القوات الدولية في غزة بين الحماية والتدويل

مطاع الأدهمي

كاتب سياسي

المستخلص

يتناول هذا البحث الجدل الدائر حول فكرة نشر قوّة دولية في قطاع غزة في أعقاب الحرب الإسرائيلية الأخيرة 2023-2025، من خلال مقاربة مركّبة تجمع بين التحليل القانوني والسياسي والمجتمعي. ينطلق البحث من عرض الإطار النظري لقوات حفظ السلام في القانون الدولي المعاصر، وتحوّل أدوارها بعد الحرب الباردة، وما أثاره اتساع تفويضها من إشكاليات تتصل بالسيادة، والمساءلة القانونية، وشبه الوصاية على الأقاليم الخاضعة للاحتلال. ثم يربط ذلك بخصوصية السياق الغزّي، عبر استحضار تاريخ الحروب والحصارالإسرائيلي، وأثرهما في تشكيل مواقف المجتمع والفصائل الفلسطينية من أي وجود دولي مسلح، مع التركيز على مركزية حق تقرير المصير ومشروعية مقاومة الاحتلال في تقييم مشروعات (التدويل).

وعبر قراءة نقدية لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ذات العشرين بنداً والقرار الأممي المتبنّي لها الصادر في تشرين ثاني-نوفمبر 2025، يناقش البحث الإيجابيات النظرية المحدودة لفكرة القوة الدولية، في مقابل السلبيات البنيوية المرتبطة بطبيعة التفويض، وتقويض السيادة، وإعادة هندسة الحقل السياسي الفلسطيني. ويخلص إلى أن رفض فصائل المقاومة للصيغة المطروحة يمثل مراجعة سياسية في ضوء اتضاح كلفة الخطة، لا تناقضاً غير مبرر، وأن أي قوة دولية لا تُربط صراحة بإنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره تُعدّ امتداداً لمنطق الوصاية أكثر من كونها آلية لحماية المدنيين.

كلمات مفتاحية: قطاع غزة، القوات الدولية، قوات حفظ السلام، حق تقرير المصير، مشروعية المقاومة، خطة ترمب، السيادة الفلسطينية



مقدمة الدراسة

تمثّل الدعوة الأمريكية إلى نشر قوّات دولية في قطاع غزّة إحدى أكثر القضايا حساسية في النقاش حول اليوم التالي للحرب الإسرائيلية على غزة، في ضوء خطة ترامب ذات العشرين بنداً التي حوّلها مجلس الأمن إلى قرار ملزم يمنح قوّة استقرار دولية وهيئة انتقالية تفويضاً واسعاً في مجالات الأمن والإدارة وإعادة الإعمار. وتقضي هذه الرؤية بتشكيل مجلس أو هيئة سلام انتقالية تشرف على إدارة القطاع، وتعمل معها قوة دولية تتعاون مع الاحتلال ومصر في ضبط الحدود، وتأمين الممرات الإنسانية، وتفكيك البنى العسكرية للفصائل، تمهيداً لإعادة تشكيل بنية الحكم في غزة.

هذا التصوّر يضع مشروع القوّة الدولية في قلب النقاش حول مستقبل القطاع، حيث تتقاطع أسئلة القانون الدولي مع حسابات الأمن والسيادة ومع رؤية الشعب الفلسطيني ومكوّنات مقاومته لمستقبل القضية، و من هذه التساؤلات:

1) هل يمكن لقوة دولية أن تكون أداة لحماية المدنيين، أم بوابة لوصاية جديدة وصيغة لـ«الانتداب» أو «الاحتلال المقنّع»؟

2) وهل رفض فصائل المقاومة لهذه القوة يناقض قبولها الأولي بخطة ترمب، أم يعكس مراجعة سياسية في ضوء اتضاح تفاصيل الخطة والتفويض الدولي، بين من يراها فرصة لالتقاط الأنفاس الإنسانية ومن يعدّها تكريساً لوصاية جديدة على غزة؟

وتزداد حساسية هذا النقاش إذا ما وُضع في سياق تاريخي أوسع لتجارب «التدويل» في قضايا التحرر الوطني؛ إذ تكشف تجارب متعددة أن تدخّل القوى الدولية –حتى عندما يُسوَّق له بلغة حماية المدنيين وإدارة الانتقال– كان في كثير من الأحيان جزءاً من إعادة ترتيب موازين القوى الداخلية والإقليمية، لا مجرد استجابة إنسانية محايدة.

وبالنسبة لغزة، التي عاشت حصاراً إسرائيليا طويلاً وحروباً متكرّرة وتدخّلات دولية متقطّعة، فإن أي مشروع لقوة استقرار أجنبية سيُقرأ تلقائياً على خلفية هذا الإرث الثقيل من الوعود غير المنجزة، وازدواجية المعايير في تطبيق القانون الدولي، وتفضيل «إدارة الصراع» على حساب تفكيك أسبابه البنيوية المتمثّلة في الاحتلال والاستيطان والحصار.

