الحيل الجديدة لأبو مازن..

إيهود يعاري – N12

بينما ينتظر رئيس السلطة الفلسطينية موجة الاعتراف بـ"دولة فلسطينية" من حكومات في أوروبا الغربية، كندا وأستراليا، بدأ يخطط الآن لكيفية التملص من التعهدات التي قدمها (خطّيًا) لماكرون، لستارمر ولغيرهم بإجراء ديمقراطية وإصلاحات عميقة، بما في ذلك انتخابات للرئاسة وللمجلس التشريعي الذي قام بحلّه عام 2018.

الخطوتان الأساسيتان اللتان يسعى أبو مازن لترتيبهما تتعلقان بصياغة "دستور مؤقت" للدولة الفلسطينية المستقبلية، وإيجاد بديل مريح لإجراء انتخابات حرة. هذا الترتيب الجديد يثير معارضة في أوساط مهمة من الشارع الفلسطيني، كما أثار ملاحظات نقدية عبر القنوات الدبلوماسية من دول خليجية وبعض الحكومات الأوروبية.

في البداية أراد أبو مازن أن ينشر من طرفه "إعلانًا دستوريًا" يضع المبادئ للدستور لاحقًا. فعيّن محمد قاسم، أستاذ قانون متمرّس وموالي قضى معظم سنواته الأكاديمية في المغرب، ليرأس فريق الصياغة. لكن حتى من داخل حركة فتح ومن كليات الحقوق في بيرزيت ونابلس أوضحوا له أن "إعلانًا دستوريًا" كهذا لن يُعتبر وثيقة مُقنعة، بل مرسومًا شخصيًا منه لا أكثر.

لذلك أمر قاسم بالتحول لصياغة "دستور مؤقت"، ويبحث الآن سرًا إمكانية الدعوة لاستفتاء شعبي على إقراره. لا يوجد سابقة لمثل هذا الاستفتاء، ولا بند ينص عليه في أنظمة منظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية، ولا حل واضح لكيفية مشاركة الشتات الفلسطيني في التصويت. ولهذا تستمر النقاشات خلف أبواب مغلقة من دون قرارات نهائية.

الخدعة الثانية التي يحاول أبو مازن بلورتها تتعلق بابتكار بديل للانتخابات. فمن الواضح أنه لا ينوي الترشح (ليتجنب هزيمة مؤكدة)، رغم أنه تعهّد للزعماء الأجانب بفتح صناديق الاقتراع في غضون عام واحد من انتهاء الحرب في غزة، بعد أن تجاوز سن التسعين.

البديل للانتخابات يُناقش حاليًا داخل أربع لجان يديرها روحـي فتوح، الذي يُعد خادمًا مطيعًا لأبو مازن منذ سنوات. الفكرة بسيطة: بدلاً من انتخابات للمجلس التشريعي (البرلمان)، تُجرى انتخابات للمؤسسة الأعلى والأوسع في منظمة التحرير، أي "المجلس الوطني الفلسطيني". هذا المجلس اجتمع آخر مرة بتشكيلة جزئية في رام الله عام 2018. ومن الطبيعي أنه لا يضم تمثيلًا لحماس أو للجهاد الإسلامي أو فصائل الرفض الأخرى. يريد أبو مازن أن يُشرف عن كثب على اختيار نحو 250 عضوًا جديدًا، عبر نقابات مهنية ومنظمات اجتماعية ومجالس عامة تمنحه الشرعية. أي "انتخابات" هي في حقيقتها تعيينات. ويبقى عليه أيضًا أن يقدّم إجابة بشأن مشاركة الجاليات الفلسطينية في الخارج. الهدف الزمني: في وقت ما من العام القادم.

باختصار: أبو مازن يدرك تمامًا أن الحكومات التي ستعترف بـ"دولة فلسطينية" لن تُصرّ عليه لتنفيذ وعوده. قد تُبدي خيبة أمل ما، لكنها لن تتراجع عن اعترافها. وهكذا ستبدو "الإصلاحات العميقة". لا شك عندي: الشارع الفلسطيني سيسخر من هذه المناورات.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025