نتنياهو يقود إسرائيل نحو فخ غزة: احتلال طويل، شرعية منهارة، وأسرى في خطر

حضارات

مؤسسة حضارات

 هآرتس
ترجمة حضارات 

يوسي فيرتر:

احتلال قطاع غزة له معنى واحد: نتنياهو اختار استراتيجية الثقب الأسود

اثنان وعشرون شهرًا من الإنجازات العسكرية التكتيكية والإخفاقات السياسية الاستراتيجية تتجمع في هذه الأيام، حيث يقرّ الكابينت خطة لاحتلال غزة. حربٌ كان ينبغي أن تنتهي قبل أكثر من عام (وكانت ستنتهي لو كانت الحسابات أمنية فقط)، قد تنزلق إلى أكثر من عامين من القتال المكثف، ما سيؤدي إلى سقوط مزيد من القتلى والجرحى من الجنود، ويُخضع اقتصاد إسرائيل لعجزٍ تاريخي لعقود، ويدمّر نهائيًا ما تبقى من شرعية الدولة دوليًا.

كما ستؤدي هذه الخطة إلى مقتل الأسرى الأحياء الذين بالكاد يصمدون، بعد أن مات أو قُتل أو اغتيل 42 آخرون في الأسر. وستفتح جرحًا عميقًا في قلب غالبية هذا الشعب الممزق، على الأقل ذلك الجزء الذي لا ينتمي إلى التيار الفاشي القومي الممثل بقوة في الائتلاف.

معنى توجه نتنياهو، وسط هتافات شركائه من اليمين المتطرف، هو إقامة حكمٍ عسكري في القطاع وتحمل مسؤولية حياة نحو مليوني فلسطيني. المرحلة التالية ستكون زرع بؤر استيطانية مختارة، وحين تصل العائلات الأولى مع خزان ماء، وماعز، وكرفانات، ستقف الكتائب لحمايتها، وسيتدفق وزراء ونواب اليمين المتطرف لزيارتها، وبعضهم سيفتتح مكاتب برلمانية هناك. النشوة "الإيمانية"، مع الرقصات وصلوات الشكر على أرضٍ غارقة بدماء الإسرائيليين وجنودهم، ستبلغ ذروتها.

قال الوزير بتسلئيل سموتريتش هذا الأسبوع: "غزة جزء من أرض إسرائيل، ولا أنوي الاكتفاء بغوش قطيف، فهو ضيق جدًا ومكتظ". وخلال الأشهر الـ22 الأخيرة، تعلمنا أن نصغي للفاشيين وللكهانيين، فما يقولونه يتحقق في النهاية. هؤلاء – سموتريتش، أوريت ستروك، إيتمار بن غفير، وعمحاي إلياهو – هم البوصلة والمؤشر لكل فعل أو امتناع عن فعل. صفقات تحرير الأسرى أُحبطت تباعًا بأوامرهم. هم من يجب الإصغاء إليهم، لا لنتنياهو الذي يكذب ويتصنّع الحزن، ويكرر "التزامه" بتحرير جميع الأسرى.

نتنياهو يذكّر دائمًا بأنه أعاد 201 أسير من أصل 255، منهم 148 أحياء، ليُظهر إخلاصه في إتمام المهمة، لكن الرسالة الضمنية معاكسة: حصلتم على 80%؟ احمدوا الله وتوقفوا عن التذمر.

أمس، قبل ساعات من اجتماع الكابينت، نُشرت مقابلات معه في الإعلام الهندي والأمريكي، يبرر فيها منطق العملية: عشرات الجنود، وربما أكثر، قد يُقتلون، و20 أسيرًا قد يُغتالون. وهو، المسؤول عن ذلك، لا يُكلّف نفسه عناء مخاطبة شعبه أو عائلات الضحايا المرتقبين. سيكتفي ببيانات نعيٍ رسمية باردة.

إسرائيل تبدو كدولةٍ همجية تُدار على يد مجموعةٍ مهووسة تتحدث عن الاحتلال والإبادة، والاستيطان و"تشجيع الهجرة". بعد 7 أكتوبر، ربما كان بالإمكان تفهّم هذا الغليان الغريزي، لكن في هذه اللحظة، هو مجرد نزعة انتقامٍ جامحة تغذيها أيديولوجيا إمبريالية مسيحانية، في حكومةٍ يقودها سياسي فاسد وفاجر، محاط بوزراء خانعين.