من هنا تحاول هذه الدراسة أن تتجاوز ثنائية الرفض والقبول الشعاراتيَّين، لتقارب فكرة القوة الدولية في غزة من منظور مركّب يجمع بين التحليل القانوني والنظر في ميزان القوى السياسي والاعتبارات المجتمعية المحلية. فهي تسائل الأسس القانونية التي يُمنح بموجبها التفويض لقوات الاستقرار المقترحة، ومدى انسجامه مع مبادئ حق تقرير المصير،ومشروعية مقاومة الاحتلال، كما تفحص البنية السياسية للخطة الأميركية وللقرار الأممي المنبثق عنها بين كونها تؤسّس فعلاً لمسار انتقالي يقود إلى إنهاء الاحتلال، وبناء دولة فلسطينية ذات سيادة، أم تكرّس نموذج «إدارة إنسانية–أمنية» لحالة احتلال طويلة الأمد؟ وتتناول الدراسة الكيفية التي يتفاعل بها الفاعلون الفلسطينيون، وفي مقدمتهم فصائل المقاومة، مع هذه الصيغة، وما إذا كان رفضهم الراهن يعبّر عن تناقض سياسي، أم عن مراجعة واعية في ضوء التجربة التاريخية ومعطيات الميدان.

انطلاقاً من أرضية داعمة لحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الأجنبي وتقرير مصيره، تسعى الدراسة إلى تقديم قراءة موضوعية قدر الإمكان للجدل الدائر حول القوة الدولية، من دون الوقوع في فخّ التبرير الأيديولوجي أو الاصطفاف غير النقدي مع أي من الأطراف. فهي تعتمد على مجموعة من الدراسات العربية في القانون الدولي الإنساني وحق تقرير المصير وعمليات حفظ السلام، إضافة إلى تحليلات متخصّصة لخطة ترمب والقرار الأممي الذي تبنّاها، وسياق الحروب المتعاقبة على غزة. كما ستُبنى المعالجة على تدرّج منهجي يبدأ بعرض الإطار النظري لقوات حفظ السلام في القانون الدولي، ثم ينتقل إلى خصوصية السياق الغزّي وحق تقرير المصير ومشروعية المقاومة، قبل أن يتناول بالتفصيل بنود الخطة المطروحة وطبيعة القوة الدولية المقترحة، وينتهي إلى مناقشة موقف فصائل المقاومة واستشراف السيناريوهات الممكنة لمستقبل غزة في ضوء ذلك.



أولا: الإطار النظري لقوات حفظ السلام

تشير الدراسات العربية المتخصصة، ومنها دراسة «قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في ضوء القانون الدولي الإنساني»، إلى أن هذه القوات نشأت كآلية وسطى بين الفصل السادس المتعلق بالتسوية السلمية للنزاعات والفصل السابع المتعلق بإجراءات القسر، فاستقرّت –نظرياً– على ثلاثة أعمدة أساسية:

1) موافقة أطراف النزاع

2) والحياد

3) وعدم استخدام القوة إلا في حالات محدّدة، هي الدفاع عن النفس أو حماية التفويض

كما تؤكد هذه الدراسات أن أفراد هذه القوات يظلّون خاضعين لقواعد القانون الدولي الإنساني بوصفهم أطرافاً مسلّحة تتحرك في بيئة نزاع، وأن شرعية وجودهم لا تُستمد من تفويض مجلس الأمن وحده، بل من احترامهم لهذه القواعد ولإرادة الشعوب المعنية.

أدّى تطوّر عمليات حفظ السلام بعد الحرب الباردة، واتساع مهامها من مراقبة وقف إطلاق النار إلى إدارة أقاليم ومؤسسات محلية كاملة، إلى ظهور إشكاليات قانونية جديدة. و مع انتقال هذه القوات إلى أدوار شبه تنفيذية –تشمل أحياناً المشاركة في تجريد أطراف داخلية من السلاح، أو ممارسة سلطات حكم فعلية– برز سؤال جوهري حول الجهة المسؤولة عن انتهاكاتها: هل هي الدولة المرسِلة، أم المنظمة الدولية، أم الاثنان معاً؟ وتخلص الدراسة إلى أن مبدأ سيادة القانون الدولي الإنساني يفرض إخضاع القوات الدولية للمساءلة متى تحوّلت من «قوات حفظ سلام» إلى طرف فاعل في النزاع أو إلى سلطة حكم، بما يفتح الباب أمام تشبيه بعض البعثات بحالات «وصاية مقنّعة» إذا طال أمدها أو اتسع تفويضها الأمني والسياسي.

على المستوى العملي الميداني، يمكن الحديث عن الإشكاليات التي تواجه قوات حفظ السلام الدولية عند تأدية مهامهاالتي تعمل عادة في بيئات يغلُب عليها انعدام الثقة، وتعدّد الفاعلين المسلّحين، وتضارب توقّعات الأطراف المحلية. كماأن الغموض في صياغة التفويض، والتداخل بين المهام الإنسانية والأمنية، وقلة الموارد، جميعها عوامل تجعل القوة عرضة لأن تُصوَّر كطرف منحاز لصالح من يملك النفوذ الأكبر في مجلس الأمن أو كامتداد لإرادة القوى الكبرى، لا كآلية حياد لحماية المدنيين. كما أن نجاح أي قوة دولية مشروط بوضوح الهدف والمدة، ووجود هيكل مساءلة شفاف، وتصميم تفويض لا يتجاهل حساسيات المجتمع المحلي ولا يحوّل القوة إلى أداة لإدارة الصراع وفق أولويات القوى الكبرى أو غطاء لتكريس أمر واقع مجحف.



