عندما تصبح العنصرية والتطرف الديني نهجا للدولة الأكثر دعما في العالم

حضارات

مؤسسة حضارات

صحيفة "هآرتس
ترجمة حضارات 
نوا ليمونا :
رؤية العالم المرعبة التي تتبناها أوريت ستروك تهيمن تدريجيًا أيضًا على الجيش
​​​​​​​
انعدام قيمة حياة الإنسان يقف في صميم الرؤية المسيحانية (المشيحية)التي تمثلها أوريت ستروك، ولكن طالما أن الضحايا هم فلسطينيون، فإن معظم الإسرائيليين لا يعارضون ذلك.

أثارت تصريحات الوزيرة أوريت ستروك، يوم أمس، صدمة واسعة في أوساط الجمهور، بعدما عبّرت صراحة عن استعدادها للتضحية بالأسرى في سبيل توسيع القتال في قطاع غزة.
لكن هذه ليست سابقة. من حين إلى آخر تُصدر ستروك تصريحًا "صادمًا"، فيُصاب الإسرائيليون بالذهول، سواء عرّفوا أنفسهم كيساريين، أو يمينيين، أو من التيار الوسطي – ثم يعودون سريعًا إلى حياتهم المعتادة.

حدث ذلك عندما وصفت إحدى أكثر السنوات فظاعة في تاريخ الدولة بأنها "فترة من المعجزات"، وحدث أيضًا حين قالت عن الأسرى: "22 أو 33"، فهي لا تحسبهم، إذ تُرمى من أجلهم "أهداف القتال" في سلة المهملات – كما حدث في مناسبات عديدة أخرى.

معظم الإسرائيليين، حتى من يُعتبرون يمينًا "عاقلًا"، يصابون بالذعر من رؤية العالم التي تتبناها ستروك، لكنهم لا يغادرون دوامة الذهول المتكرر، ويعودون سريعًا إلى حالة الإنكار. يرفضون الاعتراف بأن مواقفها هي التي تقود سياسة الحكومة، وأنها تتسرب بحماسة إلى المؤسسة العسكرية.

كما يغيب عن أنظارهم الرابط العميق بين هذا الواقع المخيف ومشروع الاستيطان، الذي ازداد تغوّلًا منذ بداية الحرب، وهو في نظر ستروك السبب الكامن وراء "المعجزات" التي تشهدها هذه المرحلة.

فلماذا يتذمرون منها؟

الجيش نفسه أعلن، يوم الأحد، أنه سيوسّع القتال في قطاع غزة ليشمل دير البلح – وهي منطقة تجنّب مهاجمتها بشكل واسع حتى الآن، بسبب الخشية من وجود أسرى فيها.

وبطبيعة الحال، فإن كل لحظة تستمر فيها الحرب، وكل ثانية تمرّ بلا أفق سياسي، تعبّر عن استعداد ضمني للتضحية بالأسرى على مذبح حرب أبدية، هدفها النهائي هو التهجير والاستيطان.

ورغم نفي رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في الماضي، إلا أن الخطط المتعلقة بإقامة معسكرات اعتقال للغزيين، والدمار، والتخريب، والتجويع – كلها تترك على الأقل انطباعًا بأن ستروك لا تهذي.

قد تكون رؤيتها للعالم هلوسية، لكنها – تحت رعاية نتنياهو – تحوّلت إلى خطة عمل.
في الخلفية، هناك ضباط كبار مثل يهودا فاخ، الذي نشأ في كريات أربع وتلقى تعليمه في مدرسة "بني دافيد" في مستوطنة علي، يشغّلون وحدات مستقلة.
وقد صُوّر رئيس الأركان وهو يعانق الحاخام أبراهام زربيف، صاحب نظرية "D9"، في مشهد أثار ضجة. في القناة 14 قالوا عن الصورة: "الفانتازيا هي أن تنظر إليها وتقول: رئيس الأركان يعانق إيال زامير".

هذه هي خلاصة الأمور. هذا هو الاتجاه الذي ننزلق نحوه: جيش مسيحاني يقدّس الاحتلال والاستيطان – نتيجة تغلغل ممثلي اليمين المتطرف في قمة الجيش، والتقارب التدريجي بين الجنود والمستوطنين، الذين أُرسلوا لحمايتهم ويغطّون على اعتداءاتهم بحق الفلسطينيين في الضفة.

فالاحتلال، كما هو معروف، يُفسد.

انعدام قيمة حياة الإنسان هو جوهر الرؤية التي تمثلها ستروك، ولكن طالما أن القتلى هم فلسطينيون، فلا يرى معظم الإسرائيليين في ذلك مشكلة.

التيار المركزي (المينستريم) في إسرائيل عليه أن يتوقف عن خداع نفسه.

من يقدّر حياة الإنسان وكرامته وحريته كقيم عليا، ومن يُصاب بالفزع من تصريحات ستروك حول الأسرى، ولا يشعر أننا نعيش "فترة معجزات" – عليه أن يعترف بالجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية وغزة، وبالصلة الوثيقة بين هذه الجرائم والموقف الرسمي تجاه قضية الأسرى.

هذه هي الحقيقة المرة التي يجب مواجهتها بوضوح.

الصدمة الموسمية من ستروك تُخفي هذه الحقيقة، ولكن الذعر الحقيقي يجب أن يكون من هذا الواقع، لا من الوزيرة التي تعكسه بصراحة ووضوح.

كما نجح الهامش المتطرف الذي تمثّله ستروك في السيطرة على الحكومة، فهو يفرض قبضته تدريجيًا على الجيش أيضًا.

"بوتقة الانصهار" قد تتحوّل إلى مفاعل نووي – بدلًا من إنتاج تيار إسرائيلي متوازن من مختلف فئات المجتمع، فإن الهامش يجرّ المركز نحوه.

وبينما ننشغل بالمعارك السياسية حول تجنيد الحريديم، ربما يجدر بنا أن نفكّر أيضًا في هذا:
قبل أن تتحوّل ملامح أوريت ستروك نهائيًا إلى ملامح جيش دولة إسرائيل.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025