وسائل الإعلام والانجازات الوهمية

الكاتب: البروفيسور موشيه كوهين إليا
المصدر: قناة 14 | C14

طمس الإنجازات: هكذا تُضعف وسائل الإعلام في إسرائيل الصمود الوطني

بعد ما يقارب السنتين من 7 أكتوبر، تقف إسرائيل على أعتاب إنهاء أطول حرب في تاريخها – مع إنجازات استراتيجية، وصمود مدني استثنائي، وردع أعدائها • وفي الوقت نفسه، جزء من الإعلام يزرع رواية ديمورالية (إحباط) تحاول تقويض القيادة • فهل الصبر الاستراتيجي والصمود الوطني سينتصران على "هندسة الوعي"؟

بعد ما يقارب السنتين من الحرب، إسرائيل تقترب من إنهاء أطول حرب في تاريخها (مع التحفظ من حرب الاستنزاف بمعناها الواسع). بعد الضربة القاسية في  السابع من أكتوبر، قامت إسرائيل من الصدمة، وأظهرت روح قتال وقدرة صمود استثنائية، وقادت معركة متعددة الجبهات أوقفت وردعت أعداءها في الشمال والجنوب، أسقطت المحور الشيعي الذي أغلق علينا كماشة، ووضعت شروط افتتاحية أفضل لتسوية الجبهة الغزّية.

لإدارة حرب طويلة بعد صدمة عميقة كهذه، يُطلب صمود أخلاقي وجماعي استثنائي. هذا الصمود معناه موافقة وطنية على التضحية، صبر استراتيجي، وقدرة على تحمّل أثمان في الحاضر لضمان أمن للأجيال. النصر ليس غاية لغوية، بل هو شرط لحيّز حياة آمن في العقود القادمة.
الإعلام كعامل ضعف
في الوقت الذي يُطلب فيه صمود، بعض آليات الوساطة العامة، وعلى رأسها ساحات إعلامية مركزية، تضعف المرة تلو الأخرى القدرة على الصمود. ليس لأنها تنتقد؛ فالنقد ضروري. بل لأن النقد، كما يُقدَّم للجمهور، يعاني في كثير من الأحيان من فقدان التناسب، وانتقائية في الحقائق، وانحياز سياسي واضح هدفه إسقاط رئيس الحكومة في زمن حرب. الأمر بارز في القنوات 12-13، وفي "يديعوت أحرونوت"، ynet، و"هآرتس".

الدافع ليس أيديولوجيًا فقط؛ بل أيضًا سوسيولوجيًا: قلق من ترسخ مجموعات اجتماعية مرتبطة باليمين وتهدد الهيمنة القديمة. داخل هذا الصراع، تصبح الديمورالية – أي القراءة التفسيرية للواقع التي تُبرز الجمود، الفشل، والعجز – أداة.
أمثلة تاريخية

في التاريخ هناك أمثلة قليلة على توجيه إعلامي منهجي يزعزع الإرادة القتالية من الداخل. في عام 1917، أطلق البلاشفة حملة "سلام، أرض، وخبز" التي عمّقت التعب في روسيا، قوّضت الانضباط العسكري، ومهّدت للخروج من الحرب بثمن تنازلات ثقيلة. في إسرائيل نفسها، خلال حرب لبنان الأولى، شاهدنا احتجاجًا اقترب حتى عتبة بيت رئيس الحكومة ونجح في تآكل صموده؛ هذه تذكرة بقوة الحيّز العام في تحريف البوصلة الوطنية.
الفرق بين النقد والتحريض

لا يعني ذلك أن الإعلام يجب أن يكون مُجنَّدًا. لكن هناك فرق بين نقد مهني – يقيس إنجازات مقابل أهداف، يربط بين التكتيك والاستراتيجية، ويميز بين ضوضاء الخلفية والاتجاهات – وبين تفسير يسعى وراء عنوان تشاؤمي بأي ثمن. عندما يصرّ محللون دائمون، مثل عاموس يادلين، إسرائيل زيف وآخرين، مرارًا وتكرارًا على سيناريوهات فشل لا تتحقق، ومع ذلك يُدعون باستمرار، يُخلق وهم "إجماع الخبراء" الذي يُذكي الديمورالية. ولا يقل عن ذلك تأثير تفسيرات شخصيات وُصفت بأنها بائسة مثل بن كسبيت أو باراك سَري، حيث إن موقفهم الكاره لرئيس الحكومة كليّ إلى درجة ينفصل أحيانًا عن المعطيات التجريبية وتطور الأحداث على الأرض.

صمود المجتمع الإسرائيلي

في المقابل، الحرب الحالية كشفت أيضًا عن رصيد مدني عظيم: روح صمود المجتمع الإسرائيلي. تجنيد قوات الاحتياط، صمود بلدات الحدود، المساهمة المدنية والمتطوعون. كل هذه تُظهر عمودًا فقريًا وطنيًا لا يخضع لتحرير نشرات الأخبار. هذه بالذات هي السبب في أن هندسة وعي الهزيمة لن تنجح: لأن التجربة الواقعية للجمهور (في المعركة، في الجبهة الداخلية، وفي الحياة اليومية) أقوى من السرد الذي يُراد فرضه عليه.

كلمة أخيرة عن القيادة

إدارة حرب متعددة الجبهات تتطلب رباطة جأش، تراتبية أهداف، وأولوية غير شعبية أحيانًا. رئيس الحكومة يقود معركة معقدة تحت نار سياسية وجماهيرية، ويستمر بالثبات على خط استراتيجي حتى عندما يحاول جزء من المنظومة الإعلامية حرف الدفّة. إذا حافظنا على الصبر الاستراتيجي، وأكملنا الحسم في الساحة الغزّية، ورسمنا جدولًا إقليميًا يُوسع الردع والتعاونات، سنستطيع الوصول إلى إنهاء مناسب للحرب وضمان أفق آمن لأطفالنا في الأرض الموعودة.
البروفيسور موشيه كوهين إليا
أستاذ في القانون الدستوري. شغل منصب عميد كلية الحقوق في المركز الأكاديمي للقانون والأعمال ولاحقًا رئيس المؤسسة. يشغل منصب مُحلل في برنامج "الوطنيون" منذ عام 2023.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025