ثانيا: السياق الغزّي: الحروب والواقع الاجتماعي

في الحالة الفلسطينية، لا يمكن مناقشة فكرة القوة الدولية في غزة بمعزل عن التاريخ القريب للحروب الإسرائيليةالمتكررة على القطاع و ما صاحبها من جولات عنف واسعة، تترافق مع دمار هائل في البنية التحتية، وضعف في الحماية الدولية للمدنيين، ثم تُتبع بتهدئات هشة برعاية وسطاء إقليميين ودوليين، من دون معالجة جذور الحصار والاحتلال. كما أن التدخل الدولي ظلّ –في أغلب الأحيان– تدخلاً لإدارة مستوى العنف، وليس لتغيير بنية السيطرة على الأرض أو إنهاء الاحتلال، ما عمّق الشكّ الفلسطيني في نوايا القوى الغربية والمؤسسات الدولية.

هذا التاريخ من الحروب والحصار ترك أثره العميق على المجتمع الغزّي وعلى تصوّراته للحلول الأمنية والسياسية. فمع تدمير متكرر للبنى التحتية، وتآكل مؤسسات الحكم المحلي بفعل الانقسام والحصار، وتكبّد المجتمع المدني الفلسطينيخسائر بشرية ومادية هائلة، و باتت أي ترتيبات أمنية خارجية تُقرأ من زاويتين متناقضتين داخل الوعي الجمعي:

1) فمن جهة، رغبة في حماية الأرواح ووقف آلة القتل

2) ومن جهة أخرى، الخوف من أن تتحوّل هذه الترتيبات إلى وسيلة لتجريد الشعب من أدوات قوة يعتبرها بعضه جزءاً من دفاعه المشروع عن نفسه، أو إلى خطوة نحو فصل غزة عن بقية الأرض الفلسطينية عبر إدارة دولية طويلة الأمد.

ومن هنا يتولّد الموقف المركّب الذي لا يرفض “الحماية” من حيث المبدأ، لكنه يشكّك في صيغتها ومضمونها وارتباطها بمشروع سياسي واضح ينهي الاحتلال.



ثالثا: حق تقرير المصير ومشروعية المقاومة

من زاوية القانون الدولي، يحتل مبدأ حق تقرير المصير موقعاً مركزياً في تقييم أي وجود دولي مسلح على أرض شعب خاضع للاحتلال. حيث تحول هذا المبدأ تحول من شعار سياسي إلى قاعدة قانونية ذات طابع إلزامي، و ارتبط تاريخياً بنضال الشعوب ضد الاستعمار الكلاسيكي، ثم جرى توسيع تطبيقه على حالات الاحتلال الطويل، ومنظومات الفصل العنصري. كما أن الإشكال الرئيس لا يكمن في الاعتراف النصّي بهذا الحق –إذ تؤكده عشرات القرارات الأممية– بل في آليات تطبيقه، حيث تستعمل القوى الكبرى التأويل الانتقائي للمبدأ لتبرير حالات معيّنة (كما في كوسوفو) وتجاهله في حالات أخرى (كما في فلسطين)، ما يرسّخ شعوراً عميقاً بالازدواجية لدى الشعوب المتضررة.

وتضيف دراسة اخرى بُعداً تاريخياً على هذه المسألة، إذ تعود إلى مرحلة الانتداب البريطاني وتبيّن كيف تمّ استخدام صك الانتداب ووعد بلفور لحرمان الفلسطينيين من ممارسة حقهم في الاستقلال، ثم امتد هذا الحرمان مع قيام إسرائيل واحتلال ما تبقى من فلسطين عام 1967. وتوضح الدراسة أن الشعب الفلسطيني يُعامل، في كثير من الممارسات الدولية، كشعب “خاضع لترتيبات خاصة” وليس كشعب له حقّ كامل في التحرر من الاستعمار، وهو ما يجعل أي صيغة لوصاية أو إدارة دولية على جزء من أرضه –حتى لو اتخذت اسم “قوة استقرار” أو “مجلس سلام”– مثار شكّ عميق ما لم تُربط صراحةً بمسار ملزم نحو إنهاء الاحتلال وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة.

في المقابل، تكشف الدراسات القانونية حول حق تقرير المصير أن أي وجود عسكري أجنبي طويل الأمد في أراضي شعب واقع تحت الاحتلال يلامس مباشرة جوهر السيادة. لأن هذا الحق بات قاعدة آمرة في القانون الدولي، و شرعيته تستند إلى قرارات أممية متراكمة تعترف بخصوصية الحالة الفلسطينية، وتقرّ بحق الفلسطينيين في استعادة أرضهم وإزالة آثار الاستعمار الاستيطاني. كما أن أي ترتيبات انتقالية في غزة لا تربط وجود القوة الدولية بمسار واضح نحو إنهاء الاحتلال وتحقيق الدولة الفلسطينية، ستبدو من منظور القانون الدولي خطوة إلى الوراء، لأنها تجمّد ممارسة الحق بدلاً من تمكينه، حتى لو حملت عناوين «الحماية» أو «الاستقرار».

