ما بعد السابع من أكتوبر: أزمة حماس ومستقبل المقاومة المسلحة في العالم العربي"

حضارات

مؤسسة حضارات

معهد دراسات الأمن القومي
حضارات
يوحنان صوريف:
حماس والمقاومة المسلحة بعد السابع من أكتوبر – إلى أين؟

تحليل الخطاب العربي حول تداعيات الحرب على حماس والحركات الإسلامية والمقاومة المسلحة في الشرق الأوسط

الانطباع السائد من النقاشات الكثيرة الدائرة في وسائل الإعلام والقنوات الفضائية العربية، غير التابعة للحركة الإسلامية، هو أن حماس، في حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، فقدت فعليًا صلتها بنفسها وبجميع حركات المقاومة في الشرق الأوسط. فالغضب الشديد المتراكم عليها، في ظل المعاناة الإنسانية الهائلة في قطاع غزة، والأضرار التي تسببت بها، وفشلها في تحقيق الأهداف التي شنت من أجلها هجومها، يدفع غالبية النقاد، بمن فيهم المقربون منها، إلى استنتاج أن عصر الكفاح المسلح قد ولّى، وأن على الميليشيات المسلحة في المنطقة أن تنزع سلاحها وتختار أساليب النضال السلمي. وكما هي العادة، تبقى (إسرائيل ) العامل الأكثر تأثيرًا في مسار تطور هذا الخطاب في الساحة الفلسطينية وربما، بدرجة ما، خارجها أيضًا، إذا قررت أن تتعامل كشريك مع أولئك الذين اعترفوا بها وأبدوا استعدادهم للتعايش معها.

وبينما تتواصل الحرب في قطاع غزة، وتتزايد المخاوف بشأن مصير الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس، يتبلور خطاب فلسطيني وعربي حيوي يتناول بإسهاب نتائج الحرب التي شنتها حماس وتداعياتها. وفي ظل تنامي الإقرار بقوة إسرائيل وتصاعد القلق من الهيمنة الإسرائيلية–الأمريكية في المنطقة، برزت تساؤلات جدية حول مستقبل المقاومة المسلحة، أو كما يصفها بعض المعلقين: مستقبل الميليشيات، في ظل الضربة القاسية التي تلقاها "محور المقاومة" والخيارات الجديدة التي باتت متاحة في الشرق الأوسط.

ولا تُناقش هذه المسألة من منظور تنظيمي فحسب، بل أيضًا من منظور أيديولوجي وواقعي: ما جدوى استمرار المقاومة المسلحة إذا كانت تسبب دمارًا أكثر من نفع، ولا تحقق الأهداف التي أُنشئت من أجلها؟

دعوات إلى المراجعة الفكرية

أحمد يوسف، عضو حماس والمستشار السابق لإسماعيل هنية، دعا مؤخرًا جماعة الإخوان المسلمين إلى مراجعة حساباتها الذاتية، معتبرًا أن إخفاقاتها، على مدار قرابة قرن من الزمان، فاقت إنجازاتها. ويرى أن اعتبار الأنظمة العربية لحماس جزءًا من جماعة الإخوان المسلمين يمنحها الذريعة لتبرير ما يصفه بـ"الإبادة الجماعية" الجارية في غزة، بل وحتى لتبرير محاولات إضعاف المقاومة الإسلامية وشيطنتها. ويقترح يوسف أن تتبنى حماس والإخوان نهجًا جديدًا، يقوم على وعي أعمق بحدود السلطة والواقع، وتغيير الرسالة الموجهة للجمهور.

ومن بين مقترحاته:

نبذ العنف بجميع أشكاله

تبنّي الاحتجاج السلمي

"الإعلان القاطع عن رفض العنف المسلح، سواء في الساحات الداخلية أو في أي ميدان يُستخدم فيه السلاح باسم الإسلام"، لتجنّب وصم الإسلام بالإرهاب

تعزيز العلاقات مع الأنظمة العربية

وتأسيس شراكة حمائية مع الدولة بدلًا من التصادم معها

مواقف إسلامية مشابهة

شارك عدد من المفكرين المسلمين في دعم هذه الرؤية. من بينهم:

سعد الدين العثماني، رئيس وزراء المغرب السابق، الذي يرى أن الإصلاح لا يمكن أن يتم إلا بالتعاون مع الدولة.

أحمد الريسوني، الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي يصرّ على ضرورة ملاءمة تفسير الشريعة للواقع الملموس.

محمد سليم العوا، الأكاديمي المصري المعروف، الذي يشدد على أن المجتمعات تُبنى من خلال التفاعل العملي مع الواقع، لا عبر الخطب فقط.

في الأردن أيضًا، حيث كانت هناك مواقف داعمة لحماس في البداية، يرى مفكرون إسلاميون أن التعاون مع الدولة يعزز الرسالة الإسلامية ولا يُضعفها.

