قراءه في مقال "الشاباك بين الظلال" توظيف الجريمة لصالح السياسة: عسكرة الداخل الفلسطيني وتحويل المواطن إلى "ملف أمني"
الأمن قبل الديمقراطية..
في الوقت الذي ما تزال فيه آثار حرب غزة تلقي بظلالها الثقيلة على المشهد الإسرائيلي، تتجه حكومة الاحتلال نحو توسيع نفوذ الأجهزة الأمنية داخل حدودها. آخر هذه الخطوات جاء عبر مشروع بن غفير، الذي يسعى إلى منح جهاز “الشاباك” صلاحيات جديدة لملاحقة ما يُسمى بـ “المنظمات الإجرامية”، من خلال تصنيفها كـ “منظمات إرهابية”.
ورغم أن المشروع يُقدَّم كخطة لحماية “المجتمع الإسرائيلي”، إلا أنّ جوهره الحقيقي يكشف عن تحول خطير في طبيعة الحكم داخل الكيان — من دولة تُقدّم نفسها كديمقراطية، إلى كيان أمني شمولي يحكمه الخوف والمراقبة. أولًا: الشاباك يدخل الحيّز المدني
بموجب المبادرة، يمكن لوزير الأمن القومي، بموافقة وزير الحرب، أن يعلن أي مجموعة إجرامية “تنظيمًا إرهابيًا”، ما يعني إشراك الشاباك في عمل الشرطة المدنية، واستخدام أدواته التكنولوجية والاستخباراتية في مراقبة "المواطنين" الإسرائيليين، وخاصة العرب.
هذا الدمج بين الأمن القومي والشرطة يُعدّ سابقة خطيرة، لأنّه يقوّض الحدود بين “العدو الخارجي” و“المواطن الداخلي”، ويحوّل المجتمع العربي إلى مساحة مفتوحة أمام الملاحقة والاشتباه الدائم.
الكاتب في “يديعوت أحرونوت” يحذّر من أن هذا القرار يشكّل منعطفًا سلطويًا، إذ يشبه ما يجري في الأنظمة غير الديمقراطية التي تُخضع المجتمع لرقابة أمنية شاملة تحت شعار “محاربة الجريمة”.
ثانيًا: المجتمع العربي الهدف الحقيقي
تتزامن هذه المبادرة مع فشل بن غفير في كبح العنف والجريمة في المجتمع العربي، الذي يواجه منذ سنوات تواطؤًا رسميًا وتقصيرًا متعمّدًا من أجهزة الدولة.
وبدل معالجة الأسباب الاجتماعية والسياسية للجريمة — من التهميش، والبطالة، والإقصاء المؤسسي — يسعى الوزير اليميني إلى تحويل القضية إلى ملف أمني خالص، بما يبرّر توغل الشاباك في حياة الفلسطينيين داخل الخط الأخضر.
بهذا المعنى، فإنّ المشروع لا يُعالج الجريمة، بل يُجرّم المجتمع نفسه، ويعيد إنتاج فكرة “العربي كتهديد” التي شكّلت جوهر العقيدة الأمنية الصهيونية منذ عام 1948.
ثالثًا: انزلاق نحو الدولة البوليسية
يشير المقال إلى أن التجارب السابقة تُظهر أن ما يبدأ كإجراء مؤقت سرعان ما يتحول إلى سياسة دائمة.
ومتى حصل الشاباك على صلاحيات داخلية، فإنّ منحدر المراقبة يصبح بلا نهاية.
فالحدود بين ما هو أمني وما هو مدني تُمحى تدريجيًا، وتصبح الخصوصية والحقوق الفردية خاضعة لمنطق “الأمن أولًا”.
الخشية الكبرى أن يمتد هذا النهج ليطال الأن يمتد هذا النهج ليطال الحريات السياسية، فيُستخدم الشاباك لمراقبة الناشطين والقيادات العربية، تمهيدًا لإعادة هندسة المجال السياسي داخل إسرائيل بما يخدم اليمين القومي والديني المتطرف.خاتمة: رفض وطني لعسكرة الداخل الفلسطيني
المبادرة الجديدة ليست مجرد قانون، بل جزء من مشروع السيطرة على الوعي والهوية الفلسطينية داخل الخط الأخضر.
فهي تسعى إلى إعادة تعريف الفلسطيني كمصدر تهديد دائم، وتطبيع حضوره تحت المراقبة، ليصبح الأمن هو اللغة الوحيدة التي تُدار بها العلاقة بين الدولة ومواطنيها العرب.
من هنا، فإنّ الردّ المطلوب يجب أن يكون وطنيًا ومنظمًا — عبر تصعيد المواجهة السياسية والقانونية ضد هذا المسار، وتعزيز الدور الشعبي والإعلامي في فضح الطابع العنصري لهذا المشروع.
كما تقع على عاتق القوى الفلسطينية في الداخل، ومعها المؤسسات الحقوقية، مهمة الدفاع عن الحق في الحياة الطبيعية والكرامة الإنسانية، ورفض تحويل المدن والبلدات العربية إلى مختبرات أمنية لتجارب الشاباك.
إنّ مواجهة هذه السياسة ليست دفاعًا عن “حقوق مدنية” فحسب، بل صراع على الوجود والهوية والوعي — صراع على أن يبقى الفلسطيني إنسانًا في وطنه، لا “ملفًا أمنيًا” في نظام الاحتلال.