البرنامج الفضائي الإسرائيلي.. نجاحات وإخفاقات

أحمد عبد الرحمن

كاتب في الشأن السياسي والعسكري


مقدمة:

تحدثنا في الجزء الأول من هذا المقال، عن بدايات برنامج الفضاء "الإسرائيلي"، واستعرضنا بشيء من التفصيل الخطط التي تم وضعها للوصول بهذا البرنامج إلى مستوى متقدم، يضاهي في جزء كبير منه برامج الدول المتقدمة، وهو ما سمح للكيان الصهيوني بأن يُشرف على مساحة واسعة من جغرافيا المنطقة، ويجمع الكثير من المعلومات الاستخبارية الحسّاسة، الخاصة بعديد الدول لا سيّما تلك التي تناصبه العداء، وكانت وما زالت تشكّل تحدياً استراتيجياً لوجوده غير الشرعي، في القلب من منطقتنا العربية والإسلامية.

في هذا الجزء الثاني والأخير، سنشير لما تبقّى من الأقمار الاصطناعية التي تملكها "إسرائيل"، وهي -بدون أدنى شك- أكثر تطوراً وحداثة من تلك التي أشرنا إليها في الجزء الأول، وتملك إمكانيات تكنولوجية فائقة.

كما سنعرّج على الصواريخ البالستية التي يتم استخدامها لإيصال الأقمار الاصطناعية إلى مداراتها الفضائية، والتي تطورت كثيراً خلال السنوات الأخيرة.

هذا بالإضافة إلى الأهداف الإسرائيلية من وراء هذا البرنامج، والتي تشمل أكثر من اتجاه، سواء على الصعيد السياسي، أو الاقتصادي، أو العلمي، أو العسكري.

الأقمار الاصطناعية "الإسرائيلية":

كنا قد أشرنا سابقاً إلى أربعة من الأقمار الاصطناعية التي أطلقتها "إسرائيل" إلى الفضاء الخارجي، والتي حملت جميعها اسم "أفق" بأرقام متسلسلة من 1-4، حيث شهد الإطلاق الأخير في العام 1998، إخفاقاً كبيراً، بسبب فشل الصاروخ الناقل للقمر من تجاوز مرحلة الإطلاق الثانية، الأمر الذي أدى لسقوط القمر "أفق-4" في البحر.

سننتقل اليوم إلى نوع آخر من الأقمار الاصطناعية، والتي خُصص بعضها للاتصالات والبث التلفزيوني، فيما البعض الآخر تم استخدامه لأغراض البحث العلمي، حسب ما نُشر في الصحافة الإسرائيلية، مع ضرورة التنويه إلى أن العديد من المصادر الاستخبارية الأجنبية، قد ألمحت غير مرة، إلى أن هذه الأقمار تؤدي خدمات أمنية واستخبارية بامتياز، إلى جانب مهامها الأخرى المعلن عنها.  

1ـ القمر الاصطناعي "عاموس-1" (Amos-1 ):

حسب الإعلان الإسرائيلي فإن هذا القمر، مخصص للاتصالات الهاتفية والتلكس والتليفاكس، إضافة إلى البث التليفزيوني، حيث يمكن استقبال البث الخاص به بواسطة هوائيات، على شكل طبق، قطْره "80 سم"، ويوفّر القمر تغطية إشعاعية لمنطقة الشرق الأوسط، وجزء من شمالي أفريقيا، وجزء من شرقي أوروبا.

تم إطلاق "Amos-1"، في الخامس عشر من أيار/ مايو 1996، ويتميز بأنه من فئة أقمار الاتصالات الخفيفة، حيث يبلغ وزنه "961 كجم"، وأُطلق بواسطة الصاروخ الفرنسي"آريان-4" (Ariane - 4)، وقد وُضـع القمر "عاموس-1" في المدار الجغرافي المتزامن، على ارتفاع "35786 كم"، عند تقاطعه مع خط الطول (4) غرباً.

ونظراً إلى بُعد المدار، وثقل وزن القمر، بالمقارنة بأقمار الاستطلاع من نوع "أفق- Ofeq"، فإن صاروخ شافيت "Shavit"، لم يكُن قادراً على إطلاقه؛ ولهذا تم الاستعانة بخدمات شركة (إيريان سبيس/Airiane space ) الفرنسية لإطلاقه بواسطة الصاروخ "أريان -4".

