عودًا على بدئ

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

بقلم الخبير العسكري والأمني:
​​​​​​​عبد الله أمين
المقدمة:  

استكمالاً لورقتنا السابقة، والتي كان عنوانها " القيمة التعبوية للساحة الأردنية في معركة التحرير الفلسطينية "، والتي قلنا في ثناياها أنها ورقة لن تأتي على كامل الموضوع، وإنما هي من باب إلقاء حجر في بركة هذا الموضوع الشائك، والذي نزعم أنه لم يعطى إلى الآن حقه من البحث. وحيث أن الورقة السابقة حققت ما كنا نصبو له من (خلق ) أمواج في هذه البركة، وصلت لنا مباشرة من قراء كرام، وآثر بعض آخر إيصالها بطرق تناسبهم، مشيرين إلى أن ما وصلنا منها كان وما زال وسيبقى محل تقدير، وهو (تغميس) في أصل صحن موضوعنا الذي بحثناه.  

أما عن هذه الورقة التي آثرنا أن نجعل عنوانها ما تقدم؛ فإنها ستتطرق إلى بعض الأمور التي نعتقد أن فيها فائدة لاستكمال ما بدأنا، حيث سنأتي وبشكل سريع أيضاً على مجموعة من العناوين التي نعتقد أنها مرتكزات رئيسية لفهم أسباب عدم نجاح  حركات المقاومة في بناء نقاط ارتكاز، ومنصات عمل لها انطلاقاً من ساحات ملاصقة لمناطق عملياتها، أو جغرافيات مسؤولياتها، الأمر الذي سنطرقه من خلال عنوانين هما:  أسباب الفشل،  وأهم مرتكزات الانتصار في حرب العصابات، ثم نختم ورقتنا بخلاصات تليها توصيات، آملين أن، تحقق هذه الورقة الهدف منها والذي هو: تتابع القاء الحاجة في هذه (البركة)  وتوليد الأمواج التي تحمل سفينة مسيرنا إلى بر تحريرنا.  

أسباب (فشل) تجارب بناء العمل المقاوم في ساحات إسناده ومرتكاز انطلاقه:  

إن الخوض في سبب فشل تجارب العمل المقاوم في ساحات إسناده، تختلف باختلاف الجغرافيات، والظروف السياسية المصاحبة لنشوء وعمل حركات المقاومة تلك، والجهات التي تتصدر الشأن المقاوم، والمنطلقات التي انطلقت منها عند قيامها وتأسيسها، فضلاً عما يبذل من جهود معادية في إفشال أعمال المقاومة، والذي هو من طبيعة الأشياء، وسنن عمل الثوارت، لذلك سنتحدث عن أهم أسباب الفشل تلك، ليأخذ منها من يريد ما يريد، ولتُسقط اسقاطاتها حيث يمكن أن تُسقط، أو تجد لها مصاديق، أما عن أهم أسباب الفشل؛ فيمكن ذكر الآتي:    

1. عدم تحديد الهدف الرئيسي من التواجد في الساحة:  

إن أهم أسباب الفشل، وعدم النجاح في إدارة أي مقاومة لعملها في ساحة إسناد لها يكمن في عدم تحديد الهدف الرئيسي من تواجدها في تلك الساحة، وهذا ـ الهدف من التواجد ـ أمرٌ يخضع لكثير من الاعتبارات، ليس أولها قدرة الساحة على تحمل أكلاف أعمال المقاومة، ولن يكون آخرها تقبل البيئة الشعبية لتواجد المقاومين فيها، وبين هذه الأسباب وتلك؛ يكمن اعتبار العلاقة السياسية بين نظام الحكم في تلك الدول والمقاومة، وسهولة الحركة والتنقل، وهل أن الساحة هذه ساحة مقر ؟ أو ساحة ممر نحو منطقة العمليات ؟ وهنا يطول الحديث، وتختلف وجهات النظر، ولكن الأهم من كل ذلك هو: أنه وقبل أن تقرر قيادة المقاومة أنها تريد أن تستقر في ساحة ما؛ يجب عليها أن توجد فهماً مشترك بين مختلف صفوفها ومستوياتها لأهمية هذه الجغرافيا، وما سيعكسه التواجه فيها من آثار ـ إيجابة أو سلبية ـ عليها،  ثم تصدر عن رأي واحد، قبل بدء الحركة ولم ( الكش ) والتموضع.  

