تصريحات نتنياهو حول احتلال غزة تتعارض مع الواقع على الأرض

حضارات

مؤسسة حضارات

صحيفة هآرتس

حضارات 
عاموس هرئيل
  
عقب المشاورات الأمنية التي ترأسها بعد ظهر أمس، أصدر مكتب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بيانًا مقتضبًا وجافًا. ووفقًا للبيان، عرض رئيس الأركان هرتسي زامير على نتنياهو خيارات استمرار الحملة في قطاع غزة، وأُشير إلى أن الجيش "مستعد لتنفيذ أي قرار يتخذه الكابينت". ومن المتوقع أن يُعقد اجتماع الكابينت غدًا.

وفي الإحاطات غير الرسمية، أُضيفت تفاصيل أخرى: نتنياهو مصمّم على توسيع العملية في القطاع، وربما حتى احتلال مدينة غزة، رغم المخاطر المتوقعة على سلامة الأسرى. لاحقًا، وردت تقارير عن أجواء متوترة خلال المشاورات، حيث أصرّ نتنياهو على أن يعود زامير والضباط إلى "طاولة التخطيط" الافتراضية لتقديم خطط أكثر شمولًا، فيما اشتكى رئيس الأركان من الهجمات التي يتعرّض لها من قِبل يائير نتنياهو، نجل رئيس الحكومة.

بعد تفجّر الخلاف العلني بين الطرفين في أعقاب منشورات عكست موقف رئيس الأركان، يبدو أن رئيس الحكومة هو من يحدد المسار الآن. لنتنياهو مصلحة في إبقاء الصراع مع زامير مشتعلاً لأسباب عدّة: فهو يُظهر بذلك لشركائه من اليمين المتطرّف أنه لا يتجاهل مطلبهم باحتلال كامل القطاع؛ ويسعى إلى تهديد حماس بعدما تعثّرت مفاوضات صفقة الأسرى بسبب أزمة المجاعة في القطاع (وهي أزمة ناتجة بمعظمها عن قرارات اتخذها نتنياهو نفسه)؛ كما يحاول صرف الأنظار عن إخفاقاته الشخصية، عبر تصوير رئيس الأركان ككبش فداء محتمل، بعد فشل حكومته في تحقيق وعدها بـ"النصر الكامل".

رئيس الأركان زامير يعارض خطة الاحتلال الكامل منذ أكثر من شهر. فإلى جانب القلق على حياة الأسرى والجنود، والتحذيرات من التورّط الدولي المتجدد، يقدم زامير حجة ملموسة ومهمة: الجيش يعاني من إنهاك خطير في صفوف الوحدات القتالية. وتُسجّل صعوبات في توفير القوات اللازمة لتنفيذ أي عملية واسعة، وسط تراجع ملحوظ في التزام جنود الاحتياط، وانخفاض في معنويات الجنود النظاميين.

فهل نتنياهو جاد فعلًا في نيته تنفيذ هجوم شامل، في وقت تعيش فيه القوات الميدانية حالة جمود طويلة؟ هناك اختبار بسيط نسبيًا: للسيطرة على الربع المتبقي من أراضي القطاع، والمناورة داخل المناطق التي دُفع إليها نحو مليوني فلسطيني، ثمة حاجة إلى تعزيزات، أو ما يُعرف في لغة الجيش بـ"نظام قوات". من المشكوك فيه أن تكون الوحدات النظامية الحالية كافية، لا سيما وأن العديد منها أُخرج مؤخرًا من القطاع بأمر من زامير، الذي يسعى إلى إراحة الجنود. وبالتالي، يبدو من المرجّح أنه لا مفرّ من تجنيد جديد للاحتياط، خلافًا لجميع التقديرات والخطط السابقة. وقد يستغرق نقل هذه القوات إلى القطاع نحو أسبوعين، في حين قد يتطلب احتلال المناطق المتبقية وتطهيرها من المسلحين، وفق تقديرات الجيش، ما بين سنة وسنتين. وطالما لا توجد حركة فعلية للقوات ولا تحرك ميداني جاد، فإن الشك يبقى قائمًا.

في نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2023، مباشرة بعد بدء أول مناورة برية في الحرب، نشر حساب مجهول التغريدة الليلية من حساب رئيس الحكومة على تويتر، مهاجمًا قادة المنظومة الأمنية، بزعم أنهم لم يحذّروا نتنياهو من هجوم حماس الوشيك. وقد أثارت هذه التغريدة ضجة إعلامية كبيرة: ففي حين كان الجنود يضحّون بأنفسهم على الجبهة، اختار نتنياهو تصفية حساباته مع القادة. أُزيلت التغريدة لاحقًا، لكن بعد أن حققت هدفها، وحصدت أكثر من مليون مشاهدة. ومنذ ذلك الحين، حافظ نتنياهو على الخط ذاته: تحميل الآخرين المسؤولية، دون تحمّل أي مسؤولية شخصية، حتى بعدما تخلّص من جميع القيادات الأمنية السابقة، وظلّ في منصبه رغم مرور 22 شهرًا على الحرب.

في حينه، تكهّن صحفيون أن يائير نتنياهو هو من كتب التغريدة. وأول أمس، غرّد الابن بنفسه، متهمًا زامير بأنه "يقود تمرّدًا يليق بجمهورية موز... عمل إجرامي تمامًا". وعندما ذُكّر بأن زامير هو تعيين مباشر من والده، ألقى باللوم على وزير الأمن يوآف غالنت. مع العلم أن نتنياهو الأب قال بنفسه، في مراسم تغيير رئيس الأركان في آذار الماضي، إنه سعى إلى تعيين زامير ثلاث مرات.

وعندما اشتكى زامير أمس من هذه الهجمات، ردّ نتنياهو بأن ابنه "شخص مستقل". لكن التجارب السابقة تُظهر أن العلاقة بين الاثنين ليست منفصلة تمامًا. ففي بعض الأحيان، يحاول الابن دفع والده لاتخاذ قرارات معيّنة؛ وأحيانًا أخرى، يؤدي دورًا في "آلة السمّ" التي تخدم أجندة الأب، مع منحه هامش إنكار أمام الرأي العام.

في ولايته الحالية، حطّم نتنياهو كل التوقعات بشأن سلوكياته: لم يعد يخشى تنفيذ قرارات لم يكن أحد يتخيّل أنه سيتخذها – من إقالة وزير الأمن، إلى محاولة إقالة المستشارة القانونية للحكومة، وحتى التلويح بهجمات على منشآت نووية إيرانية. ومع ذلك، حتى نتنياهو يعلم على الأرجح تبعات إقالة رئيس الأركان في ظروف خلافية حول خطة هجوم. فإن مغادرة زامير لهذا السبب ستُحدث زلزالًا حقيقيًا داخل الجيش، بخلاف إقالة هرتسي ليفي أو استقالة يوآف غالنت، لأن زامير لم يكن له دور مباشر في إخفاقات السابع من تشرين الأول.

وإذا كان نتنياهو لا يزال يهتم بالعواقب، فقد يؤدي سلوكه إلى انهيار داخلي – يبدأ بموجة عصيان في صفوف الجنود، وربما يصل إلى ولادة متأخرة لحركة "أربع أمهات" جديدة.

في نهاية المطاف، هناك أمور لن تُخفيها إقالة رئيس الأركان: الحكومة، نتيجة أخطائها وإخفاقاتها، دفعت إسرائيل إلى مأزق استراتيجي خطير في غزة. هذا المأزق يكاد يوازي في جسامته الإخفاقات التي سبقت السابع من تشرين الأول. ومهما اندفع الأب والابن ومن حولهما لمهاجمة زامير، فإنهم بذلك لا يقتربون من تحقيق نصر في الحرب، ولا من إنجاز صفقة لتبادل الأسرى.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025