وقد تم إنتاج القمر من خلال مشروع مشترك ساهمت فيه ثلاثة شركات، إحداها شركة "سبيس كوم- Spacecom" الإسرائيلية، وشركة "الكاتل سبيس- Alcatel Spaceالفرنسية"، وشركة "ديملر بنز إيروسبيس - Daimlar Benz Aerospace" الألمانية، وقد بلغت نفقات إنتاج القمر " 350" مليون دولار.


2. القمر الاصطناعي "تيكسات-1" (Techsat – 1):

تم تصميم هذا القمر بواسطة أساتذة وطلبة كلية "الهندسة الفضائية"، وهي تابعة للمعهد الإسرائيلي للتكنولوجيا (التخنيون-Technion)، وهو عبارة عن قمر اصطناعي صغير، أو ما يُطلق عليه "Micro – Satellite"، حيث بلغ وزنه 52 كجم فقط، ويحتاج إلى طاقة كهربائية، قدرها 17 وات، وقد شاركت ثماني شركات إسرائيلية في تصنيع مكوّنات القمر، بينما تولت الكلية إنتاج أجزاء أخرى، وتجميع مكوناته، واختباره.

واحتوى القمر "تيكسات-1 /Techsat-1" على أجهزة لقياس الأشعة السينية، والمجال المغناطيسي، ودراسة طبقة الأوزون، ومعدات الاتصال، وأجهزة استشعار مختلفة، وكاميرات تصوير، وبلغت نفقات إنتاجه ثلاثة ملايين ونصف المليون دولار، وقد جرى إطلاقه بواسطة الصاروخ الروسي "SS-25".

ويعمل المعهد الإسرائيلي للتكنولوجيا "Technion"، حالياً، في برنامج جديد، لإنتاج قمر آخر، أكثر تقدماً، وأثقل وزناً (250 ـ 300 كجم)، وهو القمر " تيكسات-2 / Techsat – 2".


3. القمر الاصطناعي "تيفوكس" (TAUVEX):

يتكون هذا القمر من ثلاثة تلسكوبات، تعمـل بالأشعـة فوق البنفسجيـة، وهـي جزء من مجموعـة أجهـزة، تُستخـدم لإجراء تجارب علمية فضائيـة مشتركة، بين إسرائيل وروسيا والدانمارك, وقد تم لاحقاً تركيب هذه الأجهزة في القمر الصناعي الروسي Spectrum Roentgon" "Gamma SRG.


4. القمر الاصطناعي "ديفيد " ( David):

يُعتبر من أقمار الاستشعار عن بعد، وهو نتاج برنامج مشترك مع وكالة الفضاء الألمانية "DARA"، لإنتاج قمر استشعار عن بُعد "Remote Sensing Satellite"، حيث ساهمت ألمانيا بالجزء الأكبر من ميزانية البرنامج.

تم إطلاقه في العام 1999، بواسطة صاروخ "شافيت"، ويحتوي على 120 قناة تلفزيونية ملونة، وهو من الأقمار خفيفة الوزن، إذ لا يتجاوز وزنه 150 كجم.


5. القمر الاصطناعي "أفق- 13" (Ofeq -13):

وهو آخر أقمار "إسرائيل" الاصطناعية وأحدثها، أُطلق فجر الأربعاء التاسع والعشرون من آذار/مارس من هذا العام، من قاعدة "بلماخيم " الجوية، بواسطة صاروخ "شافيت"، تم وصفه في الصحافة الإسرائيلية بأنه درة تاج الأقمار الاصطناعية من طراز "أفق"، وهو يختلف عن باقي نظرائه من هذا النوع لاعتماده على نظام الرادار "أفق 13" مخصص للتصوير الفوتوغرافي والتجسس، وهو يشكل الجيل الجديد من الأقمار الاصطناعية الإسرائيلية.

يتميز "أفق 13" بأن لديه القدرة على إرسال إشارة تصل إلى الأرض ثم تعود إليه، وبالتالي تخلق في وقت قصير وسريع صورة لا تعتمد على السحب أو الظلام، أو غير ذلك من الظروف الجوية، وحسب قسم أنظمة الصواريخ والفضاء في الصناعات الجوية الإسرائيلية، فقد تم بناء وتطوير مدار "أفق 13"، بحيث يدور حول سطح الأرض مرة كل 90 دقيقة، وهو ما يمكّنه من التحرك في مسار يمر فوق كلٍّ من سوريا وإيران.