2. عدم إيجاد قواسم ومصالح مشتركة حقيقية مع البيئة الحاضنة والدولة المضيفة:  

ويشكل عدم إيجاد وتكوين قواسم مشتركة، ومصالح حقيقة مُتقاطع عليها بين المقاومة والبيئة التي تنوي التموضع فيها، والدولة التي ترحب بوجدها على أرضها، يشكل عدم تحقق هذا الأمر السبب الثاني لعدم نجاح الأعمال، وبلوغ الغايات من التموضع في تلك الجغرافيات، وهنا قد يظن البعض أنه بمجرد أنه رفع لافتة المقاومة، أو راية التصدي للظلم والظالمين، يظن البعض أنه بهذا قد حاز الشرعية، وأن على الكل أن يرفع له الكوفية، ويؤمن ما يتطلبه بقاؤه ـ المقاوم ـ من متطلبات بقاء وإمكانات بشرية ومادية، وأنه ليس مطلوباً منه بذل الجهد في تكون سرديته وقصته، ورسم صورة مقاومته، ليتقبله الآخرون، إن المقاومة ــ مجرد المقاومة ــ إن لم يصاحبها فعلٌ لكسب الشرعية، وتقبل الحاضنة الشعبية؛ فإنه ستجد نفسها مع مرور الأيام منبتة عن حاضنتها، منبوذة من مجتمعها، غير مرحب بها في بيئتها، وبلا مدافع عنها عند النوازل والملمات.  

3. التدخل في الشؤون الداخلية للبلد:  

ومن قواصم الظهر التي تفتك بالمقاومة والمقاومين، وتقصم ظهرها وظهرهم؛ تدخلهم في شؤون الدول أو الساحات التي يتموضعون فيها، محاولين التاثير في السياسات الداخلية والخارجية للمضيفين، الشعبيين منهم والرسميين ! أو تحديد ما يصلح لتلك الدول، وما لا يجوز أن تُقدم عليه بحثاً عن مصالحها !! وما هو أسوأ من ذلك كله؛ اصطفاف المقاومة المستقرة في تلك الدول والساحات كطرف ضد طرف آخر من أبناء البلد وقواه السياسية !! وينسى أو يتناسى المقاومون وقادتهم أنهم ضيوف على هذا البلد ـ كل البلد ـ  على حكومته وشعبه، وأنه يجب عليهم أن لا يكونوا طرفاً مؤججاً أو عاملاً محركاً لأي خلاف داخلي، وأنه لا يجب عليهم أن يظهروا  بمظهر الداعم أو المؤيد لأي من الأطراف السياسية الداخلية المتنازعة، فإن كانت المقاومة تظن أن لها دالّة على طرف، أو تملك (المونة ) عليه؛ فإنها يجب أن تستخدم هذه الدالّة وتلك (المونة ) في تقريب وجهات النظر، وإطفاء نار الفتن، ومنع اشتعالها، حفاظاً على بيئتها من أن (تتسمم )، وحاضنتها أن تتفكك.  

4. الخلط بين الهدف والوسيلة:  

ومن أسباب عدم النجاح؛ الخلط بين الهدف والوسيلة عند تقريرالتموضع أو التواجد في هذه الساحات، أو تلك البلد، فهل الانتقال إلى تلك الساحة هدف بذاته ؟ أم وسيلة لتأمين هدف ؟ وهنا يجب أن تُحدد قيادة المقاومة ابتداءً الغرض من تواجدها في تلك الساحة، ثم تضع له من الوسائل ما يحققه، منعاً من تكدس الأعداد، وتضخم المتطلبات، و(انفلاش) الهيكليات، وهدر المقدرات، إن تعريف التواجد في ساحة ما على أنه وسيلة وليس هدفاً؛ يعني امتلاك الحد المطلوب ـ بشرياً ومادياً ـ في تلك الساحة، الأمر الذي يوف للمقاومة وقادتها هامش عمل ومناورة مناسب، ويحررها وحررهم من عبئ الضغوط السياسية والمادية التي من الممكن أن تمارس عليهم من قبل الجهة المضيفة، أو البيئة الحاضنة، إذا ما تبدلت السياسات، واختلفت المسارات.  

