بعد استهداف ترامب لتأشيرات الـ H-1B، هل تستطيع الهند استعادة عمالتها الماهرة؟

يؤكد قادة الهند أن الرسوم الجديدة البالغة 100 ألف دولار للحصول على تأشيرات الـ H-1B قد تشكل فرصة ذهبية للصناعة المحلية، فيما يرى آخرون أن البلاد ستواجه صعوبة في استيعاب المزيد من الكفاءات الماهرة.


بقلم كارشما ماهروترا وسوبريا كومار – الواشنطن بوست

نيودلهي — إن قرار الرئيس دونالد ترامب فرض رسم قدره 100 ألف دولار على طلبات الحصول على تأشيرة الـ H-1B الجديدة، لم يوجه ضربة إضافية للعلاقات الأميركية–الهندية المتدهورة فحسب، بل أعاد أيضًا إحياء جدل قديم في الهند حول آثار هجرة العقول ومستقبل الاقتصاد الوطني.

سارع القادة ورجال الأعمال الهنود إلى القول إن هذا التحول في السياسات — والذي يُنظر إليه باعتباره إغلاقًا فعليًا لمسار التأشيرات أمام الغالبية الساحقة من المتقدمين — قد يشكل فرصة للاحتفاظ بالمزيد من الكفاءات عالية المهارة داخل البلاد.

لكن محللين يرون أن الهند تفتقر إلى البنية التحتية القادرة على استيعاب هذه الطاقات، ما يعني أن العديد من المهنيين سيواصلون اعتبار الهجرة المسار الأكثر واقعية. في المقابل، سارعت دول مثل كندا وبريطانيا والصين، وغيرها، إلى إظهار انفتاحها على استقطاب العمالة الماهرة من الهند، وهو ما قد يقود إلى إعادة رسم خريطة تدفقات الكفاءات العالمية.

قالت أشويني ديشباندي، رئيسة قسم الاقتصاد في جامعة أشوكا: "هؤلاء الذين يفكرون في مغادرة الهند قد يبقون فقط لغياب البدائل. لكن إذا كانت الهند تريد الاستفادة فعلياً من خبراتهم، فعليها أن تطوّر البيئة الحاضنة اللازمة لذلك."

الإعلان المفاجئ الصادر عن البيت الأبيض يوم الجمعة أثار حالة من الارتباك والذعر بين حاملي تأشيرات الـ H-1B في الولايات المتحدة. فبعدما وصف وزير التجارة، هوارد لوتنيك، الرسوم بأنها سنوية، سارعت الشركات إلى إصدار تعميمات تطالب موظفيها بالعودة فورًا من الخارج.

مهندس برمجيات هندي مقيم في نيويورك ويحمل تأشيرة عمل من فئة H-1B كان يقضي عطلته في البرتغال عندما تلقى اتصالاً من صديق يخبره بالخبر. وعلى الفور، قرر الرجل البالغ من العمر 34 عاماً العودة في أول رحلة جوية إلى نيويورك، رغم أن ثمن التذكرة تجاوز 5 آلاف دولار. وقال، مشترطاً عدم الكشف عن هويته خوفاً على وضعه القانوني: "أفضل أن أكون في أمان بدلاً من الندم لاحقاً."

وبينما كانت طائرته تقترب من نيويورك، أوضحت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت عبر منصة X أن مبلغ الـ100 ألف دولار سيكون رسماً لمرة واحدة فقط، وسيُفرض على الطلبات الجديدة حصراً. وكانت تكلفة هذه التأشيرات تتراوح سابقاً بين 2000 و5000 دولار، وتُمنح عبر نظام القرعة. وفي السياق ذاته، نشر وزارة العمل الأميركية عبر المنصة نفسها أن المبادرة، التي أطلق عليها اسم "مشروع الجدار الناري – Project Firewall"، تهدف إلى "ضمان أن تذهب الوظائف عالية المهارة إلى الأميركيين أولاً."

مع أنّ تأشيرته من المفترض ألا تتأثر بالسياسة الجديدة، إلا أن المهندس يخشى أن تتغير القواعد في أي لحظة. يشعر بالتردد إزاء زيارة عائلته في الهند، ويبحث مع زوجته خيار العودة النهائية. وقال: "إذا وصل الأمر إلى درجة لم يعد البقاء هنا مجديًا اقتصاديًا، فلا أرى أننا سنستمر لفترة أطول."