كما يتميز "أفق 13″، بالقدرة على البقاء والتحليق في الفضاء لعقود، وذلك خلافاً للأقمار الاصطناعية الإسرائيلية الأخرى، كما تتميز تقنية تشغيله بالقدرة على العمل والرصد والتوثيق والرؤية ليلاً ونهاراً، بحيث يمكن لكاميراته أن تخترق الغيوم في جميع الظروف الجوية.


برنامج الصواريخ الباليستية "متعددة المهام":

منذ بداية برنامج الفضاء الإسرائيلي، تركزت جهود الهيئات المختصة التابعة لهذا البرنامج على إنتاج صواريخ الإطلاق، وهي تُعتبر أقلّ تعقيداً وتكلفة من الأقمار الاصطناعية، ويمكن لها أن تُستخدم كصواريخ بالستية من طراز أرض/أرض، في المواجهات العسكرية، لا سيما تلك التي تحتاج إلى صواريخ طويلة المدى، إذ أن التعديلات الواجب إدخالها على صاروخ الإطلاق فضائي، ليتحول إلى صاروخ بالستي حربي هي تعديلات غير جوهرية، ولا تحتاج لعمل كبير، أو تكلفة عالية، حيث إن الصاروخ الذي يحمل قمراً اصطناعياً، يمكن له بعد أن يُدخل عليه تعديلات طفيفة، أن يحمل رأساً حربياً تقليدياً، أو كيماوياً، أو نووياً، ولذلك، فإن امتلاك إسرائيل لهذه الصواريخ، يحقق لها أكثر من هدف في وقت واحد، بما في ذلك برنامجها النووي.

بدأت صناعة الصواريخ ذات الاستخدام المتعدد في "إسرائيل"، مبكراً جداً، حيث أبرمت وزارة "الدفاع" الإسرائيلية اتفاقاً في العام 1963، مع شركة "Daussault" الفرنسية، بلغت قيمته 100 مليون دولار؛ لإنتاج صاروخ أرض ـ أرض، من نوع "MD – 600"، على أن يبدأ استلام الدفعة الأولى منه في عام 1968، وتم إجراء العديد من التجارب في الصحراء الكبرى في شمالي أفريقيا، في مارس1965، إلا أن الشركة الفرنسية انسحبت من المشروع بعـد حرب حزيران/يونيو1967، ما اضطر "إسرائيل" لاستئناف العمل فيه بشكل منفرد، بتمويل من جنوب أفريقيا.

وفي عام 1968، أُجريت تجربة الإطلاق الأولى لهذا النوع من الصواريخ، والذي أُطلق عليه "أريحا-1"، تم بعدها إنتاج النسخة الثانية منه تحت اسم "أريحا- 2"، الذي تحوّل بعد فترة ليست بالطويلة لصاروخ "شافيت" Shavit، الذي اُستخدم في إطلاق أقمار "أفق – Ofeq" الأربعة، ثم تلا ذلك إنتاج صاروخ "نكست – Next"، وأخيراً قامت بإنتاج أحدث صواريخها البالستية، الذي أُطلق عليه "أريحا – 3"، والذي يصل مداه ما بين "4800 – 6500" كلم.

1. صاروخ "أريحا -1" (1- Jericho):

وهو صاروخ متعدد المهام من نوع أرض – أرض، ويُعتبر أول الصواريخ البالستية الإسرائيلية، تم تصنيفه بأنه صاروخ قصير المدى، حيث يتكوّن من مرحلتين، ويستخدم وقوداً جافّاً، ويتم توجيهه من خلال خاصية "القصور الذاتي"، والمقصود بالقصور الذاتي هو: (أن باستطاعة أي جسم مادي الاستمرار في الحركة، بسرعة ثابتة، وفي الاتجاه ذاته، ما لم تتدخل قوة خارجية وتغير حركته، أو اتجاهه).

ويزن صاروخ "أريحا-1"، حوالي "4500"كجم، وطوله 10 أمتار، ويبلغ مداه ما بين "500 – 700" كم، ويحمل رأس حربي بزنة "500"كجم، ويمكنه حمل رأس حربي تقليدي، أو كيماوي، أو نووي.

2. صاروخ "أريحا -2" (Jericho - 2):

"أريحا-2" هو النسخة الثانية من صاروخ "أريحا -1"، وهو صاروخ باليستي، أرض- أرض، متوسط المدى، ويتكون من مرحلتين، ويستخدم وقوداً جافّاً، ويُوجَّه من خلال خاصية "القصور الذاتي"، مع إمكانية تعديل وجهته في المرحلة النهائية من المسار لزيادة دقة الإصابة.

