ليئوره هندلمن-بعابور
بعد خمس سنوات على اتفاقيات أبراهام، تسارع طهران إلى استغلال كل أزمة، من غزة واليمن وحتى الهجوم في الدوحة، لتؤكد أن التطبيع مع إسرائيل لا يجلب الاستقرار بل الخطر للمنطقة. إسرائيل والدول الموقعة على الاتفاقيات تتمسك بها كركيزة للاستقرار في فترة مضطربة، بينما تحافظ إيران على نهج ثابت منذ التوقيع: عرض الاتفاقيات كخيانة ومؤامرة صهيونية-أمريكية.
ترى إيران في استعداد دول عربية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل تهديداً مزدوجاً: تقويض التضامن الإسلامي والاعتراف بعدو لدود هدفه عزل إيران ووصمها كعدو مشترك. منذ البداية ردت طهران بعداء شديد، ووصفت الاتفاقيات بأنها خطوة "مشؤومة" امتداداً لتنازلات عربية سابقة من كامب ديفيد 1978 مع مصر، مروراً باتفاق الأردن 1994، وصولاً إلى التطبيع مع الإمارات والبحرين 2020. في أكتوبر 2021 وصف المرشد الأعلى علي خامنئي الاتفاقيات بأنها "خطيئة وخطأ كبير"، داعياً الدول إلى التراجع.
الكاريكاتيرات الإيرانية أوصلت الرسالة بوضوح: السعودية كالسحلية وإسرائيل كجرذ يخططان في كهف ضد "الأسد الإيراني"، أو قادة الخليج كمن يقومون بـ"تصفية" القضية الفلسطينية مقابل مصالح اقتصادية ودعم أمريكي. الرسالة: التطبيع تخلي عن المقاومة وخيانة القضية.
اتفاق استئناف العلاقات بين طهران والرياض في مارس 2023 برعاية صينية أجبر إيران على تليين خطابها تجاه الجيران، مقدماً نفسها كشريك في مسار إقليمي لا كدولة معزولة. تحول خطابها من "خونة عرب" إلى دعوة لوحدة إسلامية شاملة ضد إسرائيل.
الحصان الصهيوني
نقطة التحول جاءت بعد 7 أكتوبر، حين سارعت وسائل الإعلام الإيرانية إلى تصوير "الحصان الصهيوني" وهو ينهار تحت ضربات حماس، موجهة للعالم العربي أن الرهان على التطبيع مع إسرائيل كان على الحصان الخاطئ. بدايةً، تباهت إيران بنجاح "محور المقاومة"، لكنها وجدت نفسها لاحقاً أمام واقع من رد إسرائيلي حازم في غزة ولبنان وسوريا واليمن وحتى هجمات مباشرة على منشآت داخل إيران (2024 وتصعيد في يونيو 2025).
الهجوم الأخير في الدوحة على أعضاء المكتب السياسي لحماس قدم دليلاً لإيران على هشاشة الاتفاقيات ومثالاً على امتداد الصراع حتى عتبات دول الخليج المطبعة.
في موازاة ذلك، تراقب وسائل الإعلام الإيرانية عن كثب أي دولة مرشحة للانضمام للتطبيع، مثل سوريا ما بعد سقوط نظام الأسد، وهو ما تعتبره إيران تهديداً استراتيجياً، والسعودية التي تربط التطبيع بقيام دولة فلسطينية. كما تبرز وسائل الإعلام انهيار التطبيع مع تركيا، الشريك الاستراتيجي والسوق السياحي والتجاري الكبير للإسرائيليين سابقاً، باعتباره رمزاً لتزعزع العلاقات مع إسرائيل.
من هنا بلورت إيران استراتيجية بثلاثة محاور:
1. الخطاب والدعاية: نزع الشرعية عن إسرائيل وتقديم إيران كمدافع عن المصالح الفلسطينية والإسلامية.
2. التهديدات غير المباشرة: تحذير الخليج من خسائر اقتصادية وأمنية وسياحية إذا تعاون مع إسرائيل.
3. الدبلوماسية المزدوجة: رغم الإدانة العلنية، تبقي إيران قنوات اتصال مع الجيران لتجنب العزلة.
بعد خمس سنوات على اتفاقيات أبراهام، لا تكتفي طهران بالإدانة الكلامية بل تستغل كل فرصة لإبراز ضعف الاتفاقيات، مؤكدة أن التطبيع ليس مساراً لا رجعة فيه، بل خطوة خطرة ومحدودة تثير شكوكاً عميقة حول مستقبلها البعيد.
د. ليئورا هندلمن بعابور، باحثة أولى في مركز أليانس للدراسات الإيرانية بجامعة تل أبيب وعضو منتدى "دبورا".