على المستوى القانوني أيضاً، لا يمكن فصل الحق في تقرير المصير عن مسألة مشروعية مقاومة الاحتلال. لأن الفقه القانوني الدولي ميّز –في عدد من الوثائق والقرارات– بين “الإرهاب” من جهة، و”نضال الشعوب ضد الهيمنة والسيطرة الأجنبية والعنصرية” من جهة أخرى. و تعتبر قرارات الجمعية العامة تعتبر كفاح الشعوب الخاضعة للاستعمار أو الاحتلال جزءاً من ممارسة حق تقرير المصير، ما دام ملتزماً بالقواعد الأساسية للقانون الدولي الإنساني، خاصة تجنّب استهداف المدنيين. بهذا المعنى، ينظر جزء من الأدبيات القانونية إلى المقاومة الفلسطينية –بأشكالها المختلفة– بوصفها تعبيراً عن حق قانوني في مواجهة احتلال طويل الأمد، الأمر الذي يجعل أي مشروع دولي لنزع سلاحها بالقوة مسألة شديدة الحساسية من منظور القانون والشرعية الشعبية.

على أرضية هذا الفهم لحق تقرير المصير، تفسّر أدبيات «المقاومة الشعبية الفلسطينية المسلحة في القانون الدولي العام» كيف ينظر جزء من الفقه القانوني إلى مقاومة الاحتلال بوصفها شكلاً من أشكال الكفاح المشروع متى ارتبطت بهدف إنهاء السيطرة الأجنبية واحترام حقوق الإنسان. و لعل استعمال أعمالاً عربية ودولية تبين أن القانون الدولي ميّز تاريخياً بين "الإرهاب" وبين حركات التحرر الوطني التي تقاتل ضد الاستعمار أو الاحتلال الأجنبي أو أنظمة الفصل العنصري، وأقرّ –في قرارات أممية محددة– بشرعية لجوء هذه الحركات إلى القوة المسلحة ضمن ضوابط معيّنة. من هنا يصبح أي مشروع دولي يسعى عملياً إلى نزع سلاح المقاومة من دون معالجة جذر الاحتلال، مهدداً بأن يُقرأ على أنه استهداف لحق أصيل للشعب الواقع تحت الاحتلال في الدفاع عن نفسه وعن حقه في تقرير المصير.



رابعا: عرض خطة ترمب والقوة الدولية المقترحة

انطلاقاً من هذا الإطار النظري، يمكن قراءة خطة ترمب ذات العشرين نقطة وما تتضمنه من قوة دولية في غزة. فهذه الخطة تقوم على منطق مرحلي يبدأ بوقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين، ويتبعه انسحاب عسكري إسرائيلي تدريجي من قطاع غزة إلى “خطوط أولى”، مع إبقاء إمكانية العودة للعمل العسكري إذا اعتبرت إسرائيل أن “الأمن مهدَّد”. في المراحل اللاحقة، تُنشأ إدارة انتقالية في غزة عبر لجنة تكنوقراطية فلسطينية تحت إشراف “مجلس سلام” دولي، وتُكلَّف قوة استقرار متعددة الجنسيات بمهام واسعة: ضمان الأمن الداخلي، مراقبة الحدود والمعابر، مرافقة عمليات إعادة الإعمار، وفي جوهرها الإشراف على نزع سلاح الفصائل أو تجريده تدريجياً من قدرته الردعية.

في ضوء هذا الإطار، يمكن فهم خصوصية الحالة الغزّية فالقرار الذي يستند إلى خطة ترمب لا يكتفي بتكليف القوة الدولية بمهام حماية المدنيين، أو تأمين المساعدات، بل يمنحها دوراً مباشراً في إعادة تشكيل بنية الحكم من خلال هيئة انتقالية تشرف على لجنة فلسطينية «تكنوقراطية» لإدارة القطاع، وتتولى بالتوازي مهمة نزع سلاح الفصائل أو دمجها في ترتيبات جديدة. و هذا الدمج بين وظيفة أمنية صلبة و اخرى سياسية –إدارية عميقة ينتج قراءة فلسطينية ترى في المشروع تجاوزاً لفكرة «الحماية المؤقتة» نحو إعادة هندسة الحقل السياسي الفلسطيني من الخارج.

و لعل مناقشة «خطة ترمب» بوصفها مشروعاً مبهماً قد ينزلق إلى «فخ التقسيم». فيجدر التحذير من أن غياب ربط واضح بين ترتيبات غزة والضفة الغربية، وعدم النصّ الصريح على حلّ سياسي نهائي، يسمح بتحويل القوة الدولية ومجلس السلام إلى أدوات إدارة طويلة الأمد، لا إلى آليات انتقالية نحو إنهاء الاحتلال. كما يرى أن التركيز الكبير على البعد الأمني (نزع سلاح الفصائل، ضبط الحدود، إدارة الممرات) من دون معادلة موازية للحقوق والسيادة، يفتح الباب أمام تحويل غزة إلى كيان منفصل تتحكم في أمنه واقتصاده منظومة دولية – إقليمية، بينما يبقى الشعب الفلسطيني صاحب الأرض خارج دائرة صناعة القرار الفعلي.

أتى قرار مجلس الأمن الخاص بغزة استجابة لفشل عقود من المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التي افتقدت آليات تنفيذ حقيقية، إذ بقيت معظم القرارات الدولية حبراً على ورق بسبب غياب قوّة رقابة ميدانية تفوَّض بفرض احترامها. من هنا ينظر القرار إلى قوة الاستقرار الدولية كأداة لسد «فجوة التنفيذ» عبر تمكين المجتمع الدولي من ممارسة ضغط عملي على الأطراف، خصوصاً في ملف نزع سلاح حماس، وإعادة إعمار غزة. يؤكد الوقت نفسه أن هذه القوة ستصطدم بعائقين هيكليين:

1) رفض حركات المقاومة نزع سلاحها بالقوة

2) ورفض اليمين الإسرائيلي الاعتراف بآفاق دولة فلسطينية، ما يهدد بتحويل القوة إلى طرف في صراع مفتوح و ليسإلى آلية حياد واستقرار. 

