هآرتس
ترجمة حضارات
عموس هرئيل
قدّم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بصفته محللًا للشؤون العامة، بالأمس تشخيصًا آخر لوضع الحرب في قطاع غزة. قال ترامب: "لن نرى عودة بقية الرهائن إلا إذا تم تدمير حماس!!! وكلما حدث ذلك أبكر، ازدادت فرص النجاح". وواصل التفاخر بإنجازاته، مدعيًا أنه حرر "مئات" الرهائن من أسر حماس (في الواقع أُفرج حتى الآن عن 31 على قيد الحياة)، إضافةً إلى "محو" المواقع النووية الإيرانية. ثم أضاف عبارته: "العبوا من أجل الفوز أو لا تلعبوا إطلاقًا"، وختم كعادته بـ: "شكرًا على انتباهكم لهذا الأمر".
لكن بعد دقائق من تغريدته، بدأت تصل تقارير عن استجابة إيجابية من حماس للمبادرة الأخيرة للوسطاء مصر وقطر، والتي تنص على أن تفرج حماس عن عشرة رهائن أحياء، وعدد غير محدد من الجثامين، في صفقة جزئية، مقابل إفراج واسع عن أسرى فلسطينيين وانسحاب تدريجي إسرائيلي من القطاع، على أن يُبحث لاحقًا في صفقة كاملة.
رد حماس كان عمليًا، والبيانان غير منفصلين؛ إذ يربط بينهما التهديد الإسرائيلي باقتحام مدينة غزة. ترامب يواصل منح نتنياهو دعمًا مطلقًا، والسؤال المطروح: هل يشكل هذا الغطاء للعملية العسكرية المخططة جزءًا من مناورة للضغط على حماس ودفعها إلى الزاوية، لفتح الطريق أمام تقدم جديد في المفاوضات؟ من الصعب استبعاد احتمال أن يكون الأميركيون منسقين مع الوسطاء، خاصة بعد لقاء مبعوث ترامب، ستيف ويتكوف، بممثليهم مؤخرًا.
بالنسبة لعائلات الرهائن، الرسالة واضحة: يجب الاستمرار في النضال وتصعيد الضغط. آخر مرة شهدت مثل هذا الزخم الشعبي كانت في نهاية آب من العام الماضي، بعد أن أعدمت حماس ستة رهائن في رفح. حينها أحبط مكتب نتنياهو خطر التسوية عبر تسريب مدروس لصحيفة "بيلد" الألمانية، أوحى بأن حماس وحدها أفشلت الصفقة. اليوم، لا أهمية لمحاولات نتنياهو وأذرعه الإعلامية الادعاء بأن التظاهرات فشلت بسبب قلة المشاركين أو أنها تفيد حماس. فمن دون ضغط متواصل ومتزايد، لا فرصة لصفقة.
أما ردود الفعل الغاضبة من الجناح الديني ـ اليميني في الحكومة، وتحديدًا الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، فقد كشفت عن خوفهم من احتمال حدوث اختراق. وقد هددا مجددًا نتنياهو بتفكيك الحكومة إن وافق على صفقة جزئية. نتنياهو من جانبه غيّر قبل أسبوعين موقفه، منتقلاً من الإصرار على صفقة جزئية إلى المطالبة بصفقة كاملة. لكن مواقفه مرنة وقابلة للتبدل، وقد يشجع معارضة داخلية سرًا طالما يستطيع التهرب من التوقيع. وإذا فرضت عليه الظروف، سواء بضغط من ترامب أو من خلال انتفاضة شعبية متواصلة، فسوف يوقّع رغم المخاطر السياسية.
في الخلفية برزت تطورات أخرى: الأولى، سعي ترامب المحموم لنيل جائزة نوبل للسلام قبل قرار العاشر من تشرين الأول. فرصه في الملف الروسي ـ الأوكراني ضئيلة، بعد أن تراجع أمام بوتين في قمة ألاسكا. لذا قد يراهن على إنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس كطريق بديل. الثانية، تتعلق باستعدادات الجيش الإسرائيلي لاحتلال غزة، إذ تُنشر بيانات متكررة عن تقدم الخطط، في دعاية غير مسبوقة لعملية لم تبدأ بعد، وهو ما يثير الشكوك بأن القرار لم يُحسم، خصوصًا بعد أن أبدى رئيس الأركان أيال زامير علنًا تحفظاته.
وفي موازاة ذلك، أعلن مراقب الدولة متنياهو إنجلمن أنه التقى نتنياهو وكبار مسؤولي الجيش والشاباك السابقين والحاليين، ضمن مراجعة لإخفاقات الحرب. ما يعني أنه يؤدي عمليًا دور لجنة تحقيق، في ظل رفض نتنياهو تشكيل لجنة مستقلة. وهذه الخطوة ليست سيئة بالنسبة لنتنياهو، إذ يخشى أكثر لجنة قضائية مستقلة من مراقب عيّنه بنفسه، ويسعى لإنهاء تقاريره في حزيران المقبل قبيل الانتخابات. وقد طالت الانتقادات إنجلمن، خاصة بعد نشره ملاحظات شخصية قاسية ضد ضباط كبار قبل لقائهم.
الدرس الأبرز من يوم الاحتجاج الأخير، إضافة إلى التضامن الشعبي الواسع مع عائلات الرهائن، هو أن القضايا كلها مترابطة. لذلك وقفت عائلات قتلى 7 أكتوبر في الصف الأول إلى جانب عائلات الرهائن. فإلى جانب مطلب إنهاء الحرب وإعادة الأسرى، تحتاج إسرائيل إلى كشف جذور الكارثة، والجهة الوحيدة القادرة على ذلك تبقى لجنة تحقيق رسمية برئاسة قاضٍ من المحكمة العليا.