ملاك الخداع الجاسوس الأفضل لإسرائيل عمل في خدمة مصر

ترجمة حضارات

يديعوت أحرنوت

رونين بيرجمان ويوفال روبوفيتش

حتى اليوم يُعتبر أشرف مروان ("الملاك") أفضل جاسوس حظي به جهاز الاستخبارات الإسرائيلي على الإطلاق، ذاك الذي استمعت إليه الحكومة بأكملها والذي حذّر من حرب يوم الغفران. حتى الشبهات التي أثيرت على مرّ السنين بأنه كان في الواقع عميلاً مزدوجًا رُفضت بشكل قاطع. غير أن تحقيقًا موسعًا لملحق "7 أيام"، يستند إلى آلاف الوثائق السرية التي لم يُكشف عنها من قبل وإلى مقابلات نادرة مع أشخاص شاركوا في العملية، يكشف أن "الملاك" كان رأس الحربة في خطة الخداع المصرية قبل الحرب وأثناءها – وأنه نجح بما يفوق كل التوقعات. سلسلة من الإخفاقات الجسيمة في تشغيله، مضافًا إليها الكثير من الغرور في مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي، جعلت من مروان واحدًا من أخطر العملاء الذين عملوا ضد إسرائيل. فهل الآن، بعد 7 أكتوبر، سيتم أخيرًا استيعاب الدرس من قضية "الملاك"؟

الفصل الأول: تمهيد

 رجلنا داخل عقل السادات

"خوتيل"، "سجال"، "نبوخذ نصر": لأشرف مروان، أهم جاسوس شغّلته إسرائيل في مصر منذ عام 1970، كانت هناك عدة أسماء كود في جهاز "الموساد"، معظمها بهدف تضليل المخابرات المصرية. لكن داخل الموساد كانوا يطلقون عليه ببساطة "الملاك". ولم يكن ذلك اعتباطًا: فقد اعتُبر مروان جاسوسًا من الأحلام، "حدثًا لا يتكرر سوى مرة في العمر"، كما وصفه مسؤول سابق في الموساد كان مشاركًا في تشغيله بعد حرب يوم الغفران. جاسوس بدا وكأنه هبط على الموساد من السماء.

كمية الوثائق والمعلومات السرية التي جلبها "الملاك" من قمة هرم السلطة المصرية – العدو الأكبر والأقوى لإسرائيل آنذاك، ما يشبه إيران اليوم – كانت لا تُصدَّق. جبال من الوثائق والمعلومات التي سلّمها لإسرائيل تم التحقق منها وتقاطعها مع مصادر أخرى. معظمها اجتاز كل اختبار. "أفضل جاسوس للموساد على الإطلاق"، هكذا قيل عنه.


بعد مرور خمسين عامًا على حرب يوم الغفران، وفي حفل خاص أقيم في حديقة مقر الموساد، وصفه رئيس الموساد دافيد برنيع بأنه "عميل رائع". وأضاف: "كانت لدينا مصادر بشرية ممتازة، والأهم والأرفع بينها كان ’الملاك‘". أما الادعاءات التي أثيرت عبر السنين بأنه كان عميلاً مزدوجًا فقد رفضها برنيع رفضًا قاطعًا، مؤكدًا أن الموضوع دُرس مرارًا من قبل الجيش والموساد، وأن الجميع توصّل إلى الاستنتاج ذاته: "الملاك كان عميلاً استراتيجيًا". وأردف: "لقد راجعتُ الأمر مجددًا. بعد قراءة كل التقارير ذات الصلة، أستطيع أن أقول بكل ثقة – بقدر ما أستطيع الحكم – إن أشرف مروان كان عميلاً مهمًا للغاية. كل من يدّعي خلاف ذلك، في رأيي، إما يبحث عن شهرة أو لا يفهم شيئًا في الصورة الاستخباراتية ولا في عالم التجسس البشري".