5. خطأ التموضع الجغرافي للكتلة البشرية الرئيسية للمقاومة:  

وإلحاقاً بالنقاط السابقة، من تحديد هدف الوجود، وتميز الهدف عن الوسيلة، فإن أحد الأمور التي تؤدي إلى عدم نجاح المقاومة وفشلها في استثمار الطاقات البشرية والمادية والمعنوية في ساحات تموضعها، خطأ التموضع الجغرافي للكتلة البشرية التي استقرت في تلك الساحة، إن ما يميز حركات المقاومة عن غيرها من الحركات السياسية أو المجتمعية، أن أبنائها والمنتمين لها يمتازون عن غيرهم بروح ثورية، وأخلاق رسالية، وأنهم ما جاؤوا بحثاً عن رغد العيش ولا ناعم الملبس، بل إن بعضهم ترك الدنيا وما فيها، ولو بقي فيها (لصار وتصور)، ولكنه فضل حياة الخنادق على حياة الفنادق، ومثل هؤلاء الناس إن وضعوا في ظروف غير ما يتطلبه العمل الثوري، من خشونة وشظف وتحمل أكلاف ـ طبعاً ليس مطلوباً أن تُحمل الناس فوق طاقاتها، وليس الهدف التضيق لمجرد التضييق ـ إن هؤلاء المنتمين إن وضوعوا في غير هذه الظروف؛ فلن يلبثوا أن يستطيبوا طيّب العيش، وهنيء المكان، وناعم الملبس، عندها ستزيد أثقالهم التي تثبتهم في الأرض، ولن يَخفّوا عند النداء، وسيستصعبون تحمل الأكلاف، وستتبدل عندهم الأوليات، وتختلط عليهم الوجهات، عندها كبر على المقاومة المقاومين أربعاً، وصل عليهم صلاة لا ركوع فيها ولا سجود.  

كانت نقاط  من أهم عوامل فشل التموضع الظرفي المؤقت للمقاومات والحركات، وعدم قدرتها  على استثمار وجودها في ساحات تموضعها، أو جغرافيات انتشارها.      

أهم عوامل النصر في حرب العصابات:  

أما عن أهم عوامل النصر في حروب العصابات، فيمكن الحديث مطولاً في هذا المجال، والخلط بين ما هو سياسي وما هو عسكري وأمني واجتماعي، وهنا أيضاً سنقتصر على ذكر بعض أهم عوامل النصر في حرب العصابات، ومعارك التحرر الوطني التي تخاض ضد محتل غاصب، والتي من أهمها ما يأتي:  

1. قرار سياسي:  

إن أول عومل النصر في أي حرب أو معركة تخاض؛ خاصة في معارك وحروب العصابات، وجود قرار سياسي يغطي العاملين في هذا المجال، ويتحمل أكلاف عملهم، ويفتح لهم ما ينغلق أمامهم من أبواب، ويُنحّي عن طريقهم ما يعترضهم من عقبات، ويسهر على تأمين الموارد وتخصيص القدرات، ويَخلف الأهل والعيال عند الشهادة أو الممات، أو التغييب في السجون والمعتقلات. وعليه ما لم يكن هذا القرار حاضراً وواضحاً، وغير حمال لأوجه؛ فإن المقاومة أو الثورة أو الحركة، لن يطول عمرها، ولن تصل إلى هدفها، ولن تحقق مبتغاها وغايتها، وستنحرف ثم تنجرف إلى الهامش، وستطويها الأيام، ولن يذكرها التاريخ؛ إلّا كتجربة فاشلة، تجب دراستها لعدم تكرار خطأها.  

2. رؤية واستراتيجية واضحة:

ثم لا بد من رؤية واستراتيجية واضحة لهذه المقاومة، رؤية تحرر المفاهيم، وتضع الأهداف والغايات، وترسم الشكل والهيكليات، وترتب المهام والأوليات، وتخصص الإمكانات والقدرات، وتضع الضوابط والسياسيات، وبدون هذه الرؤية، وتلك الاستراتيجية، ستنحرف الاتجاهات،  وستطول المسافات، وستهدر الطاقات، ولن تُحقق الإنجازات، وسَيدّعي كلاً وصلاً بليلى !! إن وجود هذه الرؤية وتلك الاستراتيجية، من واجبات وقت المقاومة، وبدهيات العقل، فإن لم تَكن؛ فيجب أن توضع، وإن كانت مُلتبسة؛ يجب أن تُوضح، كما يجب أن تُراجع باستمرار، وتُعدل كلما تطلب الموقف والظرف التعديل، فلا هي ـ الرؤية ـ جامدة فتكسر، ولا لينة فَتُطوع وتلوى عنقها  (كل ما دق الكوز بالجرة ).  

