يديعوت أحرونوت
ترجمة حضارات
البروفيسور عساف ميداني
بدلاً من تهيئة الظروف التي تعزز إسرائيل سياسيًا وعسكريًا، يرسّخ وزير المالية واقع صراع مستمر. فهو يفضّل الأرض على الشعب، والضم على استعادة أرواح المخطوفين. وهكذا، يوجَّه إلى العالم خطاب مفاده أن إسرائيل تتخلى عن أي أفق سياسي، حتى وإن كان من شأنه أن يخدم أمنها على المدى البعيد.
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لا تواجه إسرائيل حركة حماس في غزة فقط، بل سؤالًا أعمق: أي نوع من الدول تريد أن تكون؟ هل هي دولة إنسانية ترى في إطلاق سراح الرهائن التزامًا أخلاقيًا مطلقًا وتضع حياة الإنسان في صميم أولوياتها، أم دولة أمنية قومية تسعى إلى نصر عسكري واحتلال كامل لغزة للقضاء على حماس وضمان ردع طويل الأمد؟
هناك توتر دائم بين هذين النهجين. يجادل أنصار البعد الإنساني بأن إسرائيل تُقاس بقدرتها على التمسك بقيم الحرية والرحمة وحقوق الإنسان حتى في خضم الحرب. ومن هذا المنظور، يُعتبر وقف إطلاق النار – ولو كان مؤقتًا – أداة أخلاقية واستراتيجية لتحرير الرهائن ومنع وقوع المزيد من الضحايا. في المقابل، يحذّر أنصار النهج الأمني من أن التنازلات المبكرة قد تُفهم كضعف وتُبقي حماس قائمة، مستعدة للجولة التالية.
هذا التوتر ليس جديدًا، فمنذ نشأة الصهيونية تأرجحت إسرائيل بين مبادئ أخلاقية عالمية واحتياجات أمنية وجودية. لكنه اليوم يتجلى بشكل ملموس على ثلاث جبهات أساسية: قضية الرهائن، مسألة السيطرة على غزة، والضغط الدولي للاعتراف بدولة فلسطينية.
ويُصوَّر الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية كتهديد أمني–دبلوماسي، غير أنه قد يشكّل جزءًا من الحل إذا ارتبط بشروط تخدم الطرفين: دولة فلسطينية جديدة منزوعة السلاح، ضمن حدود خطة ترامب 2020، وإنهاء خطاب الكراهية، وإطلاق سراح الرهائن كخطوة أولى. هذه ليست "مكافأة" على الإرهاب، بل تسوية تعزز أمن إسرائيل وتعيد أبناءها وبناتها إلى بيوتهم.
في هذه اللحظة بالذات، اختار وزير المالية بتسلئيل سموتريتش عرض خطته لبناء 3400 وحدة استيطانية جديدة، تربط مستوطنة معاليه أدوميم بالقدس وتقطع التواصل الجغرافي الفلسطيني. ويعرض سموتريتش المشروع كإنجاز تاريخي و"المسمار الأخير في نعش فكرة الدولة الفلسطينية". لكن في الواقع، هذه خطوة أحادية الجانب تُبعد أي فرصة لتسوية سياسية، وتُعمّق عزلة إسرائيل الدولية، وتُعرّض تعاونها الاستراتيجي مع شركائها للخطر.
بدلاً من تهيئة الظروف التي تُعزز إسرائيل سياسيًا وعسكريًا، يكرّس سموتريتش واقع صراع دائم. فهو يفضّل الأرض على الشعب، والضم على استعادة أرواح المخطوفين. وهكذا، تبعث إسرائيل برسالة إلى العالم مفادها أنها تتنازل عن أي أفق سياسي، حتى وإن كان من شأنه أن يخدم أمنها بعيد المدى.
إن نهج "القومية الإنسانية" لا يتجاهل التهديدات، لكنه لا يضحي بالمبادئ الأخلاقية الأساسية. إنه يسعى للجمع بين الردع والدفاع عن النفس والحفاظ على حياة الإنسان – حتى عبر الحدود – مع إدراك أن الصورة الأخلاقية لإسرائيل جزء لا يتجزأ من قوتها السياسية والأمنية. ويشهد التاريخ أن إسرائيل حين جمعت بين البعد الأمني والأخلاقي، كما في اتفاقية السلام مع مصر عام 1979، حققت السلام والشرعية.
اليوم، نحن بحاجة إلى قيادة تدرك أن المرونة الوطنية لا تُبنى على تصريحات فارغة وخطط أحادية، بل على مزيج شجاع من القلب والدرع: بين الهوية الوطنية القوية والالتزام العميق بالحياة الإنسانية.