الكاتب: إسحاق بريك | المصدر: مقال رأي
من مصر والأردن وغزة وسوريا وتركيا وإيران—الساحات التي ظُنّ أنها ضعفت ليست ضعيفة. أدعو كل من يفضل تجاهل الواقع، وخاصة المؤيدين بلا نقد لمواقف بنيامين نتنياهو، لقراءة ما يلي بعناية. هدفي عرض صورة شاملة للمخاطر الاستراتيجية التي تواجه إسرائيل من كل دول الخصوم المحيطة بنا، وشرح النقاط التي طرحتها طوال فترة الحرب والمتعلقة بتهديدات لا يزال كثيرون يتجاهلونها حتى اليوم.
الادعاءات بحسم نهائي ضد حزب الله أو إيران أو سوريا أو حماس، وكذلك الافتراض بأن علاقاتنا مع مصر والأردن مستقرة تماماً، لا تعكس تعقيد الوضع الحقيقي. الفهم العميق للتحديات الإقليمية أمر حاسم. أحياناً يكون الصمت والإنصات أفضل من كثرة الكلام.
1. جاهزية حزب الله للحرب رغم الضربات القاسية، يستمر حزب الله في التسلح والاستعداد لمواجهة مستقبلية مع إسرائيل. الأمين العام الحالي نعيم قاسم يرفض تماماً نزع سلاح التنظيم رغم الضغوط السياسية والأمنية. الحكومة اللبنانية، تحت ضغط أمريكي، أقرت في آب/أغسطس 2025 جدولاً زمنياً لنزع سلاح حزب الله وتسليم السيطرة على السلاح للجيش اللبناني، لكن الحزب عارض الخطة بشدة. تقديرات استخبارية تفيد بأن الحزب أعاد ترميم جزء ملموس من بنيته خلال الشهر الأخير، وأن الهدوء النسبي جزء من استراتيجية محسوبة، لا دليل على شلله. الخلاصة: حزب الله لا يزال تهديداً جوهرياً.
2. التهديد من تركيا والنظام السوري الجديد التعاون العسكري بين تركيا و"الحكومة الانتقالية السورية" يفتح مرحلة جديدة. هناك مذكرة تفاهم أمني تشمل تسليحاً ولوجستيات وتدريباً للجيش السوري الجديد، وقواعد مشتركة في الشمال. الهدف المشترك هو كبح القوى الكردية. تركيا ثاني أكبر جيش في الناتو، تتفوق عدداً وبحراً وتطور منظومات تسليح متقدمة بينها صواريخ بالستية أطول مدى قد تُوجَّه نحو إسرائيل. ساحة سوريا نقطة احتكاك رئيسية مع احتمال توسع النفوذ التركي قرب حدودنا. إسرائيل لا تعيد بناء جيشها ولا توسّعه استعداداً لاحتمال مواجهة مع تركيا. تصريحات سابقة للرئيس التركي تعكس عداءً واضحاً، ما يفرض استعداداً إسرائيلياً جاداً لاحتمال احتكاك مستقبلي.
3. التهديد من اتجاه الأردن الحدود الأطول لإسرائيل نحو 309 كم. هادئة نسبياً لكنها شهدت خلال العقد الأخير تهريب مئات آلاف قطع السلاح نحو الضفة الغربية ولعناصر متطرفة داخل إسرائيل. أي زعزعة إيرانية لاستقرار الأردن قد تولّد خلايا مسلحة على الجانب الأردني تنفذ إطلاق نار وتسللات مستغلة ثغرات حدودية. تقارير تفيد بتنامي تمويل وتدريب ونقل أسلحة عبر وسطاء مرتبطين بإيران، مع أدوار لحماس وحزب الله. الهدف خلق جبهة بديلة في الأردن إذا فُقدت السيطرة في جنوب لبنان. هذا يرفع المخاطر على الضفة والداخل الإسرائيلي.