مع العلم أن الجانب الإشكالي في هذه الخطة لا يكمن في وقف إطلاق النار أو تبادل الأسرى –وهي عناصر قدتحظى بتأييد واسع داخل المجتمع الفلسطيني الذي أنهكته الحرب– بل في طبيعة القوة الدولية المقترحة والدور السياسي لـ”مجلس السلام”، فحين تتحول القوة الدولية من مجرّد “فاصل” بين طرفين متحاربين إلى سلطة فعلية في الأمن والإدارة وإعادة الإعمار، يصبح السؤال: من يملك القرار السيادي في غزة خلال السنوات الانتقالية؟ وما الضمانة ألا تستمر هذه الوضعية الانتقالية إلى أجل مفتوح كما حدث في تجارب أخرى (البوسنة، كوسوفو…)؟ هنا تلتقي الاعتراضات القانونية التي تحذّر من "الوصاية المقنّعة" مع المخاوف الشعبية من أن تتحول غزة إلى “مختبر سياسي” تُدار فيه التجربة الفلسطينية على مقاس الترتيبات الأميركية والإسرائيلية.



خامسا: الإيجابيات النظرية المحتملة للقوة الدولية

انطلاقاً من هذه القراءات، يمكن الإشارة إلى بعض الإيجابيات النظرية المحتملة لفكرة قوّة دولية في غزة إذا تم صياغةتفويضها ضمن إطار قانوني وسياسي صارم ومحدود. فالأدبيات القانونية العربية التي تناولت تطوّر وظائف قوات حفظ السلام ترى أن وجود طرف ثالث، يقوم على موافقة حقيقية، واحترام للسيادة، قد يسهم في تحقيق جملة من المهام، من اهمها:

1) تقليص حضور قوات الاحتلال، والاحتكاك المباشر بينها وبين المدنيين الفلسطينيين

2) خلق منطقة عازلة تؤمّن ممرات إنسانية أكثر استقراراً، وتخفّف من وتيرة العنف

3) توفير بيئة أقل توتراً تسمح بإعادة إعمار البنية التحتية المنهارة في قطاع غزة وترميم النسيج الاجتماعي وإعادة بناء المؤسسات

4) توثيق الانتهاكات الجسيمة لقواعد الحرب، وممارسة ضغوط سياسية وقانونية للحدّ منها، بدلاً من ترك المدنيين وحدهم في مواجهة تفوّق عسكري إسرائيلي ساحق

5) وجود قوة دولية قد يسهم في توفير بيئة أكثر استقراراً لعمليات إعادة الإعمار وبناء الإدارة المدنية، خصوصاً إذا ارتبط ذلك ببرنامج واضح لدعم مؤسسات فلسطينية موحّدة وقادرة على إدارة القطاع، بعيداً عن الانقسام

مع العلم أن بعض الدراسات التي تناولت مستقبل غزة بعد الحروب السابقة أشارت إلى أن الفراغ الأمني وتضارب السلطات على الأرض كانا من أهم عوامل تجدد العنف؛ وبالتالي فإن قوة دولية ذات تفويض محدود زمنياً ووظيفياً، تعمل بالتنسيق مع مؤسسات فلسطينية منتخبة وتحت رقابة دولية شفافة، يمكن –نظرياً– أن تقلّل من احتمالات الانزلاق إلى فوضى داخلية أو اقتتال أهلي، وأن تخلق مساحة للمجتمع المدني لتضميد جراحه وتنظيم صفوفه في إطار مشروع وطني جامع.

غير أن هذه الإيجابيات تظل مشروطة بأن يكون وجود القوة مؤقتاً، موجّهاً لحماية السكان وتمكينهم من حقوقهم، و ليسلإدارة الصراع أو إنفاذ مشروع سياسي مجحف بالوكالة عن قوى خارجية.



سادسا: السلبيات البنيوية: السيادة، التفويض، البعد الوطني

في المقابل، لا بد من التوقف مطولاً عند “السلبيات البنيوية” التي تثيرها فكرة القوة الدولية في غزة وفق الصيغة المطروحة اليوم على النحو التالي:

أول هذه السلبيات هو مسألة السيادة: إذا كانت الدراسات القانونية تؤكد أن حق تقرير المصير يعني امتلاك الشعب لسلطته العليا في تقرير شكل نظامه السياسي وتحالفاته الأمنية، فإن تسليم الأمن الداخلي والحدود والقرار الإداري إلى قوة دولية ومجلس سلام فوقي، يفصل بين الشعب وقراره السياسي، ويؤسس لوضعية وصاية، حتى لو أُحيلت هذه الوصاية إلى قرارات أممية. ومن منظور هذه الدراسات، فإن أي وجود دولي مسلح لا يكون مقبولاً إلا إذا كان محدود المدة، مرتبطاً بخطة خروج واضحة، ويعمل كجسر لعبور الشعب إلى ممارسة سيادته الكاملة، لا كبديل دائم عنها.