تراجع الحركات الإسلامية في العالم العربي

هذا التوجه يأتي في وقت بدأت فيه الأنظمة العربية اتخاذ خطوات فعلية للحد من نفوذ الحركات الإسلامية:

في مصر، استمرّت حملة تجفيف منابع الإخوان المسلمين، وتعميق الاختراق الاستخباراتي في صفوفهم.

في الأردن، حُظرت جماعة الإخوان المسلمين رسميًا في إبريل/نيسان 2025، وشمل الحظر أنشطة جمعياتها ومؤسساتها.

في تونس، حُكم على راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة، بالسجن 14 عامًا، في خطوة تُظهر التصعيد غير المسبوق ضد الإخوان.

في المغرب، تراجع حزب العدالة والتنمية بشكل ملحوظ منذ عام 2016.

في سوريا، رفض الرئيس الجديد (الشرع) إعادة فتح مكاتب الإخوان رغم قربه من الفكر الجهادي.

في لبنان، تصاعدت الدعوات لجمع سلاح حزب الله بعد الضربة القاسية التي تلقاها.

في أوروبا، يروّج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لقوانين تمنع "تسلل" جماعة الإخوان إلى مؤسسات الدولة.

تآكل الشرعية

تضاءلت الشرعية التي تمتعت بها حماس وسائر الحركات الإسلامية المسلحة، لا بسبب الحرب فقط، بل بسبب تجاوزها الحدود المقبولة لـ"المقاومة". كما أن موجة التعاطف الشعبي التي حظيت بها بعد المجزرة، تراجعت أمام فداحة النتائج والمعاناة التي سببتها. وهذا الضعف انعكس أيضًا على علاقاتها داخل الساحة الفلسطينية، حيث تُحمّل السلطة الفلسطينية جماعة الإخوان المسلمين المسؤولية عن الكارثة الحالية، بسبب دعمها المستمر لحماس.

السلطة الفلسطينية: الرؤية البديلة

ترى السلطة الفلسطينية أن هذه حرب حماس، لا حرب الفلسطينيين. وترفض تقديم الدعم لها، بل تسعى إلى إنهاء سيطرتها العسكرية على القطاع. وخلال قمة جامعة الدول العربية في بغداد (مايو/أيار 2025)، دعا الرئيس محمود عباس حماس إلى:

تسليم الرهائن

نزع سلاحها

تسليم السيطرة على القطاع إلى السلطة الفلسطينية

ويشارك كثير من المعلقين العرب في هذه الرؤية، معتبرين أن الفلسطينيين ينبغي أن يركّزوا على الحفاظ على أرضهم ومجتمعهم، والتهيئة للتعايش مع إسرائيل، وليس محاولة القضاء عليها. ويطالبون بإعادة بناء البيت الفلسطيني وإقصاء حماس من الإطار السياسي.

داخل أوساط حماس: صدمة وتفكير

حتى المفكرون القريبون من حماس، مثل خالد حروب، باتوا يرون أن مستقبل المقاومة المسلحة بات محل شك. ويقول إن "الإمبريالية الاستيطانية"، بخلاف الاستعمارين البريطاني والفرنسي، لا ترحل، بل تدّعي الأرض وتعمل على طرد سكانها. ومع الدعم الأمريكي–الأوروبي لإسرائيل، فإن الخيارات الفلسطينية أصبحت بين اليأس أو ابتكار أساليب مقاومة جديدة لا تؤدي إلى تفكيك المجتمع الفلسطيني. ويستشهد حروب بتجربة غاندي في النضال السلمي.

تحول في الوعي العربي

يدل هذا التحول في الخطاب العربي، حتى من داخل أوساط قريبة من حماس، على إدراك متزايد بأن إسرائيل ليست كيانًا عابرًا، بل واقع دائم. وهذا ينسجم مع المسار الطويل الذي بدأته الدول العربية منذ سبعينيات القرن الماضي، حين تخلت عن هدف إزالة إسرائيل وبدأت بتوقيع اتفاقيات سلام معها. وبلغت هذه العملية ذروتها بقبول منظمة التحرير الفلسطينية مبدأ حل الدولتين، وإعلان جامعة الدول العربية استعدادها للاعتراف بإسرائيل مقابل حل القضية الفلسطينية.

وبعدما اتضح أن الصراع المسلح مع إسرائيل لا يُضعفها بل يُعزز مكانتها، بدأ معارضوها بإعادة النظر في أساليبهم. واليوم، تدعو أصوات مؤثرة في العالم العربي – بما في ذلك داخل حماس – إلى وقف المقاومة المسلحة.

دور إسرائيل المحتمل

يمكن لإسرائيل أن تلعب دورًا محوريًا في ترسيخ هذا التحول، إذا قررت التعامل كشريك سياسي مع الجهات التي اعترفت بها وتخلّت عن العنف، وفي مقدمتها السلطة الفلسطينية. إلا أن الحكومة الإسرائيلية الحالية ترفض هذا النهج، رغم اعتراف حكومات سابقة بالسلطة الفلسطينية كشريك في جهود التسوية.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025