وفي إشارة واضحة إلى أخطاء الاستخبارات العسكرية عام 1973، قال برنيع: "علينا ألا نسقط في فخ المفاهيم المسبقة. اليوم أيضًا نشعر بالقوة وعمق المعرفة والقدرات العظيمة – لكن المطلوب الآن هو التواضع الاستخباراتي والشك البنّاء". وكان ذلك قبل فترة قصيرة من 7 أكتوبر، الإخفاق الأكبر للاستخبارات منذ هجوم يوم الغفران.

وبالفعل، ظل "الملاك" في الموساد حتى اليوم أسطورة استخباراتية. في مطلع سبتمبر 1973، كان مروان في التاسعة والعشرين من عمره فقط، لكن تأثيره على الاستخبارات الإسرائيلية وخاصة على تسفي زامير، رئيس الموساد آنذاك، كان في ذروته. رئيسة الوزراء غولدا مئير، التي منحت ثقتها الكاملة في "الملاك"، كانت تسأل في الاجتماعات المغلقة: "وماذا يقول صديق تسفيكا عن ذلك؟". وما يقوله "صديق تسفيكا" كان يُعتبر يقينًا. وقد روى زامير في مذكراته أن "وجود مروان في اجتماعات السادات مع الجنرالات جعلني أدخل غرفة النقاش – وكأنني كنت حاضرًا فعليًا".

إذا كان هناك من لا يزال يشك في مصداقية "الملاك"، فإن الأمر تبدّد في أغسطس 1973. في ذلك الشهر نقل "الملاك" إلى مشغّله في الموساد تقريرًا خطيرًا: معمّر القذافي، زعيم ليبيا، يخطط لهجوم ضخم ضد إسرائيل. كان القذافي يسعى للانتقام بعد أن أسقط سلاح الجو الإسرائيلي في 21 فبراير 1973 طائرة ركاب ليبية دخلت عن طريق الخطأ المجال الجوي الإسرائيلي فوق سيناء. خشية أن يكون انتحاريًا يريد الاصطدام بمفاعل ديمونة، جرى إسقاط الطائرة وقُتل 108 من أصل 113 راكبًا.


غاضبًا، جنّد القذافي خلية من الفدائيين الفلسطينيين حصلت من مصر على صواريخ "ستريلا" المحمولة على الكتف ضد الطائرات، وتلقّت تدريبات عليها. وكان الهدف إسقاط طائرة "العال" تقل مئات الركاب أثناء إقلاعها من روما نحو إسرائيل. لكن إسرائيل كان لديها "ملاك" على كتفها: لم يكتفِ بمعرفة الخطة، بل كان هو نفسه المكلّف من الرئيس أنور السادات بتنسيق العملية الانتقامية مع الليبيين والفلسطينيين. حتى إنه سافر بنفسه إلى روما لتسليم الصواريخ للمسلحين. وهكذا كان في الموقع المثالي ليبلغ إسرائيل بالمؤامرة.

تتبّع رجال "قيصرية"، وحدة العمليات في الموساد، خطوات مروان حتى نقطة التسليم، ثم تتبعوا أفراد الخلية والصناديق الملفوفة التي خُبئت فيها الصواريخ. وقبل أن يتمكن المسلحون من تنفيذ خطتهم، تدخّلت قوات خاصة إيطالية وألقت القبض عليهم. عندها استطاع رئيس الموساد زامير أن يُبلغ بفخر رئيسة الوزراء مئير بأن حياة مئات الإسرائيليين أنقذت بفضل عميله المتميز ومعلومة الذهب التي زوّدهم بها. لقد بلغت مصداقية "الملاك" عنان السماء؛ وأصبح كثيرون في مجتمع الاستخبارات على قناعة أنه سينذر حتمًا في الوقت المناسب إذا ما اندلعت الحرب.


