انهيار الاستراتيجيات "الاسرائيلية" وتغير المعادلات الإقليمية

اندلعت معركة طوفان الأقصى بقرارٍ فلسطينيٍ خالص صبيحة السابع من أكتوبر 2023، لتثبت المقاومة الفلسطينية أنها لاعب سياسي يمكنه تغيير خارطة التحالفات على الرغم من محدودية القدرات وصغر التأثير العسكري والسياسي المتوقع من المقاومة، حيث إن جرائم الحرب "الاسرائيلية" المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة جعلت الاحتلال في حالة شبه عزلة دولية حيث لم ينجح في التحكم بالصورة الذهنية العالمية من خلال الرواية "الاسرائيلية" التي سقطت أمام الرواية الفلسطينية.

كما أثبتت المقاومة قدرتها على سحب الاحتلال لمربع الاستنزاف العسكري في حرب مدن قلّ نظيرها في وقتنا الحالي حيث لم تخض التنظيمات الدولانية مثل "حزب الله، حماس، الجهاد الاسلامي" حربًا بهذا الشكل خلال العقدين السابق والحالي ما يكشف عن قدرة المقاومة على استخدام تكيتكات مضادة للتكتيكات "الاسرائيلية" المستخدمة من قوات الاحتلال العسكرية.

كما لم يقتصر الأمر على ما سبق فحسب، بل تعدى ذلك أشواطًا حيث استطاعت المقاومة سحق الاستراتيجية "الاسرائيلية" المبنية على الثلاث مبادئ:

الانذار المبكر.

الحسم.

نقل المعركة لأرض العدو.

فقد فشلت كافة الأجهزة الأمنية "الاسرائيلية" بتوقع ما حدث صبيحة السابع من أكتوبر، ووجد الاحتلال نفسه غارقًا في وحل حرب طويلة داخل غزة ضد أطراف غير تقليدية، الأمر الذي أثبت الضعف "الاسرائيلي" أمام تلك الأطراف من جهة وأمام الدول المحتمية به من جهةٍ أخرى.

كما لم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل تعدى ليثبت محور المقاومة نفسه من خلال توحيد الجبهات ضد الاحتلال حيث اشتركت كل من لبنان وسوريا واليمن والعراق مع غزة في توجيه ضربات عسكرية للاحتلال، وعلى الرغم من قدرة الاحتلال على تحييد كل من المقاومة في العراق ولبنان بشكلٍ مؤقت إلا أنه لم يستطع تحقيق انجازات استراتيجية على المدى البعيد في كلٍ من غزة واليمن رغم الأثمان الباهظة التي دفعها ويستمر في دفعها من أرواح قواته العسكرية والتأثيرات السياسيةالاستراتيجية الأخرى على المستوى الدولي لاستمرار الحرب على غزة.

وقد غيّرت الحرب قواعد الاشتباك بين إيران والاحتلال بشكلٍ جذري حيث انتقلت إيران من سياسة "الصبر الاستراتيجي" لسياسة المواجهة المباشرة من خلال استهدافها -إيران- للعمق "الاسرائيلي" بمئات الصواريخ البالستية والفرط صوتية والمسيرات الإيرانية، ما تسبب بإلحاق دمار هائل لدى الاحتلال وأثبت ضعف قدرته على ترسيخ ميزان الردع في المنطقة.

فيما أثبتت الحرب الفشل الأمريكي في الالتزام بالمبادئ والقيم المبني عليها المجتمع الأمريكي، حيث تستمر الولايات المتحدة في دعمها العسكري والأمني والسياسي للاحتلال رغم معارضة أعداد كبيرة من المجتمع الأمريكي، الأمر الذي يفقد الولايات المتحدة صورتها المنمقة أمام العالم، كما استغلت كل من الصين وروسيا أوروبا وضع الولايات المتحدة لصالحها من خلال مناهضة قرارتها وسعيها لجعل العالم متعدد الأقطاب.

الأمر الذي يؤكد عدم قدرة الولايات المتحدة على الاستمرار في ترسيخ التفوق النوعي لدى الاحتلال في المنطقة لعدم قدرته على حسم معركة مع طرف غير تقليدي ووجوده في بيئة معادية تسعى لاستئصاله، ما يجعل الولايات المتحدة تعيد النظر في استراتيجيتها مع الاحتلال.

كما كشفت الحرب ضعف الدول العربية وعدم تأثيرها على القرار السياسي والعسكري الأمريكي والغربي، حيث استهدف الاحتلال خلال الأيام الماضية كل من سفن قافلة الصمود العالمي المتجهة لغزة في موانئ تونس، ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب بل تمادى الاحتلال حتى قصف قيادة حركة حماس خلال اجتماعهم في الدوحة لمناقشة المقترح الأمريكي الجديد، ما يؤكد على عدم اعتبار الاحتلال للدول العربية وتأثيرها.


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025