يبلغ وزن الصاروخ "6500"كجم، وطوله 12 متراً، ويصل مداه ما بين "1400 - 1600 "كم، يمكنه حمل رأس حربي تقليدي أو كيماوي أو نووي، بزنة 1500كجم، وقد تم إدخاله إلى الخدمة في عام 1990، مع الإشارة هنا إلى أنه إذا تم استخدام هذا الصاروخ لأغراض حربية عسكرية، فإنه يستطيع أن يصل إلى جميع البلدان العربية، إضافة إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

3. صاروخ " شافيت" (Shavit):

قامت الصناعات العسكرية في "إسرائيل" بتطوير صاروخ "أريحا-2" من خلال إضافة مرحلة ثالثة له، حيث أطلقت على النسخة الجديدة اسم "شافيت – Shavit"، والذي استخدمته لاحقاً في إطلاق الأقمار الاصطناعية الخفيفة، من نوع "أفق – Ofeq"، إلى المدارات القريبة من الأرض، "Low Earth Orbits"، وهي المدارات التي لا يزيد ارتفاعها على "1500" كلم، ويبلغ طول الصاروخ 17.7م، وقطْره 1.352م، ووزنه، عند الإطلاق، 22 ـ 23 طناً.

تم إطلاق صاروخ "شافيت- Shavit"، لأول مرة، في العام 1986، فوق البحر الأبيض المتوسط، ثم أُعيد اختباره من جديد، قبل أيام قليلة من إطلاق القمر الصناعي الإسرائيلي الأول، في 14 سبتمبر 1988، واختبر مرَّة ثالثة، في 7 يوليه 1989، بإطلاقه من قاعدة أوفربيرغ "Overberg، بالقرب من مدينة كيب تاون Cape Town" في جنوب أفريقيا، حيث حلّق في هذه التجربة إلى مسافة " 1400" كم.

وفي الثالث من نيسان/أبريل 1990، تم إطلاق صاروخ شافيت "Shavit"، من قاعدة بلماخيم "Palmachim"، حاملاً القمر الصناعي الإسرائيلي الثاني "أفق -2" إلى مداره، حيث تمت العملية بنجاح، ولكنه وحسب بعض المصادر الإسرائيلية، فقد فشل الصاروخ في القيام بمهامه بعد هذا الإطلاق، حيث جرت عدة محاولات بعد إطلاق القمر "أفق -2"، لإطلاق القمر الاصطناعي "أفق-3"، دون أن تتكلل بالنجاح، حيث استمر هذا الإخفاق مدة خمس سنوات، إلى أن تم أخيراً في الخامس من نيسان/أبريل من العام 1995، من خلال إطلاق القمر الثالث في منظومة الأقمار الاصطناعية الإسرائيلية، "أفق-3/3 Ofeq"، ولكن الفشل عاد مرة أخرى في الثاني والعشرون من كانون ثاني/ يناير 1998، عندما فشل صاروخ "شافيت - Shavit" في إطلاق القمر "أفق-4/ Ofeq – 4"، وسقط في البحر.

4. صاروخ "نكست" ( NEXT ):

حاولت "إسرائيل " من خلال إنتاج صاروخ "نكست – NEXT"، الدخول كمنافس قوى في السوق العالمي الخاص بالأقمار الاصطناعية التجارية الخفيفة، وقد اُعتبر الصاروخ الجديد نسخة مطورة من صاروخ "Shavit"، إذ تم إطالة مرحلتيه الأولى والثانية، مع إضافة مرحلة رابعة تعمل بالوقود السائل، ويبلغ طول صاروخ NEXTـ 21م، وقطْره 1.352 م، فيما يبلغ وزنه عند الإطلاق 31 طناً.

وتقول المصادر الإسرائيلية إنه قادر على حمل أقمار اصطناعية، من زنة 400 كجم، إلى مدارات قطبية، إذا تم إطلاقه من قواعد خارج إسرائيل، والمدار القطبي هو الذي تكون زاوية ميله إلى خط الاستواء تساوي "90^ه" أو قريبة منها، أي أنه يُصبح باستطاعة القمر الذي يُحلّق في هذه المدارات، أن يمسح الكرة الأرضية من الشمال إلى الجنوب، وبالعكس.