ومنذ بداية تلك السنة، أغرق مروان الموساد بتقارير عن حرب وشيكة، أحيانًا مع تحديد موعد دقيق. ثم يعود ليبلغ أن الحرب تأجلت؛ ثم يحدّد موعدًا جديدًا؛ ويقول أحيانًا إن السادات مصمم على الحرب؛ وأحيانًا يصفه بأنه يثرثر بلا جدوى. وهكذا مرارًا.

في 26 و27 أغسطس 1973، أي قبل أيام من سفره إلى روما لتسليم صواريخ "ستريلا"، شارك مروان في اجتماع حاسم جمع بين السادات والرئيس السوري حافظ الأسد في دمشق. في نشرات الأخبار بالأبيض والأسود من تلك الفترة ظهر بكامل قامته الفارعة، أنيقًا كعادته، يسير خلف السادات على درج الطائرة. بطبيعة الحال، سأله الموساد عمّا دار في اللقاء، ولم يخيّب "الملاك" ظنّهم. المعلومات التي نقلها في مطلع سبتمبر عن ذلك الاجتماع ستغير مجرى التاريخ.


وككل تقاريره، وُزّعت هاتان أيضًا بتعميم واسع لكل الجهات المعنية، وعلى رأسها رئيسة الوزراء ووزير الدفاع. قال "الملاك" إن "السادات يواصل الحديث عن الحرب، هذه المرة في نهاية 1973، لكنه هذه المرة أكثر تكتمًا في تصريحاته". وأضاف أن السادات أمر بملء مخازن الطوارئ سرًا حتى نهاية 1973. وبالنسبة للرئيس السوري؟ "الأسد وافق على الموعد الذي حدده السادات لبدء الحرب ضد إسرائيل (نهاية 1973) ووعد بأن تفتح سوريا جبهة الجولان في الوقت نفسه".

بمعنى آخر، أفاد مروان أن الاستعدادات للحرب ستكتمل فقط بنهاية 1973، وعندها ربما – فقط ربما – تندلع. ولماذا "ربما"؟ لأن "الملاك"، الذي كان يدرك جيدًا مدى تأثيره على القيادة الإسرائيلية، أضاف "تقديره الشخصي". فجاء في تقرير مشغّله: "برأي المصدر (أي ’الملاك‘) لا يجب أخذ تصريحات السادات عن الحرب على محمل الجد… المصدر مقتنع أن السادات يريد البقاء في منصبه لثلاث سنوات إضافية على الأقل دون حرب… وحتى الجيش [المصري] بات مقتنعًا أكثر فأكثر أن السادات لن يقاتل، وإذا قال لضباطه ستكون هناك حرب فلن يصدقوه ’حتى يروا النار‘".

إذن، الجاسوس الأكثر موثوقية للموساد، وبعد لحظات من إحباط هجوم كان سيقتل مئات الإسرائيليين، يقدّم تقريرًا عن اجتماع في دمشق يفيد أن الرئيسين اتفقا على تأجيل الحرب حتى نهاية السنة، وأن الاستعدادات لن تنتهي قبل ذلك، بل ويضيف أن السادات على الأرجح لن يهاجم أصلًا. في إسرائيل، التي كانت بالفعل متأهبة للحرب بفضل "الملاك"، تنفّسوا الصعداء. هناك نصف عام للاستعداد، وحتى حينها "الملاك" يعتقد أن السادات لن يفعل شيئًا. لكن ما لم يعرفوه كان شيئًا واحدًا:

أنه بعد كمية كبيرة من المعلومات الصحيحة التي زوّدهم بها – هذه المرة كان "الملاك" يكذب. كذبًا كان جزءًا لا يتجزأ من خطة الخداع.

كان ذلك كذبًا رهيبًا، سيُسهم في أكتوبر 1973 مساهمة حاسمة في الإخفاق الذي كلّف حياة نحو 2,400 جندي إسرائيلي، وخلّف شرخًا عميقًا غيّر وجه إسرائيل إلى الأبد. لقد كان "الملاك" يعلم جيدًا أن السادات والأسد لم ينويا الانتظار حتى نهاية العام، بل إنهما حدّدا في ذلك الاجتماع نفسه تاريخ اندلاع الحرب: السادس من أكتوبر 1973. يوم الغفران، عام 5734.

