يديعوت أحرونوت
ترجمة حضارات
إيتمار إيسنر :
(الإعلان الدرامي) والرسالة الغامضة: ماذا تعني المفاوضات "الفورية"؟
أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مساء أمس (الخميس)، بيانًا وُصف بأنه دراماتيكي، أوعز فيه ببدء مفاوضات "فورية" من أجل "إنهاء الحرب وإعادة جميع الأسرى". إلا أنه أكد في الوقت نفسه أنه وصل إلى فرقة غزة للمصادقة على خطط الجيش للسيطرة على مدينة غزة وهزيمة حماس.
عقب الإعلان، صدرت ثلاثة بيانات من "مصدر سياسي":
في الأول، أُبلغ الصحفيون بأنه لن يُرسل أي وفد إلى الدوحة أو القاهرة في هذه المرحلة.
في الثاني، أُفيد بأن نتنياهو "معجب" بخطط الجيش لاحتلال غزة و"راضٍ" عنها.
أما الثالث، فجاء لتصحيح الانطباع بأن إسرائيل تتهرب من المحادثات، حيث أُعلن أنه "عند تحديد مكان المفاوضات، سيأمر رئيس الوزراء بإرسال وفد إسرائيلي للتفاوض حول جميع الأسرى – الأحياء منهم والأموات – وعلى إنهاء الحرب بشروط إسرائيل".
في هذه الأثناء، تنتظر مصر وقطر منذ أسبوع ردًا إسرائيليًا، بينما يواصل نتنياهو المماطلة. يطرح ذلك أسئلة جوهرية: هل هناك بالفعل إعلان عن إرسال وفد؟ وما معنى "مفاوضات فورية" إذا كانت هذه المفاوضات قائمة منذ مدة، بل ووافقت حماس وفق الوسطاء على الخطوط العريضة للصفقة التي طالبت بها إسرائيل سابقًا؟ وكيف ستتمكن إسرائيل من السيطرة على غزة إذا توقف القتال، وماذا ستفعل بها إذا تم التوصل إلى اتفاق لاحقًا؟ نتنياهو لا يجيب.
يتضح أن رئيس الوزراء يحاول السير بين الخطوط:
من جهة، يقف معسكر اليمين المتطرف بزعامة بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن غفير، المطالب باحتلال غزة.
من جهة ثانية، عائلات المختطفين التي تنتظر منذ 685 يومًا عودة أحبائها.
من جهة ثالثة، الوسطاء الذين ينتظرون منذ ثلاثة أيام ردًا رسميًا على مقترح حماس، القاضي بإطلاق سراح عشرة رهائن أحياء و18 قتيلًا خلال 60 يومًا.
ومن جهة رابعة، الإدارة الأميركية التي تريد إنهاء الحرب، وتدمير حماس، وتحقيق إنجاز سياسي في حرب مستمرة منذ أكثر من عام وعشرة أشهر.
عمليًا، نتنياهو يراوغ ويكسب الوقت. فهو يسمح للجيش بالاستعداد لعملية واسعة، لكنه يدرك أنها لن تكون فورية، حيث صدرت أوامر استدعاء الاحتياط في أوائل سبتمبر، ويقدّر الجيش أن العملية قد تستمر حتى عام 2026. من هنا، يبدو أن الحديث عن غزو غزة ليس سوى وسيلة للضغط على حماس، مع أن أي دخول للمدينة سيكون مكلفًا دمويًا وصعبًا سحب القوات منه لاحقًا.
ومع أن إسرائيل تلقت مقترح حماس قبل ثلاثة أيام، فإن نتنياهو أصدر بيانًا رفض فيه الصفقة الجزئية من دون أن يعلن ذلك صراحة، تمامًا كما امتنع عن قبولها صراحة. وبهذا يختار الخيار الثالث: المفاوضات تحت النار.
خلال هذه المفاوضات المطوّلة، يحاول نتنياهو ضم بيني غانتس إلى الحكومة لتحييد بن غفير وسموتريتش، كما فعل سابقًا مع جدعون ساعر لتخفيف ضغط وزراء اليمين المتطرف. وبهذه الطريقة يسعى إلى تحقيق أفضل النتائج: يقول "نعم" لاحتلال غزة لإرضاء شركاء الائتلاف، ويرفض أي اتفاق جزئي لإرضاء سموتريتش وبن غفير، ويعلن استعداده للتفاوض حول جميع الأسرى لطمأنة عائلاتهم.
في النهاية، يصر نتنياهو على أن أي صفقة ستكون "بشروط إسرائيل": نزع سلاح حماس، إعادة جميع المختطفين والقتلى، فرض السيطرة الأمنية الإسرائيلية على القطاع، وإقامة حكومة مدنية بديلة لا تكون حماس ولا السلطة الفلسطينية. غير أن حماس ترفض هذه الشروط حاليًا، ولا يوجد طرف آخر مستعد لتولي إدارة غزة. وهنا يأتي دور العملية العسكرية التي يُفترض أن تزيد الضغط على حماس وتجعلها أكثر مرونة.
لكن مع استمرار المماطلة وعدم إرسال وفد إلى الدوحة أو القاهرة، يتضح أن إعلان نتنياهو لم يكن سوى مناورة جديدة، انتهت كما بدأت بتصريحات غامضة، وإحاطة إعلامية أعلن فيها "رضاه" عن خطط احتلال غزة.