5.صاروخ "أريحا -3" (Jericho –3):

هو أخطر وأحدث الصواريخ البالستية الإسرائيلية، ويُصنف بأنه صاروخ متعدد المهام، إذ يمكن استخدامه كصاروخ أرض- أرض طويل المدى، حيث يبلغ مداه ما بين 4800 إلى 6500 كلم، ويستطيع الوصول إلى أي منطقة في الشرق الأوسط بسهولة، أو لإطلاق الأقمار الاصطناعية إلى الفضاء، وهو عبارة عن نسخة مطورة من صاروخ "أريحا 2"، دخل الخدمة عام 2011، ويعمل بالوقود الصلب، ويبلغ طول الصاروخ 16 متر، وقطره 156 سم، ويصل وزنه عند الإطلاق إلى 29 طناً، وهو يحمل رأساً حربياً واحداً، ويمكن إطلاقه من تحت الأرض أو من مركبات متحركة، ومن مميزات هذا الصاروخ أنه يستطيع حمل رأس حربي تقليدي، أو رأس نووي، أو حتى رأس حربي كيميائي، كذلك هو مزوّد برادار حديث للتوجيه، ووسائل للتمويه والخداع، يتم استخدامها لتضليل المنظومات المضادة للصواريخ.


الأهداف الحقيقية لبرنامج الفضاء "الإسرائيلي":

حاولت "إسرائيل" دائماً الترويج لبرنامجها الفضائي بأنه مخصص بمعظمه للأغراض العلمية والتجارية، وأن أقمارها الاصطناعية العسكرية هي للدفاع عن أمن "الدولة" فقط، وأنها لا تسعى لاستخدامها في شن عدوان على أيٍ من دول المنطقة، ولكن المتتبع لتاريخ الكيان الصهيوني في هذا الجانب، يكتشف أن الاهداف الإسرائيلية أكبر من ذلك بكثير، وأن ما يُراد تحقيقه من ورائها يتعدى كل ما تذكره بمراحل عديدة.

ويمكن لنا أن نشير لبعض الأهداف الإسرائيلية من وراء هذا البرنامج، والتي تُعتبر بمثابة أهداف استراتيجية بعيدة المدى.

أ. الأهداف السياسية:

على المستوى السياسي، تحاول "إسرائيل" جاهدة تحقيق هدفين رئيسيين، الأول يتلخص في إقناع خصومها وأعدائها من الدول العربية والإسلامية بأنها تتفوق عليهم في كل المجالات، وليس أمامهم أي فرصة للتفوّق عليها، وأن عليهم الانصياع لهذا الأمر رغماً عنهم، أما الهدف الثاني فهو إظهار نفسها عالمياً بأنها دولة قوية ومقتدرة، وأن مكانها هو بين الدول العظمى، وأنه يجب على دول العالم فتح خطوط اتصال معها؛ للاستفادة مما بحوزتها من قدرات علمية وتكنولوجية، وأنها الأجدر بقيادة المنطقة من كل الدول الأخرى قياساً على ما تملكه من إمكانيات وقدرات.

ب. الأهداف الاقتصادية:

تُعتبر "تجارة الفضاء" سوقاً رابحة، وذات فوائد اقتصادية هائلة، وهي مرشحة لزيادة حجم الاستثمارات فيها بشكل كبير خلال السنوات القادمة، وبناء عليه قامت "إسرائيل" بالدخول بقوة في هذا السوق، من خلال جملة من الخدمات الفضائية التي تقدمها لدول مختلفة، مثل بيع الأجهزة المستخدمة في إطلاق الأقمار الاصطناعية، وكذلك إطلاق أقمار صغيرة يوفر بعضها خدمات البث التلفزيوني، والبعض الآخر خاص بنظام الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية.

وحسب مسئول إسرائيلي فإن العائد المادي من وراء هذا العمل، يمكن له أن يتجاوز 100مليون دولار سنوياً كحد أدنى، وهذا الرقم مرشح للارتفاع مع توسع انخراط الكيان الصهيوني في هذا السوق.  