4. التهديد المصري تقديري أن الجيش المصري يتدرب على سيناريو اجتياح لإسرائيل. ينشر قوات في سيناء بأضعاف ما يسمح به اتفاق السلام، ويبني بنى تحتية لعبور قناة السويس وفوقها وتحتها، تتجاوز المئة معبر، إلى جانب تجهيزات عسكرية داخل سيناء. هناك مناورات بحرية كبيرة مرتقبة بين مصر وتركيا. طُلب من الولايات المتحدة الضغط لوقف إدخال قوات مصرية إضافية إلى سيناء خلافاً للاتفاق. تُطرح مبادرات عربية لقيادة قيادة مشتركة دفاعية قد تُستخدم أيضاً ضد إسرائيل. الخلاصة: السلام بات ورقياً وقيمة الاتفاق تآكلت.
5. التهديد الإيراني بعد حرب الأيام الاثني عشر الحرب في حزيران/يونيو 2025 ألحقت أضراراً كبيرة بمنشآت الصواريخ والنووي في إيران وأخّرت برنامجها أشهراً حتى سنة كحد أقصى. إيران تعمل على التعافي والتركيز على محورين: برنامج الصواريخ: ضُربت مرافق إنتاج وإطلاق، لكن إيران تعلن استمرار قدرات الإطلاق واستئناف الاختبارات وتعزيز ترسانة صواريخ مناورة ومتعددة الرؤوس، مع تحسين الدفاع الجوي والرادار. البرنامج النووي: تعرضت منشآت مركزية لأضرار كبيرة وتراجع مستوى التخصيب عملياً، لكن إيران تواصل التخصيب لمستويات عالية تتجاوز الاحتياجات المدنية وتفاوض على اتفاق جديد وتهدد بالانسحاب من معاهدة عدم الانتشار إذا فُعّل مسار العقوبات. النتيجة: الطموح العسكري والنووي لم يتراجع، وإيران تعيد بناء قوتها بما يشكل تهديداً حرجاً.
6. التهديد المتطور في الضفة الغربية تقييمات مبنية على مقابلات واسعة مع فلسطينيين تشير إلى خطر انفجار قادم. الأسباب دينية واقتصادية وسياسية، مع قاسم مشترك هو تصاعد مجموعات المستوطنين المتطرفين وما يخلقه من احتكاك. بالتوازي، يُسجَّل ضعف في الدافعية لدى بعض قوات الجيش القادمة من المركز. في حال شعور الفلسطينيين بأنه لا شيء ليخسروه قد تُهاجم مستوطنات على نطاق واسع قبل قدرة الجيش على الاستجابة، ما يخلق واقعاً أمنياً خطيراً.
7. تهديد الجبهة الداخلية من متطرفين عرب وبدو في حرب إقليمية شاملة دروس أيار/مايو 2021 تشير إلى صعوبة ضبط اضطرابات داخلية واسعة. لم يُبنَ حتى الآن حرس وطني مدني واسع وفعّال، بل جرى حتى تقليص سرايا الطوارئ في بلدات محاذية لغزة. مسببات التصعيد قائمة بل ومتفاقمة، والنقاش حول الحرس الوطني يتعثر لأسباب تنظيمية وميزانية وصراعات نفوذ.
الخلاصة رغم تصاعد التهديدات في الدوائر المحيطة، لا ينخرط المستوى السياسي والعسكري بجدية في إعداد الجيش للدفاع أمام هذه الأخطار. الجيش غارق حتى الرأس في مستنقع غزة منذ عامين وغير قادر حتى على حسم حماس. هذه مصيدة نصبها أعداؤنا: جذب انتباه إسرائيل ومواردها إلى حرب مع الأضعف بين خصومها، وشلّ قدرتها على إعادة بناء الجيش وتوسيعه لمواجهة التهديد الحقيقي في الدوائر الثلاث حول حدودنا، وهو يتنامى بسرعة ويهدد وجودنا.