بحسب رئيس الأركان، احتلال غزة سيستغرق نحو خمسة أشهر، وتطهير الأرض وما تحتها نحو عامين، ما يمنح نتنياهو ذريعة ممتازة لتأجيل الانتخابات "حتى نهاية الحرب وتحقيق كل الأهداف، بما في ذلك تحرير أسرانا"، وسيبرر ذلك بالقول: "هل يمكن خوض انتخابات بينما ندفن موتانا؟".

كل يوم يتحقق أمامنا مشهدٌ أبوقاليبتكي من الفوضى الكاملة: سحق القانون، إقالة منفذيه، إهانة القضاء، وتحطيم أي مظهرٍ من مظاهر الدولة. لمن لا يصدق، فلْيتذكر يوم انتخابات 2015، حين قال نتنياهو عبارته الشهيرة: "العرب يتدفقون إلى صناديق الاقتراع"، في خطابٍ عنصري وكاذب بالكامل تقريبًا. إذا كان مستعدًا لذلك حينها، فما الذي سيفعله للحفاظ على حكمه في المرة القادمة؟

هذا الأسبوع، وفي سياق إقالة المستشارة القانونية، أظهر صمته الراضي عن نفسه أمام الهجوم عليها، بينما خرجت تعليمات لمقاطعتها من مكتب وزير الاتصالات شلومو كراعي. الحملة ضد المدعية العامة في محاكمته بتهم الفساد فقدت كل كوابحها، وهو يشجعها ضمنيًا. في الوقت نفسه، استهلكت حكومته ساعاتٍ طويلة لمناقشة "حماية" رئيس الحكومة وعائلته، في غطاءٍ لطقوس شكوى وتذمر. كل هذا يقود بخطى ثابتة نحو جعل إسرائيل دولةً سلطوية على غرار تركيا والمجر، وتحويل نتنياهو إلى بوتين آخر يرى في غزة "جزءًا من إسرائيل" ويزرع فيها الموت والدمار.

رئيس الأركان إيال زامير وصف خطة احتلال القطاع، التي يعارضها ويدفع نتنياهو نحوها، بأنها "فخٌ استراتيجي" و"ثقبٌ أسود". من الواضح أنه يراها المناورة السياسية الأكثر دناءة في تاريخ حروب إسرائيل. وإذا رُفض موقفه وصدر الأمر، فلماذا سيتطوع عشرات آلاف جنود الاحتياط المنهكين، الذين تفككت عائلاتهم وانهارت أعمالهم ودراساتهم بعد 200 و300 يوم خدمة، للمخاطرة بحياتهم من أجل حكومةٍ تراهم مجرد وقودٍ لتنفيذ أوهامها؟ ولماذا سيقبل الجنود النظاميون الشباب إنهاء حياتهم في أنقاض غزة من أجل بقاء نتنياهو وأحلام سموتريتش عن "أرض إسرائيل الكاملة"؟

القتال في مناطق يُحتجز فيها أسرى يتضورون جوعًا وتُصوَّب البنادق إلى رؤوسهم يقترب من أمرٍ غير قانوني. أوريت ستروك قالت مطمئنة إنهم لن يصابوا بأذى، حتى لو عمل الجيش في مخيمات الوسط حيث يُحتجزون، لكن الواقع أن إعدامهم سيكون مرجحًا.

المعارضة لهذه السياسة لن يوقفها إلا عصيانٌ واسع. زامير نفسه يتعرض لهجومٍ من يائير نتنياهو، الذي غالبًا ما تتحول تفاهاته إلى خطواتٍ فعلية لأبيه. كما أن سارة نتنياهو عبّرت عن ندمها على تعيينه. وزير الدفاع يسرائيل كاتس بدوره تلقى هجومًا من يائير نتنياهو، رغم أنه هُيّئ لتمرير قانونٍ يعفي المتدينين من التجنيد، لكنه الآن عاجزٌ عن السيطرة على رئيس الأركان الذي جلبه. وفي حسابات عائلة نتنياهو المختلة، آلاف مشاكسات كاتس لا تساوي تصريحًا واحدًا يخالف خط العائلة.

في ظل هذا الوضع، يبدو أن مصطلح "الجبهة الثامنة"، الذي صاغه نتنياهو يومًا، بات ينطبق اليوم على الجبهة الداخلية في مواجهة فوضى حكومته.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025