ج. الأهداف العلمية:

تسعي "إسرائيل " للحصول على مزيد من الخبرات العلمية في مجال الفضاء، وهي تحاول باستمرار زيادة غلّتها من الخبرات النظرية والتطبيقية، حتى تقف على قدم المساواة مع الدول العظمى في العالم، ومن أجل تحقيق هذا الهدف، فهي تعمل على تبادل الخبرات والمعلومات مع العديد من الدول، وتحاول الاستفادة قدر الإمكان من قدراتها وإمكانياتها، وقد سعت خلال السنوات الأخيرة للحصول على قاعدة بيانات معلوماتية، حول الوجود الدائم للإنسان في الفضاء الخارجي، مع العلم أن هذا الهدف يعتبر أولوية ثابتة لدي برنامج الفضاء الأمريكي، الذي يحتل المرتبة الأولى عالمياً بين برامج الفضاء للدول الأخرى.

د. الأهداف العسكرية:

تعتمد الحروب الحديثة على مجموعة من العوامل الحاسمة، يأتي في مقدمتها منظومة القيادة والسيطرة، والتي هي بحاجة لمعلومات وافية عن ميدان المعركة، التي تشمل تحركات العدو وأماكن تحشّد قواته، وقواعده العسكرية، ومناطق الضعف والقوة في خط الجبهة، والأهداف العسكرية المحتملة.. إلخ، وهذا الأمر توفر الأقمار الاصطناعية جزء مهم منه، من خلال التقاط الصور، وتحليلها، وهذا ما يساهم في قراءة التحوّلات التي قد تحصل في ساحة المعركة، إضافة لاتخاذ خطوات استباقية، تُبطل أي مفاجأة، وتمنع أي اختراق من قبل قوات "العدو".    

وحسب بعض الدراسات، تُعتبر أقمار الاستطلاع والاتصالات من أحدث وأسرع الوسائل، التي توفر المعلومات، وتُحقق القيادة والسيطرة على العمليات الحربية، وتُسهم بفاعلية في تحقيق الانتصار.  

مع ملاحظة أن تأمين المعلومات المطلوبة عن موقف قتالي معين، يحتاج لأكثر من قمر اصطناعي،إذ أن القمر الواحد لا يمكنه أن يوفّر معلومات لحظية عن الوضع الميداني، لأنه ليس ثابتاً فوق منطقة معينة، فهو يدور حول الأرض، بسرعة تختلف عن سرعة دوران الأرض حول محورها، وبناء عليه فهو يمر فوق المنطقة المستهدفة عدة مرات يومياً، ويبقى فوقها لعدة دقائق فقط في كل دورة، ومن ثم يغادر، وبهذا يتطلّب تأمين معلومات مستدامة عدة أقمار اصطناعية، وهذا يعتبر تحدي صعب لدولة مثل "إسرائيل"، كذلك فإن أجهزة التصوير المستخدمة في الأقمار الاصطناعية الإسرائيلية، لا تستطيع التصوير ليلاً، باستثناء القمر الاخير "أفق 13"، والذي يستخدم الرادار على غرار الأقمار الاصطناعية الأمريكية، من نوع "Lacrosse".


الخاتمة:

صحيح أن البرنامج الفضائي الإسرائيلي، قطع شوطاً كبيراً في مجال إنتاج وإطلاق الأقمار الاصطناعية، وصحيح أيضاً أن هذا الأمر يُعطي أفضلية لدولة الكيان، على مستوى جمع المعلومات الاستخبارية، والتجسس على كل دول المنطقة، ولكن حسب كل الدراسات لا يمكن لهذا الأمر أن يكون حاسماً في تحديد هوية المنتصر في الصراع القائم في المنطقة، بين محور الشر ورأس حربته الكيان الصهيوني، وبين محور المقاومة بكافة دوله وفصائله، فهناك عوامل عديدة أخرى يمكن أن تشكّل بيضة القبان في مسار هذه المعركة الطويلة، والتي لو خاضتها الأمة العربية والإسلامية مجتمعة، فإنها ستحقق انتصاراً باهراً رغم الاختلال الواضح في موازين القوى لصالح المحور الآخر.

في مقالات قادمة سنتحدث بإذن الله عن البرامج الفضائية للدول العربية، والتي تملك إمكانيات هائلة في هذا المجال، غير أنها لا توجّه في الاتجاه الصحيح.

وسنتحدث كذلك عن البرنامج الفضائي الإيراني، بصفته البرنامج الأكثر تهديداً للكيان الصهيوني، والمصالح الأمريكية في المنطقة، والذي شهد نقلة نوعية خلال السنوات الأخيرة، رغم ما تتعرض له إيران من عقوبات وحصار.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023