هآرتس تكشف انهيار صامت في صفوف "الجيش" : انتحار ضباط ووحدات نفسية عاجزة عن المواجهة
هآرتس

كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية عن انتحار ضابط رفيع يُعد من أقدم مشغّلي الطائرات المسيّرة في الجيش الإسرائيلي، في حادثة وُصفت بأنها واحدة من أكثر القضايا حساسية داخل المؤسسة العسكرية منذ اندلاع الحرب على غزة قبل أكثر من عام. وقالت الصحيفة، إن الضابط المنتحر كان يعمل في وحدة تشغيل الدرونز، وهي من الوحدات المحورية في العمليات القتالية داخل قطاع غزة، إذ تعتمد عليها إسرائيل في تنفيذ عمليات الاستطلاع والهجمات الموجهة. وأضافت أن الضابط عبّر قبل أسابيع من وفاته عن استيائه العميق من استمرار الحرب، وقال لزملائه إن "هذه الحرب يجب أن تنتهي، لأنها ستترك تبعات لا نفهمها بعد"، في إشارة إلى آثار نفسية وأخلاقية لم تُدرك المؤسسة العسكرية مداها بعد. ورغم مرور أشهر على الحادثة، ما تزال الرقابة العسكرية الإسرائيلية تفرض حظرًا صارمًا على نشر اسم الضابط ورتبته ووحدته، وهو ما يعكس – بحسب مراقبين – القلق المتزايد داخل المؤسسة العسكرية من تأثير تلك الحوادث على المعنويات العامة، خصوصًا في ظل ازدياد التقارير عن تدهور الصحة النفسية في صفوف الجنود والضباط. انتحارات مقلقة حادثة الضابط ليست معزولة، بل تأتي ضمن سلسلة متصاعدة من حالات الانتحار في صفوف الجيش الإسرائيلي منذ اندلاع الحرب على غزة. فبحسب تقارير عبرية نُشرت في مواقع هآرتس وتايمز أوف إسرائيل وإسرائيل هيوم، فإن ما لا يقل عن 28 جنديًا وضابطًا أقدموا على الانتحار أو توفوا في ظروف وُصفت بأنها "مرتبطة بالضغوط النفسية" خلال العامين الأخيرين، فيما تم تسجيل نحو 279 محاولة انتحار بين الجنود خلال الفترة الممتدة من يناير/كانون الثاني 2024 إلى يوليو/تموز 2025. وتؤكد تقارير نفسية إسرائيلية أن الجنود العائدين من القتال في غزة يعانون مستويات مرتفعة من اضطرابات ما بعد الصدمة (PTSD)، وأن عدد المترددين على العيادات النفسية العسكرية تضاعف منذ نهاية عام 2023. وقال أحد الضباط السابقين لصحيفة يديعوت أحرونوت إن "الجنود لم يعودوا قادرين على استيعاب ما رأوه في غزة، والجيش يتجنب مواجهة الأزمة الحقيقية خوفًا من انهيار الثقة الداخلية". ووفقًا لتحليلات أمنية إسرائيلية، فإن العاملين في وحدات الطائرات المسيّرة يتعرضون لضغوط نفسية مضاعفة، لأنهم يشاهدون تفاصيل الهجمات عن قرب عبر شاشات البث المباشر، ويتابعون لحظة سقوط الصواريخ على أهداف بشرية. وتشير الدراسات النفسية العسكرية الإسرائيلية إلى أن هذا النمط من الحرب "عن بعد" يولّد نوعًا جديدًا من الصدمة يُعرف بـ "صدمة القتل الصامت"، إذ يعيش المقاتل بين عالمين: عالمٍ واقعي بعيد عن الخطر، وآخر افتراضي غارق في مشاهد الموت. ويقول مختصون إن هذه الحالات أدت إلى تزايد الانعزال والاكتئاب بين مشغّلي المسيّرات والمراقبين في وحدات الاستخبارات، وهو ما يفسر – بحسبهم – تكرار حالات الانتحار في تلك الدوائر المغلقة. اعتراف متأخر الجيش الإسرائيلي أعلن خلال الأشهر الماضية عن توسيع برامج الدعم النفسي وإنشاء خطوط ساخنة للعلاج السريع، لكنه في الوقت ذاته يواصل التعتيم على الأرقام الحقيقية. ففي حين تتحدث القيادة عن "عدد محدود من الحوادث الفردية"، تشير الصحافة العبرية إلى أن المؤسسة العسكرية تخشى من تحول الظاهرة إلى أزمة ثقة داخلية قد تنعكس على الجبهة القتالية. وتؤكد "هآرتس" أن الرقابة العسكرية تستخدم أوامر حظر نشر صارمة لمنع تداول تفاصيل الانتحارات، بزعم "حماية الأمن القومي" ومنع "الإضرار بالمعنويات"، إلا أن هذا التعتيم – بحسب محللين – لا يخفي الانهيار النفسي المتنامي في صفوف الجيش بعد أشهر طويلة من الحرب المستمرة.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025