ذلك صراحة، فإن الحرب على إسرائيل وتهديد الملاحة في البحر الأحمر يشكّلان رافعة لتحقيق مكاسب سياسية داخلية. وقد أثبتوا سابقاً أن ضرب أهداف حساسة مثل منشآت أرامكو عام 2019 وموانئ أبوظبي يحقق لهم مكاسب مالية وسياسية ملموسة.
فعلى سبيل المثال، وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار مع السعودية، تموّل الرياض رواتب موظفين رسميين يعملون في مناطق الحوثيين، ما يساهم في دعم ميزانيتهم وتهدئة الغضب الشعبي ضدهم.
اندفع ترامب بحماسة إلى الملف الحوثي وطالب قادة الجيش بخطة لـ“إبادة تامة” للمشكلة. عرض عليه الجنرال مايك كوريللا، قائد القيادة الوسطى، خطة لضربات مكثفة بين 8 و10 أشهر، لكنه اكتفى بشهر واحد. كما اتسم الموقف الأميركي من الحوثيين بين اعتبارهم منظمة إرهابية والتراجع عن ذلك بتذبذب كبير.
ففي 2021 أزال بايدن الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية ملغياً قرار ترامب، ثم أعادهم إليها في نهاية ولايته لكن بوضع خاص. أما ترامب، فعاد مع مطلع ولايته الجديدة لوضعهم مجدداً على القائمة “كمنظمة إرهابية كاملة”، ومع ذلك لم يتردد في توقيع اتفاق وقف إطلاق النار معهم.
ورأت الإدارتان الأميركيتان، وكذلك إسرائيل، في الحوثيين مجرد ذراع من “حلقة النار” الإيرانية وجزءاً من “جبهة الدعم” لحماس، لكن هذا التصور لم يكن خالياً من خلافات حول دوافع الحوثيين الفعلية.
وفي مايو 2024، خلال فترة بايدن، قالت مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية، أفريل هاينز، أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ: “تقديرنا أن هذا النشاط سيستمر فترة أخرى”، معتبرةً أن ما يحدث في البحر الأحمر يخدم مصالح سياسية لزعيم الحوثيين الساعي لتعزيز مكانته إقليمياً ودولياً اعتماداً على إنتاج محلي للأسلحة. وأضافت: “لا نعتقد أن هذه الأمور ستتغير قريباً”.
أما خبراء إدارة ترامب فلم يقدّموا تفسيرات أوضح لدوافع الحوثيين، لكن الأمر لم يعد يعنيهم كثيراً. فبعد التوصل إلى وقف إطلاق النار وإخراج الحوثيين من دائرة التهديدات الدولية، تُركت إسرائيل وحيدة في حرب “خاصة” معهم.