السلبية الثانية تتعلق بطبيعة التفويض المقترح للقوة الدولية، والذي يتجاوز –وفق قراءات عربية متخصصة– مهام حفظ السلام التقليدية نحو الانخراط في نزع سلاح فصائل المقاومة. هذا النوع من التفويض يقلب فلسفة قوات حفظ السلام رأساً على عقب؛ إذ تتحول القوة من “حكم محايد” يراقب التزام الأطراف باتفاق وقف النار إلى “قوة تنفيذية” تعمل لصالح طرف على حساب آخر، بحجة “إزالة التهديد” أو “منع الإرهاب”. وفي حالة غزة، حيث يوجد احتلال قائم وحصار مستمر، تصبح الصورة أكثر حساسية: فاستهداف سلاح المقاومة –من دون معالجة جذور الاحتلال– يُقرأ فلسطينياً كإعادة إنتاج لمعادلة أوسلو ولكن بوسائل أكثر خشونة، أي دمج اقتصادي–إنساني مقابل تجريد الشعب من أدوات الضغط، مع إبقاء السيطرة الإسرائيلية الفعلية على المعابر والحدود والأجواء.

السلبية الثالثة تتصل بالبُعد السياسي الوطني: فقد أظهرت تجربة العقود الماضية أن أي ترتيبات انتقالية لا تُبنَى على وحدة الساحة الفلسطينية ولا تحترم تعددية تمثيل الشعب، تُساهم في تعميق الانقسام وإضعاف الحركة الوطنية ككل. فخطة ترمب، كما يُقرأ في عدد من الدراسات، تنقل مركز الثقل من منظمة التحرير والتمثيل الوطني الجامع إلى “مجلس سلام” دولي وإدارة انتقالية تكنوقراطية، ما يهدّد بتحويل القرار الفلسطيني إلى ملحق بقرار مانحي الإعمار والقوى الكبرى. من زاوية دعم مقاومة الأمة والشعب الفلسطيني للاحتلال، يبدو هذا الترتيب خطيراً لأنه يفصل بين المقاومة كفعل وبين المشروع السياسي الوطني الذي ينبغي أن يترجم هذا الفعل إلى مكاسب سياسية ملموسة؛ فإذا صودرت أدوات القوة من يد الشعب، وبقي القرار السياسي مرتهناً للخارج، فإن النتيجة قد تكون “سلاماً بارداً”.



سابعا: موقف فصائل المقاومة وتبرير الرفض

هذه الخلفية القانونية تساعد على فهم موقف فصائل المقاومة من خطة ترمب، والقوة الدولية المقترحة. فقد وصقتهاحماس بأنها «وصاية دولية على قطاع غزة»، لأن إسناد مهمة نزع سلاح المقاومة لقوة دولية يجرّدها من حيادها ويحوّلها إلى طرف في الصراع لصالح الاحتلال، و لا يمكن اعتبار قوة يشرف عليها مجلس سلام يرأسه طرف خارجي، ويتعاون ميدانياً مع الجيش الإسرائيلي في «تفكيك البنى التحتية» للفصائل، محايدة أو إنسانية، بل أداة لإعادة هندسة موازين القوى الداخلية، وإغلاق أفق المقاومة المسلحة، في حين يبقى الاحتلال وواقع الحصار على حالهما.

انطلاقاً من هذه الاعتبارات، يمكن فهم دوافع رفض فصائل المقاومة الفلسطينية لفكرة القوة الدولية في صيغتها الحالية. فهي ترى أن الخطة تجعل من “نزع السلاح” محوراً مركزياً للتفويض الدولي، وتربطه بإعادة الإعمار ورفع الحصار، في إطار مقايضة واضحة: التنمية مقابل التخلي عن أدوات المقاومة. وتحاجج هذه القوى بأن التجربة أثبتت أن الاحتلال لا يلتزم بالاتفاقات حتى في ظلِّ وجود مراقبين دوليين، وأن تحييد سلاح المقاومة من دون ضمانات حقيقية لانسحاب كامل، ووقف للاستيطان سيؤدي لكريس ميزان قوى مختلّ لصالح الاحتلال. كما عن مخاوف من أن تتحول القوة الدولية إلى “شرطي” يطارد أي تعبير مستقبلي عن المقاومة، ولو كان سلمياً، تحت شعار حفظ الأمن والنظام.

كما يستند رفض المقاومة للقوة الدولية إلى قراءة نقدية لأداء المنظومة الدولية في الحرب الحالية على غزة. في ضوء ازدواجية المعايير في تطبيق مبدأ حق تقرير المصير والعقوبات الدولية التي تبيّن أن المجتمع الدولي –بمؤسساته الكبرى– كان حازماً وسريعاً في فرض عقوبات على دول أخرى متهمة بخرق القانون الدولي، بينما ظل متساهلاً مع الاحتلال الإسرائيلي رغم تواتر التقارير والقرارات التي تدينه. و هذا الشعور العميق بالازدواجية ينعكس في الخطاب الفلسطيني المقاوم الذي يرى في أي قوة دولية تأتي تحت المظلة الأميركية امتداداً لسياسات منح الحصانة للاحتلال، لا تصحيحاً لمسارها. وبالتالي، فإن رفض القوة لا يعني رفض المبدأ المجرد للحماية الدولية، بل رفض النموذج العملي الذي تتجسّد فيه هذه الحماية عندما تكون خاضعة بالكامل لأجندة دولة عظمى منحازة.