في الشهر التالي، شارك "الملاك"، بصفته مساعدًا مقربًا من السادات، في اجتماعات مع القيادة المصرية وكبار المسؤولين في العالم العربي، حيث أُغلقت كل التفاصيل الخاصة بالهجوم المفاجئ المشترك. لكنه لم يُخبر الموساد بشيء عن ذلك. وبما أن مروان قال إنه لن تكون هناك حرب قبل نهاية العام وحتى حينها الأمر غير مؤكد، فقد اصطفَّ الموساد كله، ومن بعده جهاز الأمن والحكومة، وراء هذا التقييمهذه.

في 24 أيلول/سبتمبر، وفي جلسة خاصة لهيئة الأركان العامة التي ناقشت خطر اندلاع حرب محتملة، قدّم زامير التقدير المطمئن للموساد بأن الحرب "غير متوقعة قريبًا"، بل في الواقع "لن تندلع خلال العام المقبل".

غير أنه من الصعب جدًا إخفاء التحضيرات لهجوم مصري–سوري مشترك، ومع ذلك بدأت تتراكم في شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، وخاصة في الموساد، تقارير مقلقة أكثر فأكثر بأن شيئًا ما يحدث. اثنان من كبار عملاء الموساد الآخرين أبلغا أن الحرب على الأبواب، وأنها ستبدأ بخدعة وكأنها مناورة عسكرية، ثم تتحول فجأة إلى هجوم حقيقي. لكن بما أن "الملاك" قال إنه لا توجد حرب قريبة، تعاملت "أمان" والموساد مع تلك المعلومات المتناقضة باستخفاف ولم يمرروها إلى رئيسة الوزراء ووزير الدفاع.

"كانت تلك معلومات، في الظروف العادية، تُلزم إسرائيل بأن تتعامل معها بجدية وقلق، وتستدعي حالة تأهب وربما حتى تعبئة الاحتياط. لكن لم يُتخذ أي إجراء"، قال اللواء شلومو غازيت.

غازيت، الذي عُيّن رئيسًا لـ"أمان" بعد الحرب، لم يكن له علاقة بالإخفاق، ويُعتبر من أفضل من شغلوا المنصب. وفي أحاديثه عن القضية مع رونين بيرغمان – والتي سمح بنشرها فقط بعد وفاته – قال: "القرار غير الواعي الذي تبنّته القيادة السياسية والأمنية العليا كان واضحًا وحاسمًا: طالما لم تصل معلومة تحذيرية من أشرف مروان، جرى تأجيل التعامل مع الكمّ الكبير والمقلق من المعلومات الواردة من باقي مصادر الاستخبارات. لولا اعتمادنا على مروان، لا شك عندي أننا كنا سنستدعي قوات الاحتياط في وقت أبكر. مروان زُرع في عمق الاستخبارات الإسرائيلية، وجنّد رئيس الموساد زامير كألعوبة بين يديه، خدعه كما أراد، وكان فعليًا الترس المركزي في خطة الخداع المصرية".

في النهاية، قدّم مروان تحذيرًا، عند منتصف الليل الذي سبق الهجوم. إنها تلك الجلسة الشهيرة مع زامير في لندن، التي تحوّلت منذ ذلك الحين إلى أسطورة إسرائيلية. أنصاره في مجتمع الاستخبارات – ولديه كثيرون حتى اليوم – يزعمون أن هذا التحذير هو الدليل القاطع على مصداقيته. لكن التحذير الذي قدّمه "الملاك" لم يكن إلا قبل 12 ساعة فقط من الهجوم، في حين كان المصريون يعرفون جيدًا أن إسرائيل تحتاج ما لا يقل عن 48 ساعة لتعزيز قواتها على القناة وإنزال وحدات احتياط هناك، خاصة مع وجود جبهة أخرى في الشمال. كما أن المصريين نصبوا كمينًا لسلاح الجو الإسرائيلي بمنظومات صواريخ أرض–جو على طول القناة، ولم يخشوا من ضربة استباقية. وعندما دخل سلاح الجو إلى المعركة، ورغم أنه كان على أهبة الاستعداد منذ ساعات، تكبّد خسائر فادحة ولم يتمكن من تقديم دعم يُذكر.