3. حاضنة شعبية وبيئة داعمة:  

إن بناء الحاضنة الشعبية في ساحة التواجد ومربعات العمل، من أهم عناصر نجاح المقاومة عند نهوضها للتصدي للمعتدي، وهذا عمل ـ بناء الحاضنة ـ لا يجب أن يقتصر على شريحة محددة من أبناء البلد المضيف أو طبقاته السياسية، إن حركات المقاومة والتحرير معنية بأن تمد خطوط علاقاتها مع جميع مكونات المجتمع الذي تتحرك وتستقر فيه، يجب عليها أن تكون محط أفئدة الجميع، والقاسم المشترك الذي يلتقي عنده الكل، فلا هي محسوبة على هذا الطرف، ولا هي ميّالة إلى ذاك، فتكسب الجميع، ويخطب ودها كل الشرائح والطبقات، فتزيد ـ المقاومة ـ بذلك من شباك أمنها، وكواسر الأمواج التي تتكسر عليها المؤامرات والاعتداءات.  

4. البعد الأخلاقي وسردية المقاومة:  

إننا نعيش اليوم في عالم المعلومات، وثورة البيانات، ومنصات التواصل والاتصالات، والصورة أصبحت تسبق الخبر، وتكوين الانطباعات الأولية أسرع مما يتصور المتصورون، والحروب أصبحت تخاض، فتكسب أو تخسر على شاشات التلفزة ووسائل الاتصال، لذلك يجب على حركات المقاومة التي تريد أن تحقق أهدافها، وتنال مبتغاها أن تقدم سرديتها وقصتها للآخرين، فإن كان أهم ما يأخذه المقاتل معه إلى ساحة القتال هو سؤال: لماذا أقاتل ؟ فإن أهم ما يطرحه الداعم للمقاومة والحاضن لها من أسئلة هو سؤال: لماذا أدعم ؟ وجواب هذا السؤال يبحث عنه سائله في القصة والصورة والخبر الذي تقدمه له المقاومة، في قصة كل شهيد أو معتقل، فضلاً عن سلوك أبناء المقاومة ومناقبيتهم، التي تُعد من أهم المصادر التي تُقدم للداعمين جوباً عن سؤال سبب دعهم للمقاومة، وتضحيتهم في سبيل الذود عنها، لذلك وجب الانتباه !!

5. دولة أو دول داعمة:  

ليس في تاريخ حركات التحرر أو المقاومة أو التغيير السياسية ـ البعيد منها والقريب ـ ما يدل على أن أي منها قد حقق نصره دون دعم من دولة هنا أو كيان سياسي هناك، فهذا سيد الخلق صلى الله عليه وسلم قد هاجر إلى المدينة بعد الطائف بحثاً عن قاعدة ارتكاز ونقطة انطلاق تصلح للانطلاق منها والتوسع عبرها، ثم كان فتح مكة، هذا في  التاريخ البعيد، أما عن الحديث؛ فيغص بالشواهد التي تؤيد هذا الطرح، من فيتنام إلى أفغانستان فالبوسنة والهرسك، فالعراق القريب، وصولاً إلى أوكرنيا حديثاً؛ كلها حركات ودول، عندما أرادت أن تتصدى لمحتل أو معتد أقوى منها؛ بحثت عن جهة تقف إلى جانبها، وتدعم توجهها، وتؤمن متطلبات قتالها، وتسندها في المحافل والنوادي الدولية.  

6. جغرافيا ملاصقة أو قريبة من منطقة العمليات:

كما أن الجغرافيا الملاصقة للبلد المحتل أو منطقة العمليات، تعد من متطلبات النجاح، فهذه الجغرافيات مطلوبة لتكون ملاذاً آمناً، ومقراً للقيادة والسيطرة والتوجيه، وساحة للتدريب والتأهيل ورفع الكفاءات، ونقطة ارتكاز لتشغيل القدرات وتوجيه الضربات. إن هذه الجغرافيا تعد رأس جسر نحو الأرض المحتلة أو منطقة العمليات المنشودة، وعدم توفرها يعني استحالة العمل الحقيقي الموصل إلى تحرير بلاد، و فك أسر العباد.  

