استمرار الدعاية والحرب النفسية...

: *مصر تحذّر الكيان: اتفاقية السلام في خطر* 

جاكي خوجي 

لأول مرة منذ تولّيه الحكم، استخدم هذا الأسبوع رئيس مصر كلمة "عدو" لوصف إسرائيل. في القاهرة يقولون إن اختيار الكلمة لا يعكس تهديدا، بل قلقا. ويحذّرون من أن الحرب في غزة تدحرج العلاقات إلى الهاوية.

هذا الأسبوع، ولأول مرة في خطاباته، وصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إسرائيل بأنها "عدو"، صحيح أنه قال ذلك على هامش الخطاب، في الفقرة ما قبل الأخيرة، وبطريقة عابرة نسبيا، لكنه قال ما قال. لم تكن زلة لسان أو كلمة تسلّلت في اللحظة الأخيرة. لقد وُزنت الكلمة بعناية، وكان الهدف منها توجيه رسالة خطيرة إلى تل أبيب.

السيسي أعلن أن على الحكومات العربية والإسلامية، التي كان عشرات من ممثليها في القاعة يستمعون إلى خطابه، أن تتوحد في ائتلاف للسلام، وبهذا يرشدوا إسرائيل إلى الطريق الصحيح. وهناك، عندما قصد إسرائيل، قال "عدو".

رئيس مصر الحالي هو من أنصار السلام مع إسرائيل، وفي الماضي كون علاقة صداقة جيدة مع بنيامين نتنياهو. تجاه أنور السادات، الذي عقد الاتفاق مع مناحم بيغن، يشعر بإعجاب. لو كان الأمر بيده، لما استخدم هذه الكلمة الثقيلة. لكن برأيه، من الأفضل رفع البطاقة الصفراء الآن قبل أن يفوت الأوان.

بذلك أراد أن يقول لإسرائيل إن الحرب التي تخوضها في غزة كانت منذ البداية مشكلة بالنسبة لهم. الحكومة المصرية كان يمكنها تحمّلها لو استمرت عدة أشهر، لكن منذ أن تحوّلت إلى واقع دائم، باتت تهدّد الأمن القومي لمصر. والآن، تقول القاهرة، وصلت كرة الثلج إلى المرحلة الثالثة، الأخطر على الإطلاق. هذه المرحلة تعني أن اتفاقية السلام في خطر.

من المحتمل أنه لولا هجوم الجيش الإسرائيلي في قطر، لما قيلت هذه الكلمات. "عملية الدوحة" فعلت بالدول العربية ما لم تفعله سنتان من الحرب في غزة. طالما كانت إسرائيل تقتل فلسطينيين، فإن هذه الحكومات عرفت كيف تستوعب الواقع، بل وتساعد الغزيين بما تستطيع. لكن عندما أرسلت إسرائيل صواريخ دقيقة إلى الدوحة، فقد أشارت حكومة إسرائيل إلى أن تلك الدول أيضا في دائرة النار.

غدا، قد يكتشف جهاز الاستخبارات الإسرائيلي خلية فلسطينية في إربد بالأردن، فترسل الحكومة طائراتها لتصفيتها. وإن اكتُشفت خلية كهذه في الإسكندرية بمصر، قد تفعل الشيء نفسه. سيقول مقربون من نتنياهو: قطر حالة خاصة، دولة معقدة.

لا توجد أي نية للقيام لمصر أو الأردن أو السعودية أو تركيا أو دول أخرى بما فعلناه لها. لكن القادة العرب غير واثقين بذلك. لقد تابعونا فترة طويلة ويعتقدون أنه رغم أن نتنياهو هو صاحب القرار، إلا أن سياسته الأمنية تتشكل وفقا لنهج بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن چڤير.

مصر حددت لنفسها ثلاثة سيناريوهات خطيرة، إذا وقع أحدها فسيُعتبر تجاوزا للخط الأحمر: دخول قوة من الجيش الإسرائيلي إلى أراضيها لأي سبب كان، هجرة لاجئين غزيين إلى سيناء، أو هجوم إسرائيلي على أرضها. السيسي ورجاله يعتقدون أن حكومة إسرائيل لا تنوي وقف الحرب، ولذلك فإن هذه السيناريوهات ليست خيالية وهم يستعدون لها. الخطوة الأولى في هذه الاستعدادات هي الردع. هكذا وُلد خطاب هذا الأسبوع في قمة الطوارئ في الدوحة.

قبل دقائق من وصفه إسرائيل بـ"العدو"، أوقف السيسي مجرى خطابه ليحذّر من خطر على اتفاقية السلام. كانت كلماته ناعمة، لكن الرسالة كانت قاسية: استمرار الحرب، كما قال، يضعف السلام ويهدد أمن جميع شعوب المنطقة.

السيسي أشار إلى أن هذا الوضع يعيق توقيع اتفاقيات سلام جديدة، وبهذا ألمح إلى السبب الذي يمنع دولًا عربية أخرى من تقوية علاقاتها مع إسرائيل. وأضاف: "بل أكثر من ذلك، هذا الوضع يقوّض اتفاقيات السلام القائمة مع دول المنطقة، وقد تكون لذلك عواقب وخيمة". وأكد أن هذه الكلمات يوجّهها إلى الشعب في إسرائيل.
لماذا إلى الشعب وليس إلى الحكومة؟ لأنه يائس منها، وأيضا حتى لا نفاجأ إذا حدث شيء ما.

القاهرة بالفعل اكتفت بـ12 دقيقة من الخطاب ولم تنقل هذه الرسائل إلى إسرائيل عبر القنوات المباشرة. افترضت أن تل أبيب تعرف كيف تفسر رسالة رئيسهم. حتى لو أرادوا، لم يعد هناك من ينقل الرسالة بالطرق المعتادة. خطوط الاتصال بين القاهرة و تل أبيب تصدأ منذ فترة طويلة. المصريون لم يعيّنوا سفيرا منذ أن غادر آخر واحد مكتبه في تل أبيب.
كما يرفضون استقبال السفير الإسرائيلي. حتى بين مكاتب القادة لم يعد هناك تواصل. منذ 7 أكتوبر يسود قطيعة وغضب بين السيسي و نتنياهو.
:

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025