إضافة إلى ذلك: التحذير الذي قدّمه مروان في ذلك اللقاء كان بعيدًا عن الحسم الذي جرى تصويره لاحقًا في الكتب والأفلام والمقالات. ففي الحقيقة، واصل "الملاك" خداع الإسرائيليين حتى في تلك الجلسة، واقترح وسيلة قد تُفشل الهجوم: تسريب خبر للصحافة العالمية بأن المصريين على وشك شن هجوم. وابتلع زامير الطُعم أيضًا. قبيل الجلسة التي بدأت صباح يوم الغفران في الساعة 8:05 – أي قبل ست ساعات فقط من الهجوم – كتب زامير إلى غولدا بأن من المفيد تجربة فكرة "الملاك". وقد وجدت الفكرة صدى لدى الحاضرين.

"المصدر الخاص بصفية (تصغير لاسم صبّيكه – أي زامير) يقول إن بالإمكان إحباط الحرب عبر تسريب الخبر"، قال الوزير إسرائيل غاليلي المقرب من غولدا في اجتماع طارئ للحكومة يوم الغفران. "صفية يقترح تجربة ذلك". في الاجتماع اندلع نقاش محتدم: هل ينبغي توجيه ضربة استباقية؟ ما حجم قوات الاحتياط التي ستتم تعبئتها؟ أم لعل اقتراح "الملاك" سيُغني عن كل ذلك؟ "أنا ما زلت أُفكّر"، قالت غولدا ردًا على اقتراح دايان بتعبئة الاحتياط. "أما بشأن الضربة الاستباقية، فالميول موجودة، لكننا سنرى. ماذا لو أخذنا حقًا بنصيحة صديق صفية". وبناءً على تلك النصيحة، كرّست غولدا جزءًا كبيرًا من وقتها صباح ذلك اليوم للقاء سفراء ونقل الرسالة المذكورة.

عند الساعة 13:55، قطعت صفارات الإنذار النقاش. لقد اندلعت الحرب. لم يكن اقتراح "الملاك" ليمنع شيئًا، لكنه حقق غايته: كسب وقت ثمين ضاع على إسرائيل قبل الهجوم. كانت غولدا مائير مذهولة. لسنوات كانت مقتنعة بأنها تعرف ما يجري في مكتب السادات، بفضل "صديق صفية". لكن ذلك الصديق، كما تمتمت غولدا بدهشة بعد بدء الهجوم، كان يقول لها مرارًا إن "السادات يعرف أنه يجب أن يخسر".

مضت السنوات، وتم تحديد المسؤولين عن الإخفاق – بدرجات متفاوتة من العدالة –: رئيس "أمان" إيلي زعيرا ورؤساء شعبة الأبحاث لديه؛ رئيس الأركان دافيد (دادو) إلعازار؛ قائد المنطقة الجنوبية اللواء شموئيل غونين (غوروديش)؛ وزير الدفاع موشيه دايان ورئيسة الوزراء غولدا مائير – وهذه قائمة جزئية فقط. وحده بقي تقريبًا بلا علامات استفهام: أشرف مروان، "الملاك"، أفضل عميل كان للموساد على الإطلاق، وبحسب بعض من غذّوا الأسطورة حوله – أفضل عميل في التاريخ كله.

