هل ستنتصر أمريكا وإسرائيل في حرب الإبادة للفلسطينيين؟

الدكتور هاشم رمضان

اكاديمي وباحث في مركز حضارات للدراسات السياسية والاقتصادية

في كتابه أمريكا والإبادات الثقافية يتحدث منير العكش عن تاريخ الغزوات الإسبانية والبرتغالية والفرنسية والهولندية والإنكليزية للهنود الحمر، وكيف قام الإنكليز أو الزنابير كما سماهم في كتابه بتدمير الحياة الهندية وكيف قامو باقتلاعها من الذاكرة الإنسانية. وكيف علّموا الطفل الهندي في المدرسة أن ما حدث في بلاده المسلوبة، وما تعرض له قومه من إبادة، كان من نِعم الله عليهم. لقد زرعوا في عقله وقلبه محبة الدولة الأمريكية، وجعلوه ينظر إلى الولايات المتحدة كصديق عظيم ضحى من أجله وقدّم له الكثير. حثوه على نسيان ما يقوله أهله عن البيض، وإقناعه بأن كل ما حدث كان لصالحه.

كما تم تنبيه ذلك الطفل الهندي إلى ضرورة اتخاذ أبطال التاريخ الأمريكي وعظمائه قدوة له، والشعور بالفخر بما أنجزوه، محذرينه من التفكير أو البحث عن الظلم الذي لحق بالهنود أو ما يُعرف بجرائم الإنسان الأبيض ضدهم. وأكدوا عليه أن يتجاهل تاريخه المؤلم وأي شيء يشير إلى تلك الأحداث، مع زرع قناعة بأن ما حدث كان لمصلحته وأن مستقبلاً مشرقًا ينتظره. حتى جعلوا الهندي الجديد (أو من بقي منهم) يخجل من ذكر أصله الهندي ويغير إسمه أيضا (العكش، 2009).

فحالات الإبادة قد لا تكون جسدية كما حدث مع الهنود الحمر أو في إسبانيا ومحاكم التفتيش. فقد تكون إبادة ثقافية ودينية كما حدث مثلا في الفلبين التي تعرضت للغزو الإسباني في القرن السادس عشر الميلادي بعد طرد المسلمين من بلاد الأندلس وكيف قام الإسبان باسترقاق المسلمين وهدمو مساجدهم وأحبروهم على تغيير دينهم وإعتناق المسيحية (الظرافي، 2020). كما عانت بعده الفلبين من الغزو الأمريكي أيضا حيث استخدم الأمريكان جميع وسائل الإكراه لفرض النصرانية على المسلمين. فاستعملوا حرب الجراثيم، حيث توفي الآلاف في جزيرتي مندناو وصولو جراء تفشي الأوبئة مثل الكوليرا والجدري والطاعون. ووفقًا للتقارير الغربية نفسها، بلغ عدد ضحايا هذه الأوبئة أكثر من 200 ألف شخص.

فهل ستنجح أمريكا وربيبتها (إسرائيل) في إبادة الفلسطينيين (جسديا أو ثقافيا)، وهم أصحاب مقولة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض! وقد قامو فعلا بترحيل أكثر من 700 ألف فلسطيني عام 1948 ودمرو أكثر من 500 قرية كما تم تهجير حوالي 460 ألف  فلسطيني بعد حرب 1976. لكن ما زال يعيش في فلسطين التاريخية أكثر من 7 ملايين و 300 ألف فلسطيني. وقد حاولت إسرائيل تنفيذ ما يمكن وصفه بالإبادة الثقافية ضد عرب الداخل (الأسرلة)، من خلال تعليمهم اللغة العبرية ومنحهم الجنسية الإسرائيلية. لكنها أيضًا قامت بمصادرة أراضيهم وفرضت عليهم ضغوطًا لتجبرهم على الاستسلام للواقع القائم والركوع سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا للهوية الإسرائيلية على حساب هويتهم العربية (المهدي الزايداوي، 2022).

ومع ذلك، تمسك الفلسطينيون بهويتهم الوطنية على حساب الهوية الإسرائيلية، مما أفشل محاولات إسرائيل لدمجهم في دولة لا تعترف إلا بالهوية اليهودية، وتستبعد باقي الهويات والمعتقدات. وهذا جعلهم أقلية تعيش على هامش المجتمع الإسرائيلي.

بالرغم من أن منظمة التحرير قد تنازلت عن 78% من فلسطين التاريخية لليهود إلا أن الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين لا يعترفون بهذا التنازل عدا عن البعد الديني للقضية الفلسطينية كقضية إسلامية والحق في فلسطين لكل المسلمين عدا عن العرب. مع العلم وطبقا للقانون الدولي فإن أي إتفاقية تمنح شرعية للاحتلال أو حقوقا دائمة في الأرض المحتلة تعد باطلة (الأمم المتحدة، الجمعية العامة، 1970).


