عضّات، صراخ، و"صيد" جنود: إسرائيل على حافة عزلة دولية في ظل حملة حماس المتصاعدة

حضارات

مؤسسة حضارات

حضارات

تشهد (إسرائيل) في الآونة الأخيرة تدهورًا حادًا في مكانتها الدولية، في ظل ما بات يُوصف بـ"تسونامي دبلوماسي" من الإدانات، والمقاطعات، والمبادرات للاعتراف بدولة فلسطينية. صور الدمار والمعاناة الخارجة من غزة تتصدر واجهات الإعلام، وتشكّل ضغطًا هائلًا على صانعي القرار في الغرب. وفي حال لم يحدث تحوّل ملموس، فإن العزلة السياسية لإسرائيل مرشحة للتفاقم.

اعتداءات واعتداءات مضادة: مؤشرات الغضب الشعبي

في إحدى محطات الوقود على الطريق السريع في إيطاليا، تعرّض أب وابنه – يهوديان فرنسيان – لهجوم لفظي من قِبل متواجدين صرخوا "حرروا فلسطين" و"قتلة"، فقط لأن الطفل كان يعتمر قلنسوة (كيباه). الأب لم يتراجع وردّ بالصراخ: "شعب (إسرائيل )حيّ".

في حادثة أخرى، في مطعم بمدينة فيينا، طُرد ثلاثة موسيقيين إسرائيليين بعد أن تبين أنهم يتحدثون العبرية. لم يتدخل أحد من الزبائن للدفاع عنهم.
وفي اليونان، تعرض سائح إسرائيلي لعضة من مهاجر سوري على شاطئ بحر أثينا، أفقدته جزءًا من أذنه. وفي رودوس، تم الاعتداء بالضرب على مراهقين إسرائيليين، بينما اضطرت سفينة سياحية تابعة لشركة "مانو" إلى الفرار من جزيرة سيروس بعد تجمهر نحو مئة متظاهر مؤيدين لفلسطين على الميناء.

أما في مهرجان "تومورولاند" في بلجيكا، فقد قامت منظمة يُعتقد أنها مقربة من حزب الله بـ"اصطياد" جنديين إسرائيليين، متهمةً إياهما بارتكاب جرائم حرب.

عاصفة دبلوماسية: أوروبا تنقلب

في تطور لافت، تبنّت مفوضية الاتحاد الأوروبي توصية بتعليق جزئي لمشاركة (إسرائيل) في برنامج تمويل الأبحاث "هورايزن 2020"، بسبب "عدم التزامها بالمسؤوليات الإنسانية في غزة". حتى ألمانيا، الحليف التقليدي، دعمت الخطوة.

من المتوقع أن يتم تمرير القرار النهائي اليوم، في حين علقت وزارة الخارجية الإسرائيلية:

"بينما تحارب( إسرائيل) الإرهاب الجهادي، فإن أي قرار من هذا النوع يعزز من موقف حماس ويقوّض فرص التوصل إلى وقف إطلاق نار".

برنامج "هورايزن 2020" يُعد من أضخم مبادرات البحث العلمي في أوروبا، وتشارك فيه (إسرائيل) بشكل نشط منذ التسعينيات. مصدر سياسي إسرائيلي وصف الأمر بـ"المنحدر الزلق"، محذرًا من كارثة على صورة إسرائيل العلمية والدبلوماسية. يُذكر أن( إسرائيل )أحبطت مؤخرًا محاولة لتجميد اتفاقيات التجارة مع الاتحاد الأوروبي، لكن ذلك حدث قبل أن تبدأ حماس ما تُسمّى بـ"حملة التجويع"، ما يجعل نجاحها هذه المرة غير مضمون.

رياضة، فن، وأكاديميا: المقاطعة تتمدد

في ظل هذه العزلة المتنامية، تتزايد الأصوات المطالِبة بطرد (إسرائيل) من مسابقات دولية كـ"الفيفا" والـ"يوروفيجن". كما ارتفعت وتيرة المقاطعات الأكاديمية والثقافية، وسط تراجع الاستثمارات الأجنبية.

في الولايات المتحدة، يتعرض الاحتلال الإسرائيلي لانتقادات متصاعدة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري. النائب التقدمي زهران ممداني، المرشح لرئاسة بلدية نيويورك، يُجسّد تيارًا واسعًا مناهضًا لسياسات حكومة نتنياهو، حتى داخل الجالية اليهودية الأمريكية.

وفي أوروبا، بات الاعتراف بالدولة الفلسطينية مطلبًا متناميًا. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يقود هذه المبادرة، ويدفع بريطانيا وكندا للانضمام إليه، وسط أنباء عن نية رئيس الحكومة البريطانية طرح خطة لإنهاء الحرب تتضمن الاعتراف بدولة فلسطينية.

دول مثل أستراليا، ونيوزيلندا، والبرتغال، ومالطا قد تنضم قريبًا إلى هذا المسار، في ظل ما يصفه مراقبون بـ"تزايد الوزن السياسي للمسلمين في أوروبا، ويأس الأوروبيين من غياب أفق سياسي واقعي".

حتى رئيس وزراء هولندا، ديك سخوف، الذي تعهّد للرئيس يتسحاق هرتسوغ بعدم دعم فرض عقوبات على (إسرائيل)، غرّد مساء أمس مؤيدًا للعقوبات، مما فجّر مواجهة غير مسبوقة بين الطرفين.

الكلفة الأخلاقية والإنسانية: فشل الرواية الإسرائيلية

بات واضحًا أن (إسرائيل) لا تحتاج إلى وقف إطلاق نار من أجل تحرير الرهائن أو التخفيف عن الجيش فحسب، بل أيضًا لكسر الطوق الدولي المتصاعد حولها. ومع أن حماس قدّمت مؤخرًا اقتراحًا يُوصف إسرائيليًا بأنه "غير واقعي"، فإن (إسرائيل) لم تعد تملك رفاهية المماطلة.

التدهور في صورتها العالمية بات مسألة وقت. فالقضية الإنسانية تمثل مكمن الضعف الأكبر، وصندوق المساعدات الأمريكي لم يحقق الرهان الإسرائيلي بأن يؤدي إلى خنق حماس.

حماس استثمرت بذكاء في خطاب التجويع والمعاناة، حتى لو كانت بعض الصور التي بثتها مفبركة أو لا تعود لأطفال جياع. في المقابل، فشلت (إسرائيل) مرارًا في معركتها الإعلامية، وانتهى بها الأمر – كما يقول المثل – إلى "أكل السمك الفاسد وطُردت من المدينة".

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025