وجاء الإعلان مفاجئًا لنيودلهي، في وقت بدا فيه أن التوترات الدبلوماسية حول النفط الروسي بدأت بالانحسار. فقبل أيام قليلة فقط، كان ممثلون أميركيون قد زاروا الهند لإحياء المفاوضات بشأن اتفاق تجاري متعثر. كما اتصل ترامب برئيس الوزراء ناريندرا مودي الأسبوع الماضي لتهنئته بعيد ميلاده وشكره على دعمه في إنهاء الحرب في أوكرانيا.

ويرى كثيرون في الهند أن خطوة التأشيرات ليست سوى ورقة ضغط في المفاوضات التجارية الممتدة منذ سنوات، حيث تدفع الولايات المتحدة باتجاه فتح الاقتصاد الهندي المحمي بشدة أمام السلع الأميركية. ففي مطلع الشهر الماضي، فرض ترامب رسوماً جمركية بنسبة 25% على الهند، ثم سرعان ما رفعها إلى 50% بحجة استمرار نيودلهي في شراء النفط من موسكو.

استهداف ترامب لبرنامج تأشيرات الـH-1B، الذي أقرّه الرئيس جورج بوش الأب عام 1990، ستكون له تداعيات بعيدة المدى — سواء على الهنود أو على كبريات الشركات الأميركية التي باتت تعتمد عليهم بشكل متزايد. فبحسب دائرة خدمات الهجرة والجنسية الأميركية، كان هناك في عام 2024 أكثر من 280 ألف حامل هندي لتأشيرة H-1B في الولايات المتحدة، أي ما يقارب ثلثي إجمالي المستفيدين. وتأتي شركات مثل أمازون، ومايكروسوفت، وميتا، وآبل ضمن أبرز المشغّلين لهذه الكفاءات.

على مدى العقود الثلاثة الماضية، أسهمت هذه التأشيرة، القابلة للتجديد كل ثلاث سنوات للمتخصصين وأصحاب المهارات العالية، في دفع عجلة التوسع في قطاع التكنولوجيا الأميركي، وأعادت رسم المسار المهني لملايين العمال الهنود. وقد اختار كثير من الطلاب الالتحاق بالدراسات العليا في الجامعات الأميركية لتعزيز فرصهم في الحصول على تأشيرة H-1B، التي قد تفتح الطريق نحو البطاقة الخضراء الأميركية.

وحذرت الحكومة الهندية يوم السبت من “التداعيات الإنسانية” لهذه الخطوة، مشيرة إلى الضغوط التي قد تفرضها على العائلات الممزقة عبر الحدود، وداعية السلطات الأميركية إلى معالجة تلك “الاضطرابات.”

أما أحزاب المعارضة، فقد استغلت اللحظة لتأكيد أن صداقة مودي مع ترامب لم تحقق مكاسب ملموسة للهند. وكتب مالليكارجون خارغي، رئيس حزب المؤتمر المعارض، على منصة X: “العناق، الشعارات الجوفاء، الحفلات، وحشد الناس للهتاف باسم مودي ليست سياسة خارجية!”

في ولاية تيلانغانا جنوبي الهند، حيث يشكّل الساعون للحصول على تأشيرات H-1B كتلة انتخابية مؤثرة، طالب قادة محليون حكومة نيودلهي بانتهاج موقف أكثر صرامة تجاه واشنطن. وقال رئيس وزراء الولاية، ريفانت ريدي، عبر وسائل التواصل الاجتماعي: "المعاناة التي سيواجههاتقنيو تيلانغانا ستكون لا تُتصور."

تشكل شركات التكنولوجيا الهندية العملاقة العمود الفقري لصناعة خدمات تقدر بـ250 مليار دولار، تقدم أعمالاً تقنية خارجية لعملاء أجانب. غير أن هذه الشركات توظف أيضًا على نطاق واسع داخل الولايات المتحدة، ويعمل العديد من موظفيها الهنود عبر تأشيرات H-1B. وقد شهدت كبريات الشركات المحورية في نموذج التصدير، مثل تاتا للخدمات الاستشارية وويبرووإنفوسيس، هبوطًا في أسعار أسهمها هذا الأسبوع.

