قناة ماش
في خطوة دبلوماسية غير مسبوقة، أجرى الرئيس الصيني شي جين بينغ اتصالًا هاتفيًا مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب — في ما يُعتبر حدثًا نادرًا جدًا في العلاقات بين واشنطن وبكين. وبحسب مصادر في بكين نقلتها صحيفة وول ستريت جورنال، فقد اختار شي الاتصال بترامب في هذا التوقيت تحديدًا، على خلفية تصاعد التوتر بين الصين واليابان حول قضية تايوان، ورغبته في التأثير مباشرة في موقف ترامب من هذا الملف الحساس.
وفقًا للتقرير، ركّز شي منذ بداية المكالمة على موضوع تايوان، مؤكدًا أن “عودة تايوان إلى الصين هي جزء مهم من النظام الدولي ما بعد الحرب العالمية الثانية”، ومذكّرًا بأن الصين والولايات المتحدة “قاتلتا معًا ضد الفاشية والعسكرة”، وبالتالي يجب عليهما الحفاظ على تلك الإنجازات. وقد صيغت رسالة شي بهدف تقديم مطلب الصين بالوحدة مع تايوان ليس كقضية داخلية فحسب، بل كقضية راسخة في التاريخ الدولي ومشتركة مع الولايات المتحدة نفسها.
أما ترامب، فحاول نقل مركز ثقل الحديث نحو أوكرانيا، في ظل التقدّم في الجهود لإنجاز خطة السلام التي يعمل عليها البيت الأبيض، والتي أصبحت — بحسب تقارير — الهدف الأول لسياسة ترامب الخارجية. ومن الملاحظ أن ترامب في بياناته على شبكات التواصل لم يذكر قضية تايوان ولا الأزمة المتصاعدة بين بكين وطوكيو، الأمر الذي أثار قلقًا لدى بعض حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، خشية أن ترامب لا يمنح هذه القضية ما يكفي من الاهتمام.
وعلى الرغم من إعلان وزارة الخارجية الصينية أن واشنطن هي من بادرت بالاتصال، فإن مصادر مطلعة على التفاصيل أكدت أن المبادرة جاءت من شي نفسه. وتشير تلك المصادر إلى أن الرئيس الصيني يرى الآن فرصة للتأثير في تشكيل موقف ترامب تجاه تايوان، خاصة وأن ترامب يتجنب إطلاق تصريحات واضحة حول التدخل العسكري المحتمل في حال حدوث غزو صيني.
كما أفيد بأن شي اختار عدم إثارة موضوع تايوان خلال لقائه مع ترامب قبل بضعة أسابيع في كوريا الجنوبية، لأنه فضّل عدم تناول قضية حساسة “على أرض دولة ثالثة”، ولأن جدول أعمال الاجتماع — الذي استمر 90 دقيقة — كان مزدحمًا مسبقًا. وبدلاً من ذلك، يخطط شي لطرح الملف بشكل موسّع أمام ترامب خلال زيارة الرئيس الأميركي المرتقبة لبكين في شهر أبريل.
تميزت المكالمة بأنها جاءت بمبادرة صينية — حدث نادر للغاية. ففي الواقع، كانت المرة الأخيرة التي بادر فيها زعيم صيني بالاتصال برئيس أميركي بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، وحتى في تلك الحالة، فإن الرواية الرسمية نسبت الطلب إلى الجانب الأميركي. بخلاف هاتين المناسبتين، لا تُذكر حالات خلال العقود الأخيرة بادر فيها رئيس الصين إلى الاتصال بنظيره الأميركي. هذا التطور يسلّط الضوء على حجم الجدية والمبادرة لدى شي فيما يتعلق بقضية تايوان.
رئيس تايوان: الصين تعزز استعداداتها العسكرية للغزو
بموازاة التطورات الدبلوماسية، تؤكد تايوان أنها تستعد لسيناريوهات مواجهة الصين. وقد أعلن رئيس تايوان، لاي تشينغ-ته، عن ميزانية دفاع تكميلية تبلغ حوالي 40 مليار دولار، لتأكيد عزم الجزيرة على حماية نفسها في ظل ازدياد الضغوط العسكرية والسياسية من بكين. وقال: “لا مجال للتسوية في الأمن القومي”، محذرًا من أن التجارب التاريخية تُظهر أن التسويات مع العدوان تنتهي بـ“الاستعباد”.
وستركز الميزانية الجديدة على الصواريخ والطائرات المسيّرة ومنظومات الدفاع الجوي الحديثة، في إطار استراتيجية تايوان لبناء قدرات قتال غير متناظرة تمكّنها من مواجهة التفوق العسكري الكبير للصين.
وأشار لاي إلى أن “الصين تريد تحويل تايوان الديمقراطية إلى تايوان تابعة للصين”، مؤكدًا أن بكين كثفت بشكل كبير استعداداتها العسكرية ضد الجزيرة. كما قال إن الصين زادت مؤخرًا من جهود التأثير والتدخل والنشاط العسكري حول تايوان.
وتواجه الحكومة في الجزيرة كذلك ضغوطًا سياسية داخلية، إذ لم تسارع المعارضة إلى دعم الميزانية، لكنها لم تعلن نيتها إسقاطها. وفي الوقت نفسه، شدّد الرئيس لاي على أن العلاقات مع الولايات المتحدة ما تزال “صلبة كالصخر”، وذكر أن ترامب صرّح مؤخرًا بأن “تايوان هي تايوان”، وأنه يحترمها.