ثامنا: سؤال التناقض بين القبول الأوّلي والرفض اللاحق

لا يعني الرفض الفلسطيني لفكرة الوصاية التي تجسدها القوة الدولية مع قبول سابق –مبدئي أو جزئي– لبعض بنود خطة ترمب ذات العشرين نقطة، بأن هماك تناقض بينهما لأن كثيراً من الفاعلين الفلسطينيين والعرب تعاملوا مع الخطة بمنطق «تجزئة البنود»، أي قبول عناصر وقف إطلاق النار وتسهيل المساعدات، مع التحفظ على الترتيبات الأمنية والسياسية الأعمق. ومع تبلور تفاصيل القرار الأممي، واتضاح حجم التفويض الممنوح للقوة الدولية ومجلس السلام، بدا أن كلفة القبول الشامل أعلى بكثير من فوائد الهدنة المؤقتة. و من هنا يمكن القول إن موقف فصائل المقاومة يمثّل إعادة تقييم سياسية في ضوء معطيات جديدة، و ليس انقلاباً غير مبرر على موقف ثابت، خصوصاً وأن الخطة لم تقدّم ضمانات جدية لمسار ملزم نحو إنهاء الاحتلال.

يبقى السؤال الإشكالي  حول مدة تناقض هذا الرفض مع قبول مبكر من قِبل فصائل المقاومة لخطة ترمب ذات العشرين نقطة و هنا تظهر أهمية التمييز بين “قبول مبدئي مشروط” و”قبول كامل غير مشروط”، لأن القراءات السياسية العربية تشير إلى أن ردّ المقاومة على الخطة جاء بصيغة “نعم، ولكن”: نعم لوقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى، وفتح مسارات الإغاثة، ولكن مع ربط الملفات الأكثر خطورة –مثل مستقبل السلاح، وترتيبات الحكم النهائي– بحوار وطني جامع، وبمسار سياسي واضح نحو إنهاء الاحتلال، ومع مرور الوقت، وتبلور تفاصيل قرار مجلس الأمن،وصياغة التفويض الممنوح للقوة الدولية ومجلس السلام، تبيّن أن الكفّة تميل أكثر باتجاه الترتيبات الأمنية على حساب الحقوق السياسية، ما دفع المقاومة إلى إعادة تقييم موقفها، والانتقال من “القبول المشروط” إلى الرفض العلني للصيغة الراهنة.

من زاوية تحليل سياسي موضوعي، يمكن القول إن هذا التحوّل لا يشكّل تناقضاً بقدر ما يعكس ديناميكية التفاوض في ظروف حرب وضغط إنساني غير مسبوق. فالمقاومة التي تواجه إبادة واسعة قد تقبل مبدئياً بخارطة طريق غامضة أملاً في التقاط الأنفاس وحماية المدنيين، ثم تعيد النظر عندما يتضح أن الثمن المطلوب يتجاوز ما يمكن تحمّله وطنياً أو أخلاقياً. و هنا يظهر البعد العلمي في تقييم الموقف: فالمعيار ليس “ثبات الموقف” بمعناه الجامد، بل مدى قدرة الفاعل السياسي على مراجعة حساباته في ضوء المعلومات الجديدة، وعلى الموازنة بين المكاسب الإنسانية العاجلة والمخاطر الاستراتيجية بعيدة المدى على مشروع التحرر الوطني.



تاسعا: استشراف المستقبل والخاتمة

في ضوء ما سبق، يمكن القول إن اتجاه الأمور في موضوع القوة الدولية في غزة سيظل مرهوناً بثلاثة عناصر متداخلة:

1) طبيعة التفويض

2) موقعها من معادلة الاحتلال

3) مقدار مشاركة الفاعلين الفلسطينيين فيها

وإذا بقيت الخطة على صورتها الحالية المتمثلة بتفويض واسع، و تركيز على نزع سلاح المقاومة، و غياب مسار واضح لتقرير المصير، فإن احتمال الاصطدام مع فصائل المقاومة ومع قطاعات واسعة من الشعب سيكون مرتفعاً، وقد تُعامل القوة كسلطة احتلال بديلة، أما إذا أُعيدت صياغة التفويض ليصبح محدوداً زمنياً ووظيفياً، موجهاً حصراً لحماية المدنيين، وتهيئة الطريق لانسحاب كامل لقوات الاحتلال، وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، فإن إمكانية قبول أو تحييد موقف المقاومة تصبح أكبر، دون أن يعني ذلك التخلي عن حقها في مراقبة أداء القوة الدولية، ومساءلتها.

هذا يعني أن مقاربة موضوع القوة الدولية في غزة من منظور داعم لحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وتقرير مصيره لا يحمل رفضاً مبدئياً لكل حضور دولي، بقدر ما يحمل رفضاً لتدويل يتحول إلى وصاية أو انتداب جديد. فالدراسات العربية في القانون الدولي وقوات حفظ السلام تؤكد أن أي بعثة لا تُبنى على شرعية واضحة، ومشاركة محلية حقيقية، وخطة خروج معلنة، معرضة لأن تتحول إلى جزء من المشكلة و ليس جزءاً من الحل. في الحالة الغزّية، يبقى جوهر المعادلة بسيطاً: فإذا كانت القوة الدولية جسر عبور نحو إنهاء الاحتلال، وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه، فهي قابلة للنقاش والتعديل؛ أما إذا كانت بديلاً لانسحاب الاحتلال، أو أداة لتجريد المقاومة من أدواتها فيما يستمر الاستيطان والحصار، فإن رفضها يصبح منسجماً مع منطق القانون الدولي، ومع حق الشعوب في رفض أشكال السيطرة الأجنبية، أياً كان اسمها.