على مدى السنوات الأربع الماضية، غصنا في أعماق قضية "الملاك". فتشنا في آلاف الوثائق، معظمها من الاستخبارات الخام والمحلّلة من العامين اللذين سبقا الحرب، إضافة إلى محاضر وجداول اجتماعات. التقينا بضباط استخبارات وباحثين، واطّلعنا على مقابلات وتحقيقات داخلية أُجريت حول القضية، بما في ذلك مع أشخاص كان لهم ارتباط مباشر بتشغيل "الملاك". بعضهم يرفض حتى اليوم تصديق أن مروان كان عميل تضليل نجح في خداعهم.

آخرون زعموا في السابق أن هناك شبهات قوية بأن "الملاك" كان عميلاً مزدوجًا، ونشروا ذلك في مقالات وكتب، بينهم أحد موقّعي هذا التحقيق – رونين بيرغمان – الذي كان أول من كشف القضية عام 1998. لكن حتى الآن، لم تكن سوى شبهات، لأن الحجم الكامل للأدلة لم يكن متاحًا. حتى هذا الأسبوع.

بالتوازي مع تحقيق "7 أيام"، جرت سلسلة فحوصات أجراها عدة مسؤولين سابقين في "أمان" والموساد بمبادرة شخصية منهم. قُدّمت خلاصاتهم في منتديات مغلقة لعدد من كبار قادة مجتمع الاستخبارات في العقود الأخيرة. وبعد أن استوعبوا الصدمة، وافق معظمهم على الاستنتاجات.

هذا الأسبوع تكشف "7 أيام" أنه لم يكن "الملاك" "أفضل عميل للموساد"، بل العكس تمامًا: الأدلة تشير بوضوح إلى أن أشرف مروان كان عن قصد جزءًا من عملية خداع شاملة وذكية ساعدت مصر على مفاجأة إسرائيل. كل ذلك حدث أيضًا بسبب سلسلة إخفاقات خطيرة من الموساد في تشغيل "الملاك"، وتجاهل إشارات تحذير واضحة بشأنه. "الملاك" زرع كذلك شعورًا زائفًا بالأمان في "أمان" عامة وفي شعبة الأبحاث خاصة، ولذلك فإن استنتاجات التحقيق تشملهم أيضًا. ولـ"أمان" كما هو معلوم مسؤولية مركزية عن الإخفاق. يضاف إلى ذلك أن أحدًا في شعبة الأبحاث لم يجرؤ على تحدي طريقة تشغيل مروان غير المألوفة رغم الأسئلة التي كانت تتراكم بوضوح من القضية، وهو أمر يصرخ في الوجوه. وكان لدى الجميع أيضًا تلك النزعة الإسرائيلية الفوقية: فكيف يعقل أن يتمكن هؤلاء المصريون من صياغة خداع متقن كهذا، ويخدعون إمبراطورية استخباراتنا؟

حجم المواد التي جُمعت هائل، وسنعرض في الصفحات التالية أبرز ما فيها فقط. وقد حرصنا على الاستناد حصريًا إلى مواد استخباراتية إسرائيلية. كانت هناك منشورات عديدة ومختلفة في العالم العربي بشأن "الملاك" وخداعه، لكن لا يمكن إثبات مصدرها أو التأكد من أنها ليست مفبركة بعد الحدث. وهناك تأكيد آخر مهم: في هذه القضية لا يوجد "مسدس دخان" واحد. ليس هناك مثلًا وثيقة سرية أصلية من الاستخبارات المصرية تثبت أن "الملاك" كان مزروعًا من القاهرة لخداع إسرائيل. لكن، قطعة تلو الأخرى، عندما ننظر إلى كل تفاصيل قصة تشغيل أشرف مروان المدهشة – كما ستُروى في الصفحات التالية، متضمنة اكتشافات عديدة تُنشر لأول مرة هنا – يصعب ألا نصل إلى الاستنتاج أن "ملاك" الموساد كان رأس الحربة في عملية خداع مصرية متقنة.

وللأسف، لقد نجح.

لقراءة المقال كامل اضغط هنا 

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025