للكاتب: وليد الهودلي
وقع خبر استشهاد خضر عدنان وقع صاعقة ضربت رأسه إلى أخمص قدمه، كان خضر يشكّل توأمة لروحه وكان بمثابة القلب النابض له في الضفة الغربية لفلسطين ، طارق عزّ الدين يسكن الجنوب في غزّة بينما خضر يسكن الشمال في قرية عرّابة وبينهما جدر وحواجز واحتلال، جمعهما كثير من الأمور العظيمة أهمها القضية والقدس والسعي نحو التحرير، وفرّق بينهما الاحتلال البغيض، فلا طارق يستطيع الوصول لخضر ولا خضر يستطيع الوصول الى طارق، طارق في موقع عال من المسئولية ومتابعة شؤون مواجهة المحتلّ وتطوير فرص الاشتباك والمقاومة، خضر قبل اعتقاله الأخير يحرث الأرض طولا وعرضا ، يثوّر مشاعر رفض المحتلّ، يبدّد سحب الخنوع والاستسلام لواقع يفرضه الاحتلال وتسوّق له قوى الظلام والباطل، ويشقّ طريق الحريّة والبحث عن الكرامة والسيادة وتعزيز روح الانتصار وتحرير البلاد والعباد.
كانت صدمة كبيرة وقعت في قلب طارق وضربته من أعماقه، بكى بحرقة بكاء الامّ الثكلى، كان كطائر قد فقد جناحه الايمن، ماذا عساه أن يفعل بعد اليوم؟ انفطر القلب وفقد جناحه وصار مكروبا، موجوعا، في غاية الحزن والكمد والفقدان:
"ليتني فقدت أحد أبنائي ولم أفقد خضر، ليتني متّ قبله ولم أفجع بموته، ليتني كنت شريكه في شرب هذا الكأس الذي تركته يشربه وحده دوني، ولدنا ونشأنا في ذات القرية: "عرابة القسّام وجنين"، ارتوينا من ذات الفكرة التي تصبّ وقود الحريّة من أجل تحرير فلسطين، كان مدادها إيمان بربّ عظيم، ويقين عميق بحتمية النصر والتحرير، وسرنا في ذات الطريق، كان لي السجن المؤبد وكان له القبض على الجمر وتحقيق انتصارات تكسر إرادة المحتلّ في كلّ مرة يعتقله ولا يجد معه سبيلا للاعتراف بأية تهمه فيحوّله للاعتقال الإداري، أعلن خضر الاضراب وحده ونجح بعد ست وستين يوما من الجوع والالم أن ينتزع حريّته، كسر أنف الاحتلال أربع مرّات حتى جاءت الخامسة ليلفّق له الاحتلال لائحة اتهام لانه يدرك بأن معركته ستكون خاسرة إذا كانت على خلفية الاعتقال الإداري حيث لا تهمة ولا اعتقال على ما يسوّغ اعتقاله، ومع هذا أعلن خضر الاضراب.
"استمرّ في مجالدة أعدائه بعد أن أشهروا عليه كل سيوف أحقادهم، يخترق لجّة وراء لجّة، في كلّ يوم معركة من لون جديد، وكانت الأيام الأخيرة ثقيلة، ثقيلة جدا بما اعتراها من خذلان وإهمال، لم تتنفّس معركته عبر رئة الجمهور الفلسطيني المساند، خذله الجميع بما فيهم أنا، كنت أحترق من داخلي كالنار التي تأكل بعضها، لانّي أدرك معنى الاضراب أومعركة الأمعاء الخاوية كما يسمّيها البعض، وأدرك حجم الألم الذي لا يطيقه لو حمله مجموعة من الرجال، خضر احتمله وحده، وسار به سير الجبال، وكنّا نعتقد كما جرت العادة في مثل هذه الإضرابات إذا وصل المضرب حالة الخطر يتم نقله الى احدى المستشفيات لإنقاذ حياته، لم نأخذ بالحسبان أن هذا النوع من البشر الذي ينسب نفسه إلى إسرائيل " يعقوب عليه السلام" قد وصل إلى درجة من الانحطاط البشري تجعله بدل إسعاف رجل يموت بين يديه، يتلذّذ بموته على مدار عدّة أيام يتركه وحيدا في زنزانة تنتشر فيها رائحة الموت، وينظر اليه فيها شامتا ومنتظرا أن يموت الرجل، لقد قتلوه بدم بارد وحاقد، قتلوه مرّات عديدة على عدد أيام الاضراب التي أضربها، والان ماذا عساي أن أفعل، لا بدّ من الثأر والردّ، وقد تعوّدنا أن يكون ذلك بترو وحكمة حتى يكون أكثر وجعا وألما وقوّة في الردع .. "
وحتى تحين ساعة الردّ خطرت على بال طارق فكرة سريعة جاءته كالخبر العاجل، القطرة التي أوّل الغيث، لم يطق تأخيرها لحظة.
" جاء الرجل وحمل أمانة طارق..
في اليوم التالي جاءنا خبر عاجل استشهاد القائد طارق عز الدين مع اثنين من رفاقه القادة.. أبى طارق إلا أن يلحق شقيق روحه خضر عدنان رحمهم الله جميعا.