وبحسب بيانات اتحاد صناعة تكنولوجيا المعلومات "ناسّكوم"، فإن أكثر من 62% من صادرات الخدمات التقنية تتجه إلى الولايات المتحدة. وفي هذا السياق، أشار براسانتو روي، المستشار المقيم في دلهي والخبير في شؤون شركات التكنولوجيا الأميركية، إلى أن على شركات البرمجيات الهندية أن تعطي أولوية أكبر لتنويع قاعدة عملائها.

على منصة X، استخدم بعض الهنود الوسم #BrainGain للدعوة إلى إعادة الكفاءات لبناء الصناعة المحلية، في حين رأى آخرون أنه يجب أن يجبر البلاد على مواجهة الحقائق الصعبة.

وقال أتال أغاروال، الذي سبق أن حمل تأشيرة H-1B ويملك الآن شركة تساعد الهنود في إيجاد وظائف تقنية في الخارج: «يجب على المهاجرين الهنود أولاً تقبل حقيقة أن الاستياء والغيرة في الولايات المتحدة تجاههم من المحتمل أن تتزايد مع نجاح المهاجرين الهنود في أمريكا».

قال بييوش جويل، وزير التجارة والصناعة الهندي، في حدث بنيو دلهي بعد ساعات من إعلان ترامب:
"يمكن لمواهبنا القدوم إلى الهند والابتكار هنا، والتصميم هنا. لذلك نحن الرابحون مهما كانت الظروف."

وأشار أرناف جوهبتا، الذي يدير شركة ذكاء اصطناعي في الهند، إلى أنه سئم من مشاهدة "أفضل مهندسينا يغادرون بحثًا عن مزايا وادي السيليكون". وأضاف: "كرائد أعمال، أشعر بسعادة خفية لأن هذا قد يعني عدم خسارة مطوري النجوم لدينا بعد الآن."

لكن بعض المهنيين الهنود الذين نقلوا مواهبهم إلى الولايات المتحدة أكدوا أن الفرص المماثلة ببساطة غير متوفرة في الهند. وقال شيفام بهاردواج، مهندس حاصل على تأشيرة H-1B في سان خوسيه: "في الهند كلها، لا أحد يعمل في نوعية مشاريع الروبوتات التي أعمل بها هنا."

في عام 2014، حاول تأسيس شركة في الهند لكنه فشل. وقال الشاب البالغ من العمر 31 عامًا: "لا توجد سهولة في ممارسة الأعمال"، مشيرًا إلى التحديات القانونية والبيروقراطية في البلاد. وبعد تخرجه من كلية في نيو دلهي، واتباعًا لنصيحة زملائه، أخذ قرضًا وأكمل درجة الماجستير في الروبوتات بجامعة نيويورك عام 2019.

وخلص بهاردواج إلى القول: "الأسباب التي جعلتنا نغادر الهند ما زالت قائمة"، مضيفًا أنه سيكون أسرع إلى التفكير في سنغافورة بدلًا من وطنه لمواصلة مسيرته المهنية. وأوضح أن مستقبل الشباب الهنود الآخرين الذين كانوا يأملون السير على خطاه "مهدد".

قال أغاروال إن الدول التي تتمتع بمستوى معيشي مشابه للولايات المتحدة — مثل كندا والدول الأوروبية — بدأت تفتح أبوابها، كما هو الحال في الصين التي أعلنت مؤخراً عن تأشيرة جديدة للشباب العاملين في مجالات العلوم والتكنولوجيا.

وأضاف أغاروال: "الصين تضع نفسها كبديل رئيسي."

وقد تستجيب الشركات الأميركية من خلال زيادة استثماراتها في ما يُعرف بمراكز القدرات العالمية في الهند — وهي مراكز خارجية تتولى مهام التصميم المتقدم وتحليل البيانات والبحوث للشركات متعددة الجنسيات، وفقًا لما ذكره روي.

لكنه حذر من أن ذلك لن يؤدي فجأة إلى "نشوء وادي السيليكون في الهند". وقال: "هناك حاجة إلى الكثير لتطوير النظام البيئي والبنية التحتية في الهند."


رابط المقال: https://www.washingtonpost.com/world/2025/09/24/india-h1b-visas-fee-skilled-workers/




جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025