اليوم الذي يلي أميركا: انتخاب مَمداني إشارة تحذير لإسرائيل

القناة 14

ميخا آڤني 


ترجمة: حضارات

انتخاب زهران مَمداني في نيويورك ليس حدثًا محليًا عابرًا، بل إشارة تحذير واضحة: التحالف مع الولايات المتحدة ليس مضمونًا إلى الأبد. في ظل واقع متغير، على "إسرائيل" أن تسعى بشكل عاجل إلى استقلال كامل — في الأمن، والتسليح، والسايبر، والغذاء. يجب ألا نعتمد على رحمة الآخرين؛ بل علينا بناء القوة للقتال والبقاء بمفردنا، لضمان ألا نكون يومًا بلا حماية مرة أخرى.

العالم يتغير أمام أعيننا. التحالفات تتزعزع، والمسلمات تتلاشى، ومن لا يبني قوته يبقى وحيدًا. انتخاب زهران مَمداني في نيويورك ليس مجرد حدث سياسي محلي. مَمداني ناشط شيوعي وداعم معلن لمنظمات معادية، شخصية متطرفة تمثل ظاهرة متنامية من تسلل أيديولوجيات معادية للسامية ومعادية للغرب إلى قلب السياسة الأميركية. إنها إشارة تحذير تاريخية، تذكّرنا بمدى تغيّر العالم، وحتى الحليف الأهم "لإسرائيل"، الولايات المتحدة، ليس محصّنًا من انهيار القيم التي جمعت بيننا لأجيال.

لا أدّعي أن الولايات المتحدة تسير نحو عداوة مؤكدة "لإسرائيل"، لكن هناك احتمال واقعي أن يحدث ذلك في المستقبل غير البعيد. تخيّلوا رئيسًا في البيت الأبيض، أو أغلبية في الكونغرس ومجلس الشيوخ، يحملون رؤية عالمية مشابهة لمَمداني أو تاكر كارلسون — رؤية قد ترى في "إسرائيل" عبئًا لا مكسبًا، وربما حتى خصمًا. في وضع كهذا، عند لحظة طوارئ عسكرية أو سياسية، قد تتردد أميركا في مد يد العون لنا. قد لا تزودنا بالذخيرة، وقد تتخذ موقفًا سياسيًا باردًا أو معاديًا — ليس بدافع الكراهية بالضرورة، بل نتيجة تغيير جيل وتغيير ثقافي عميق.

السياسة الحكيمة لا تُبنى على الأمل، بل على الاستعداد

ولذلك، على "إسرائيل" أن تبدأ بالاستعداد بشكل جذري نحو استقلال كامل: عسكري بلا مساعدة، تقني، صناعي وغذائي. ليست سياسة انعزال، بل قدرة على الوقوف بقوتنا، والقتال وحدنا إذا لزم الأمر، لضمان أن نبقى أحرارًا. ليس لقطع التحالف مع الولايات المتحدة، بل لضمان أننا إن تغيّر، سنستطيع الوقوف على أقدامنا. منذ أيام بن غوريون، المهمة العليا لدولة إسرائيل هي ضمان ألا نقف في أي جيل مرة أخرى بلا حماية.

أربعة خطوات مطلوبة

أولًا: تعزيز الردع الاستراتيجي.
توسيع البرنامج النووي، منظومة الغواصات، وتطوير الصواريخ بعيدة المدى والقدرات الهجومية والدفاعية المتقدمة. ليس بدافع الخوف، بل مسؤولية لحفظ أمن الأجيال القادمة.

ثانيًا: ثورة في السايبر والذكاء الاصطناعي الهجومي.
حروب المستقبل تُحسم أيضًا في الفضاء الرقمي. من يسيطر على المعلومات، يسيطر على الواقع. علينا امتلاك القدرة على تعطيل أنظمة أعدائنا كليًا وقت الحرب: الحوسبة، الاتصالات، المال، الكهرباء، المياه، والبنى التحتية — القدرة على شلّهم بالكامل.

ثالثًا: تصنيع أمني وتسليح مستقل.
يجب ألا نستمر في الاعتماد على دول أخرى لتزويدنا بالأسلحة والذخيرة وأنظمة الدفاع وقطع الغيار والمكوّنات الحيوية. على إسرائيل بناء قدرة كاملة على إنتاج كل ما تحتاجه للدفاع عن نفسها، في الحرب وفي الروتين. من يملك سلاحه يملك مصيره.

رابعًا: صمود اقتصادي واستقلال غذائي.
استقلال في إنتاج الطاقة والمياه والغذاء، إلى جانب مخزونات طوارئ طويلة المدى. شعب لا يستطيع إطعام نفسه، لا يستطيع حماية نفسه. وشعب لا يقف اقتصاديًا على قدميه، لن يصمد أمام عواصف دولية.

تحقيق استقلال كامل يتطلب جهدًا هائلًا وموارد غير مسبوقة. سيكون الأمر صعبًا ومكلفًا وغير مريح أحيانًا — لكن لا خيار آخر. فثمن عدم الاستعداد سيكون أعلى بكثير.

هذه ليست "تكلفة"، بل استثمار — بوليصة التأمين على حياة الدولة اليهودية. ليست "مسألة استراتيجية"، بل مسألة وجودية. وفي الوقت نفسه علينا الاستمرار في تنمية العلاقات مع أصدقائنا الحقيقيين، القادة والحركات في العالم الذين يشاركوننا قيم الحرية والإيمان والثقة بعدالة الطريق. قادة مثل دونالد ترامب أثبتوا أهمية تحالف قائم على القيم، لا على المصالح فقط. لكن حتى هذه التحالفات ليست أبدية.

اختبار الدولة ذات السيادة

اختبار الدولة ذات السيادة ليس فقط في الحفاظ على حلفائها، بل في قدرتها على الوقوف وحدها عند الحاجة — لا من باب الغرور، بل من باب المسؤولية والحذر والثقة بالنفس. دولة إسرائيل ليست مجرد دولة؛ إنها البيت الأبدي للشعب اليهودي — البيت الذي بُني بالدم والعرق والإيمان لضمان ألا نعود أبدًا شعبًا بلا حماية. إنها درع اليهود، الضمانة لعدم تكرار محرقة أخرى. إذا وقفنا مستقيمين، وعزّزنا قوتنا، وحافظنا على وحدتنا، سنمنع الكارثة المقبلة ونضمن مستقبل شعبنا لأجيال.

مزامير التوراة تذكّرنا بجوهر الوجود اليهودي: الوقوف بشجاعة أمام الخطر، الإيمان بعدالة الطريق، والثقة بأن النور سينتصر على الظلام. لأننا لا نعتمد على رحمة الآخرين، بل نعتمد على قوتنا، وعلى إيماننا، وعلى عدالة قضيتنا.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025