في المحصلة، يتّجه موضوع القوات الدولية في غزة إلى مفترق طرق حاسم. فإذا ظلّ التفويض المقترح في إطار خطة ترمب كما هو –تفويض واسع، يربط إعادة الإعمار، ونهاية الحرب، بنزع سلاح المقاومة تحت إشراف مجلس سلام فوقي، فمن المرجّح أن يبقى الرفض الفلسطيني الشعبي والفصائلي لهذه القوات قوياً، وأن تُعامَل القوة (إن نُشرت) كسلطة مفروضة و ليس كآلية حماية، أمّا إذا أُعيدت صياغة التفويض بحيث يصبح زمنياً محدّداً، ووظيفياً محصوراً في حماية المدنيين، وضمان إدخال المساعدات، ويرتبط صراحةً بجدول زمني لإنهاء الاحتلال، وقيام دولة فلسطينية ذات سيادة، فقد يصبح النقاش داخل الساحة الفلسطينية أكثر تنوّعاً، وتبرز أصوات ترى إمكانية التعامل مع القوة الدولية كأداة انتقالية يمكن ضبطها، ومساءلتها.

و على أرضية دعم مقاومة الأمة والشعب الفلسطيني للاحتلال الأجنبي، يبقى المعيار القانوني والأخلاقي واحداً: فأي وجود دولي مسلح في غزة يكون مقبولاً فقط إذا كان خادماً لحق الشعب في تقرير مصيره، ومعززاً لقدرة الفلسطينيين على بناء مؤسساتهم، واستعادة أرضهم، لا بديلاً عن إرادتهم، أو سيفاً مسلطاً على حركات مقاومتهم، و لذلك فإن تحويل غزة إلى “منطقة تجريب” لمعادلات أمنية جديدة تحت عناوين براقة لن يغيّر حقيقة أن جوهر المشكلة هو استعمار استيطاني طويل الأمد، لذلك، فإن الموقف الذي يرفض القوة الدولية بصيغتها الحالية، مع الانفتاح على أي ترتيبات تحمي المدنيين، وتقرّ صراحةً بالحقوق التاريخية والقانونية للشعب الفلسطيني، يبدو منسجماً مع روح القانون الدولي،كما تعرضها الدراسات العربية حول حق تقرير المصير، ومشروعية التحرر من السيطرة الاستعمارية.



المصادر

إياد القطراوي، «القوة الدولية في غزة.. بين شرعية التفويض ومعضلة السيادة»، مجلة المجتمع، 2025. https://is.gd/1Y1GS5



عبد القادر مرزق، «قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في ضوء القانون الدولي الإنساني»، مجلة الحقوق والعلوم الإنسانية، المجلد 9، العدد 1 (2016): 139–152. https://is.gd/OjHuy6



ناجي الشاذلي، «المسئولية الدولية لقوات حفظ السلام: دراسة تحليلية»، مجلة حقوق حلوان للدراسات القانونية والاقتصادية، المجلد 46، العدد 46 (2022): 549–632. https://is.gd/FUUPLf



منيرة الحسن، «الإشكاليات التي تواجه قوات حفظ السلام الدولية عند تأدية مهامها»، مجلة جامعة الشارقة للعلوم القانونية، المجلد 16، العدد 2، (2019): 331-357. https://is.gd/v78mq4



عبد الكريم أحمد الرفاعي محمد، «الصراع الفلسطيني الإسرائيلي: تحليل زمني لحروب غزة ودور الفاعلين الدوليين والإقليميين في الصراع»، المركز الديمقراطي العربي، 2025. https://is.gd/qPgneO



عبد المحسن خضر علامة، «فاعلية القانون الدولي في تطبيق مبدأ حق تقرير المصير: حالة فلسطين أنموذج»، المركز الديمقراطي العربي، 2025. https://is.gd/yveIPQ



د. ياسر العموري و أ. مي بركات، «حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير: دلالة المفهوم وتغيراته»، مجلة الحقوق جامعة الكويت، المجلد 49، العدد 2 (2025): 268-321. https://is.gd/q6q7mH



د. شادي سمير عويضة و د. سعد عبد الفتاح دخان، «المركز القانوني لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره»، المجلة الدولية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، العدد 65 (2025): 83–101. https://is.gd/KNXUtX



د. شهد الحموري، «دراسة قانونية: للشعب الفلسطيني الحق في المقاومة بجميع الوسائل المتاحة له ضمن مبادئ ميثاق الأمم المتحدة»، القانون من أجل فلسطين، (2024): 1-28. https://is.gd/ZnXR75



محمد عز الدين مصطفى حمدان، «المقاومة الشعبية الفلسطينية المسلحة في القانون الدولي العام»، المركز الديمقراطي العربي، 2015. https://is.gd/dDflRl

رمزي عز الدين رمزي، «أفكار لتطوير “خطة ترمب” في غزّة… وتجنب “فخ التقسيم” »، المجلة، 2025. https://is.gd/xx5hXw



أحمد ماهر، «قرار مجلس الأمن... البحث عن سد فجوة هيكلية في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي»، المجلة، 2025. https://is.gd/56rkcZ



محمد دار خليل، «تحليل أراء: خطة ترامب والقوّة الدوليّة ونزع السلاح»، مركز رؤية للتنمية السياسية، 2025. https://is.gd/EwiM1G







جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025