قرارات بلا بوصلة: أين تقود حكومة نتنياهو إسرائيل؟

حضارات

مؤسسة حضارات

​​​​​​​ترجمة حضارات
بن كسبيت
عندما لا تحرك الدولة ساكناً لإصلاح مستشفى "سوروكا" الذي تضرر بصاروخ إيراني، فهذه علامة على حالة تعفُّن متقدمة. وعندما تختار الحكومة خوض حرب عبثية في غزة على حساب إنقاذ الأسرى، فهذا تعبير عن أولويات فاشية–كاهانية.

في 19 يونيو، أصاب صاروخ إيراني مستشفى "سوروكا" في بئر السبع، مدمّرًا القسم الجراحي بنسبة كبيرة. ومنذ ذلك الحين، لم تبدأ أي أعمال ترميم، ولم يُخصَّص أي تمويل، رغم أن 40٪ من الأسرة و20٪ من غرف العمليات خرجت عن الخدمة. المرضى في الجنوب، الذين كانوا يعانون أصلاً من نقص الخدمات الطبية، يواجهون الآن طوابير طويلة وتأجيلًا للعمليات غير العاجلة.

بدلًا من معالجة هذه الكارثة، انشغلت الحكومة بحماية عائلة نتنياهو، وإقالة المستشارة القضائية، وإبعاد رئيس لجنة الخارجية والأمن، وإجراء تعيينات مثيرة للجدل، بينما تُحوّل مليارات الشواقل إلى المستوطنات في الضفة الغربية. سكان الجنوب تُركوا لمصيرهم، ورئيس بلدية بئر السبع ومدير المستشفى يلهثان خلف تبرعات خارجية.

الحكومة، الخاضعة لابتزاز الحريديم والتيار الكهاني، تواصل تمويل الضفة الغربية وتتجاهل النقب والجليل. الفجوة بين المركز والأطراف تتعمق، ومتوسط العمر في الجنوب هو الأدنى في البلاد. هذا النمط مستمر منذ عقود تحت حكومات يهيمن عليها الليكود ونتنياهو، الذي يجرّ قدميه في إعادة إعمار "سوروكا" بينما ينشغل بإقالات ومعارك سياسية.

ملف الأسرى في غزة يشهد إنكارًا متعمدًا لواقعهم. بعض الوزراء والمعلقين يصفونهم بـ"أسرى" لا "مختطفين"، ما يعني ضمنيًا الانتظار حتى نهاية الحرب لمبادلتهم، دون أي أفق زمني. الحكومة ترفض أي صفقة تبادل قد تؤدي إلى وقف الحرب، مفضّلة استمرار العمليات حتى لو كان الثمن موت الأسرى.

الهدف الحقيقي للكثيرين في الائتلاف هو احتلال غزة وإعادة الاستيطان فيها، رغم غياب أي إجماع وطني أو توصية مهنية من الجيش. حماس، التي لم تعد تُشكل تهديدًا عسكريًا جديًا، تحتفظ بالقليل من الصواريخ والقدرات، لكن استمرار الحرب يخدم أجندة الاستيطان التي يتبنّاها إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.

نتنياهو، العالق بين ضغوطهم وضغوط ترامب، يدير الملف بلا استراتيجية واضحة، ويتنقل من فكرة عبثية إلى أخرى: "الضم الأمني"، "المدينة الإنسانية"، "الريفيرا"، "الهجرة الطوعية". ومع تراجع العدو ميدانيًا، تبقى الأهداف الحقيقية ضبابية، في حين تتدهور صورة إسرائيل الدولية إلى مستوى يشبه كوريا الشمالية.

الخلاف مع رئيس الأركان أيال زامير يُظهر عمق الأزمة. زامير يرى أن أفكار الحكومة، مثل إقامة أكبر مخيم لاجئين في العالم داخل غزة لدفع السكان إلى الهجرة، غير قابلة للتنفيذ وستؤدي إلى كوارث إنسانية وتُعرّض إسرائيل لاتهامات بارتكاب جرائم حرب. كما يشير إلى أن التفاوض كان ممكنًا الشهر الماضي على أسس معقولة، لكن "عناد" نتنياهو أفشله.

القضية المعروفة بـ"قطرغيت" تكشف أن مقرّبين من نتنياهو أداروا حملات لصالح قطر – الممول الرئيسي لحماس – خلال الحرب، وهم مطّلعون على أسرار الدولة. ما يثير شبهات باختراق أمني خطير.

في النهاية، يرى الكاتب أن إسرائيل وصلت إلى "الجحيم" بسبب إدارة نتنياهو، الذي يهرب من المسؤولية، ويتخذ قرارات تخدم بقاءه السياسي وتحالفه مع المتطرفين على حساب المصلحة الوطنية، ما قد يُخلّف أضرارًا استراتيجية وأخلاقية يصعب إصلاحها.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025