مركز القدس للشؤون العامة والدولة
يوني بن مناحيم
ترجمة حضارات
موجة من الاحتجاجات تجتاح مناطق السلطة الفلسطينية بعد مقتل الناشط السياسي نزار بنات على يد عناصر الأمن الفلسطيني.
في نهاية الأسبوع الماضي، تظاهر آلاف الفلسطينيين في الخليل ورام الله ضد السلطة الفلسطينية وقائدها، وطالبوا بمحاكمة المسؤولين عن وفاته، ودعوا في نفس الوقت رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس والمجموعة المحيطة به: رئيس الوزراء محمد اشتيه، وحسين الشيخ، وماجد فرج وآخرين إلى الاستقالة.
يستمر الاحتجاج الشعبي، لكنه يظهر بوادر تراجع. أعلن حزب الشعب الفلسطيني، الليلة الماضية، استقالته من حكومة محمد اشتيه لأنها لا تحمي حقوق الإنسان للفلسطينيين.
كان بنات ناشطًا سياسيًا من منطقة الخليل وناضل من أجل حقوق الإنسان وضد فساد السلطة الفلسطينية، وسجل مئات مقاطع الفيديو التي نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، بما في ذلك انتقادات لاذعة لفساد السلطة الفلسطينية.
هذه شخصية شعبية ناضلت من أجل ما تؤمن به: العدالة لسكان الضفة الغربيةK كانت الديمقراطية وحرية التعبير والحرب على الفساد بمثابة شمعة بالنسبة له على الرغم من إدراكه للمخاطر الكامنة في العيش في ظل نظام دكتاتوري فلسطيني.
اقتحم حوالي 25 من حراس الأمن الفلسطيني برئاسة اللواء زياد هب الريح، الموالي لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وداهموا الخميس الماضي منزل نزار بنات في الخليل، وضربوه أمام عائلته بالهراوات والقضبان الحديدية، بما في ذلك الضرب على رأسه، وجردوه من ملابسه لإذلاله، وجروه عارياً إلى غرفة التحقيق في مركز شرطة الخليل، بعد ساعتين، أُبلغت عائلته بأنه توفي أثناء الاستجواب.
حكم دكتاتوري مظلم..
ما حدث لبنات يعكس السلوك اليومي للسلطة الفلسطينية وقوات الأمن الفلسطينية ولا علاقة لها بـ "إسرائيل"، رغم وجود عدة عناصر سياسية في الشارع الفلسطيني تحاول ربطها بالتنسيق الأمني بين السلطة و "إسرائيل" بموجب اتفاقيات أوسلو. حيث الحديث عن التصرف الشخصي لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي يهدف إلى الحفاظ على مقعده، مثله مثل أي حاكم عربي آخر في الشرق الأوسط، من خلال أجهزته الأمنية.
السلطة الفلسطينية نظام عربي دكتاتوري لكل المقاصد والأغراض، وحقوق الإنسان وحرية التعبير لا تهم مسؤولي السلطة الفلسطينية الذين يهتمون بشكل أساسي بأنفسهم وعائلاتهم ويتورطون في الفساد، الأمر الثاني الذي يهمهم هو الحفاظ على وظائفهم ومكانتهم بكل الطرق، بما في ذلك القمع الوحشي لكل من يعارض حكمهم.
لذلك، أصدر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس "قانون الجرائم الإلكترونية" منذ أكثر من عامين، والذي يسمح للسلطة باعتقال واستجواب وحظر كل من ينتقده على وسائل التواصل الاجتماعي، وحاولت أجهزة الأمن الفلسطينية تطبيق هذا القانون عدة مرات على نزار بنات، تم اعتقاله واستجوابه أكثر من 12 مرة حول أشياء نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، لكنه استمر بشجاعته، رغم التهديدات، حيث قال لمقربيه إنه يعرف السلطة الفلسطينية ومحمود عباس لا يتحملان انتقاداته وأن نهايته باتت قريبة.
وكان رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتيه قد أعلن عن تشكيل لجنة تحقيق للتحقيق في ملابسات مقتل نزار بنات، تحاول السلطة الفلسطينية إخماد الغضب الشعبي والانتقادات الدولية التي وجهتها إليها إدارة بايدن والدول الأوروبية ومنظمات حقوق الإنسان.
لكن لا أحد في الضفة الغربية لديه أي توقعات من التحقيق، في جميع الحالات السابقة التي قتل فيها حوالي 40 فلسطينيًا في مقرات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.
وتقول مصادر في منطقة الخليل إن عائلة نزار بنات تحقق الآن في أسماء عناصر الأمن الذين ضربوه حتى الموت وستحاسبهم بمساعدة عناصر أخرى على طريقة الانتقام الدموي "الثأر" المتبعة في المجتمع الفلسطيني.
استقرار حكم السلطة الفلسطينية..
يتهم كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية محمد دحلان، المنافس السياسي اللدود لمحمود عباس، وحركة حمـــ اس بتحريض الجماهير على نظام السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. يقول مسؤولون في السلطة الفلسطينية إن السلطة الفلسطينية تسيطر على الوضع رغم المظاهرات ويمكنها احتوائها بحكمة.
قال مسؤولون أمنيون كبار في "إسرائيل" إنه لا يوجد حاليا أي خطر على حكم محمود عباس؛ بسبب موجة الاحتجاجات الشعبية على مقتل نزار بنات. لا تتدخل "إسرائيل" لأنها قضية فلسطينية داخلية، ولكن إذا كان هناك خطر على استمرار نظام محمود عباس؛ فسوف تتدخل "إسرائيل"، "لن نسمح لمنظمة حمـــ اس بالسيطرة على الضفة الغربية"، بحسب مسؤول سياسي رفيع المستوى.
الاحتجاجات ضد السلطة الفلسطينية في أعقاب وفاة نزار بنات هي اختبار مهم لقدرة السلطة الفلسطينية على البقاء بمفردها في الضفة الغربية دون مساعدة من "إسرائيل"، ووضع السلطة الفلسطينية في حالة تدني في أعقاب الحرب الأخيرة في قطاع غزة، قوة حمــ اس تعززت بشكل كبير في الشارع الفلسطيني ومقتل نزار بنات يفاقم الوضع الداخلي في الضفة الغربية بالنسبة للسلطة الفلسطينية.
استدعى رئيس السلطة الفلسطينية نشطاء فتح في الضفة الغربية للدفاع عن نظامه، مع وجود حوالي 30 ألف عنصر أمن مسلح تحت تصرفه، بعضهم ماهر في تفريق المظاهرات، وفتح التنظيم في الضفة الغربية لديها عشرات الآلاف من الأسلحة، في غضون ذلك، نزل جزء صغير منهم فقط إلى شوارع رام الله.
على الرغم من استمرار موجة الاحتجاجات، يبدو أن عباس يتحكم في الوضع. الانتخابات في السلطة الفلسطينية لن تجرى في الأشهر المقبلة، ومحمود عباس يتفهم تماما وضعه وأوضاع حركة فتح، في ظل الكراهية الشعبية للسلطة وتعزيز حركة حمـــ اس في الشارع الفلسطيني، يصبح الأمر يعتمد بشكل أكبر على مساعدة "إسرائيل"، هذا سيزيد من دوافعه لمحاربة "الإرهاب" في الضفة الغربية، فحمـــ اس ستحاول بالتوازي مع التظاهرات الشعبية لدفع موجة من "الإرهاب" في الضفة الغربية لإحداث فوضى أمنية، أصدرت حركة حمـــ اس أمس دعوة لزيادة "المقـــ اومة الشعبية" ضد المستوطنات في الضفة الغربية.