7. قدرات بشرية كفؤة:

ومن لزوم شؤون المقاومة والتحرير؛ وجود قدرات بشرية ذات كفاءة عالية، منظومة ـ القدرات ـ  في مؤسسات تمارس أعملها بمهنية وتخصصية، قادرة على الاستقطاب، والتأطير والتأهيل، وصولاً إلى الاستثمار والتشغيل. إن أخطر ما في عملية إدارة الموارد البشرية في أي مؤسسة أو حركة سياسية أو تحررية، هو عدم نظم هذا القدرات في مؤسسات، بحيث تعمل بمهنية عالية، قادرة على اختصار الأوقات، ومنع هدر المقدرات والطاقات، إن المهنية تستدعي من المسؤولين حشداً لكامل الطاقات، ثم توزيعها على أطر وهياكل عمل، مبنية على توصف واختصاصات، عندها تحقق المؤسسة تعبئة حقيقية لمواردها، ولا تتركها (مفرعطة) (هان ) و(هان)، لا ينظمها ناظم، ولا يستوعبها مكان.    

8. توفر نموذج قابل للتكرار أو القياس عليه أملاً في التحرير:  

ومن الأمور التي تساعد في نصر حركات المقاومة والتحرر؛ وجود نموذج ناجح قابل للتكرار، فعندما يرى المقاومون نموذجاً ناجحاً أمام أعينهم؛ فإنهم سيشخصون له، وسيرون أن ما نهضوا له قابل للتحقيق، وممكن النوال، بدليل أن الأمر قد نجح مع غيرنا، فلماذا لا ينجح معنا ؟ وأن ما نطالب به، قد طالب غيرنا بمثله؛ فناله، وعليه سنطالب، ونبذل ونتحمل الأكلاف، وسننول كما نال غيرها، وسنصل كما وصل من كان قبلنا، فكما يقول الفلاسفة: الوجود دليل على الإمكان.  

هذه بعض أهم عناصر نجاح أي مقاومة أو حركة تحرر، نعتقد أنه يمكن أن يضاف عليها الكثير، فلكل ساحة أو حركة خصوصياتها ومتطلباتها. ونختم ببعض الخلاصات التي نضيفها إلى خلاصات الورقة السابقة، والتي من أهما:  

1. إن تحرير فلسطين لا يمكن أن يكون بجهد من الداخل لوحده، أو من الخارج منفصلاً، وإنما بتظافر جهود متعددة تشمل الداخل والخارج، البعيد منه والقريب.  

2. إن معركة تحرير فلسطين النهائية هي جهد عسكري مركب من إجراءات نظامية، وأخرى نصف نظامية، وأخيرة عصاباتيه، وهنا الحديث يطول.  

3. إن من يعتقد أن جبهة غزة لوحدها، أو محور لبنان منفرداً، بما فيهما ومن فيهما من بشر وقدرات، ترفع لها العُقل، وتُطَير لها الغطر، قادرة على تحرير فلسطين؛ كل فلسطين، من يعتقد ذلك؛ نظن أنه بحاجة إلى مراجعة خططه، ونشر خرائطه.  

4. إن من يعتقد أن فشل الأعمال، واخفاق الإجراءات، يتطلب وقف المحاولات، وغلق الملفات، عليه أن يعيد النظر في متطلبات وطبيعة عمل حركات التحرر والثورات.  

توصيات:  

1. عند التعاطي مع مثل هذه الأوراق، تمثل واستحضار قول الإمام مالك رحمه الله عندما قال: "كل يؤخذ منه ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر ".  

2. اخضاع هذه الورقة لما أخضعت له أختها ـ صحيح هل أخضعت؟ ـ  للجرح والتعديد، أو النقد والتبديل، ثم يبنى على الشيء مقتضاه.  

3. إلقاء ما أمكن من حجارة في هذه البركة، ومراقبه ما يتولد من أمواج، لركوب أفضلها (ركمجة) نحو بر الأمان.  

عبد الله أمين  

13 07 2023



جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023