ما يُسمّى "إخلاء السكان" ليس سوى سلسلة لا تنتهي من القصف

هآرتس 


ترجمة حضارات 


عميرة هس

تُمحى غزة من العالم، حجرًا بعد حجر، وسكانها يودّعون شوارعها لكنهم يوثّقون ألمهم. "الكلمات تفقد معناها ولا تستطيع أن تنقل ما يحدث"، قال أحد سكان المدينة.

كتب لي صديقي صباح أمس: "أرسلت عائلتي جنوبًا، بينما بقيت في غزة لأودّع شوارعها وأبكيها. أجلس وحيدًا في بيت أبي وأتأمل القليل من الأماكن الخاصة التي ما زالت قائمة. لا أعرف كيف سأتصرف غدًا. هل سيغلبني الحنين لعائلتي فأخرج جنوبًا، أم تكون لدي الشجاعة للبقاء حتى يختلط دمي وعظامي ولحمي بغبار ورماد غزة، وهي تُمحى من العالم، حجرًا بعد حجر".
مساء أمس كان ما زال في البيت، ولما توسلت إليه أن يخرج، أجاب أنه سيغادر اليوم أو غدًا.

كل لحظة قد تكون الأخيرة. أمس ظهرًا أعلنت عائلة زقوت (أصلها من أسدود) أن صواريخ إسرائيلية قتلت 23 من أبنائها فجرًا، إلى جانب 24 آخرين من عائلات مختلفة في حي الشيخ رضوان. حتى المساء لم تُنتشل كل الجثث.

مع حلول بعد الظهر، زحفت عائلات جنوبًا بسيارات محمّلة بما استطاعوا حمله، تاركين خلفهم بيوتهم وأشياءهم. على طول الطريق الساحلي آلاف السيارات والعربات. لا يجرؤون أن يقولوا بصوت عالٍ ما يخافون منه: أن قنبلة أو صاروخًا قد يقتلهم على الطريق. وفي الساعة 18:36 أعلنت وكالة وطن عن خمسة قتلى في سيارة تقل نازحين جنوبًا قرب ساحة الكتيبة غرب المدينة.

توالت الأخبار كل دقائق: قصف مسجد الإبكي في حي التفاح، تفجيرات في الشجاعية، غارات مروحيات قرب مفترق أنصار، صاروخ من مسيّرة على مدرسة حمامة حيث لجأ نازحون في الشيخ رضوان، قصف كثيف لمخيم الشاطئ.
المشاهد: كتل رمادية من الخرسانة، صفير، لهب، دخان، وأصوات أطفال وصرخات رجال.

وكالة وطن أبلغت في الساعة 18:31 أن الجيش الإسرائيلي قتل 89 شخصًا منذ الفجر، 79 منهم في غزة.
عبد الكريم عاشور، من سكان المدينة، كتب: "عليك أن تسمع هدير الطائرات فوق رأسك، أن ترتجف مع كل انفجار وتختنق من الغبار والدخان، عندها تفهم أن المعاناة أثقل مما تحتمل اللغة. هنا في غزة حتى الصمت يصرخ".

شهادات أخرى تتكرر: شابة من عائلة السمّوني تذكرت قصف 2009 حيث فقدت أقاربها. اليوم تُجبر للمرة السابعة أو الثامنة على النزوح مع أطفالها. تقول: "كل مرة أصعب من السابقة". رأسها ما زال يحمل شظايا منذ قصف الزيتون قبل 16 عامًا.

كل إنسان في غزة اليوم، من يُقتلع أو يُجرح أو يُقتل أو يدفن أبناءه أو يبحث عن شبر لإقامة خيمة، هو ناجٍ من حروب وغزوات سابقة. الجميع عرفوا كل أنواع الخوف. لكن آنذاك كانت هناك كلمات تصف.

الكاتبة الفلسطينية فداء زياد، من غزة، وصفت مشهدًا أمام نافذتها: والدان يتركان طفليهما حسين وفاطمة في الشارع مع متاع قليل، ويعدان بالعودة. الطفلة قلقة، فيطمئنها أخوها: "بُكرا رح يقصفوا"، ويصرف نظرها. في لحظة يمر نسيم بارد، فيقول حسين: "شوفي الجو حلو!" – لكن الطائرة التي تزمجر فوقهم "ابتلعت حتى نَفَس الهواء"، كما كتبت. هذا هو مصير العائلات النازحة بعد أوامر الإخلاء: الشارع مأوى، والموت معلّق فوق الرؤوس.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025