ففي الضفة الغربية والتي تعمل إسرائيل على ضمها وفرض السيادة عليها بشكل كامل عبر توسيع المستوطنات ومصادرة الأراضي وسياسة الفصل العنصري والحواجز والتعطيش وجعل الفلسطينيين كمواطنين درجة ثانية في أرضهم وبدون حقوق وحرية تنقل مقارنة بالمستوطنين الذين يتمتعون بجميع حقوق مواطني إسرائيل داخل الخط الأخضر، في سياسة ممنهجة لتهجير الفلسطينيين والتضييق عليهم. هذا النظام يذكرنا بأنظمة مشابهة كانت سائدة في الماضي، مثل نظام الفصل العنصري (الأبارتايد) الذي كان مفروضًا في جنوب أفريقيا.

أما في غزة، والتي فرضت إسرائيل حصار عليها منذ العام 2006 يشمل إغلاق بري وجوي وبحري وحصار إقتصادي شامل، كما شنت عدة حروب اعتبارا من العام 2008 تسببت بقتل وإصابة مئات الالاف. ويوثق المرصد الأورومتوسطي هذا بقوله إن إسرائيل فرضت الحصار على القطاع عقب فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية، ثم شددته بعد سيطرتها عسكريًا على القطاع في يونيو/حزيران 2007، إذ أعلنت هذا القطاع كيانًا معاديا (Euro-Med Monitor, 2023).


وعقب أحداث السابع من أكتوبر قامت إسرائيل بتشديد الحصار وبدأت بحرب إبادة لا تزال حتى الان وبدون توقف حيث تجاوزعدد الشهداء أكثر من 64803 إنسان، وعدد الشهداء من الأطفال بلغ 19063، وعدد الشهداء من النساء بلغ 8990 شهيدة، والشهداء من الرجال بلغ 36178 رجلا (التلفزيون العربي،2025) أغلبهم من الأطفال والنساء وعدد الجرحى يتجاوز ال100 ألف إنسان(الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، د.ت). أما على صعيد المباني والمنشآت، فقد دمر الاحتلال 294,000 مبنى بشكل جزئي، و25,010 بشكل كلي، و86,000 وحدة سكنية مدمرة بالكامل، إضافة إلى 103 من المدارس والجامعات مدمرة بشكل كلي، و309 مدمرة بشكل جزئي، و32 مستشفى خرج عن الخدمة بالكامل. عدا عن تدمير المساجد والكنائس والمقرات الحكومية وغيرها ممن طالها الدمار بشكل كلي أو جزئي.  

طبعا كان أحد أهداف إسرائيل من حرب الإبادة والتطهير العرقي هذه هو تهجير سكان قطاع غزة وتشجيعهم على ترك أرضهم وبيوتهم، لكن كل هذه المحاولات فشلت بسبب صمود الأهالي ورفضهم للتهجير خاصة من بقي في شمال القطاع في مدينة غزة وجباليا.

وهنا نرى أن ما نجحت فيه أمريكا مع الهنود الحمر أو في الفلبين من إبادات جسدية وثقافية ودينية وتطهيرعرقي لم ينجح في فلسطين بالرغم من الكم الهائل من الخسائر في الأرواح والممتلكات، وصدق المثل القائل ( مش كل الطير يؤكل لحمه).

د. هاشم رمضان


المراجع:

الأمم المتحدة. الجمعية العامة. (1970). إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقًا لميثاق الأمم المتحدة (القرار 2625 (د-25))، 24 تشرين الأول/أكتوبر 1970. الأمم المتحدة  . https://digitallibrary.un.org/record/202170



الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. (دون تاريخ). صفحة الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. https://www.pcbs.gov.ps/site/lang__ar/1405/Default.aspx

العكش، منير. (2009). أمريكا والإبادات الثقافية. بيروت: رياض الريس للكتب والنشر.

الظرافي، أحمد. (2020، 25 يونيو). الاستعمار الإسباني للفلبين... أبعاده ونتائجه. البيان. https://www.albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?ID=11149

المهدي الزايداوي. (2022، 18 أبريل). الأسرلة.. لماذا فشلت خطة إسرائيل لإخضاع عرب 48؟الجزيرة نت.

تقرير للتلفزيون العربي عن وزارة الصحة في غزة بتاريخ 05/09/2025


Euro-Med Monitor. (2023, January 25). A generation under blockade: Consequences of Israel’s 17-year-blockade of the Gaza Strip.https://euromedmonitor.org/en/article/5541/A-generation-under-blockade%3A-Consequences-of-Israel%E2%80%99s-17-year-blockade-of-the-Gaza-Strip



عن الكاتب:


هاشم رمضان

أكاديمي وباحث في مركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية، حاصل على درجة الدكتوراه في الإدارة الإستراتيجية، له العديد من الأبحاث والمقالات الأكاديمية



جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025