أولا ً : تمهيد :
صرح وزير الدفاع الإسرائيلي الجنرال " يواف غلانت " منذ ما يقارب الأسبوعين ، وبعد جلسة تقدير في مقر قيادة المنطقة الوسطى للجيش إلإسرائيلي المعنية ـ القيادة الوسطى ـ في جزء من مسؤولياتها التعامل مع الضفة الغربية ، وما فيها من تهديد حالي أو مستقبلي ، صرح الوزير بأنه قد رفع القيد عن استخدام الوسائط الجوية في المشاركة في العمليات العسكرية ، للحد من المخاطر والتهديدات التي تواجهها قواته في هذه المنطقة الجغرافية ، الأمر الذي رأينا آثاره في العمليات الأخيرة التي تمت في مسرح العمليات هذا ؛ حيث ارتقى ما لا يقل عن أحد عشر شهيداً في الأيام الأخيرة فقط ، باستهدافهم عبر مسيرات العدو المسلحة ، الأمر الذي يتطلب منا طرح خطورة دخول هذه الوسائط القتالية في هذه الظرف الذي تجهد فيها قوى المقاومة في الضفة الغربية لبناء حالة جهادية مستقرة ولو نسبياً ، يمكن أن تشكل مع الأيام تهديداً ذا مصداقية على العدو ، الأمر الذي ستحاول هذه الورقة البحث فيه وتقديم ما يمكن أن يساعد في فهم هذا التهديد وكيفية التعامل مع المخاطر الناتجة عنه .
إن أكبر هموم القادة العسكريين العاملين في ساحات المعارك ومسارح العمليات هو تكوين صورة أقرب ما تكون إلى الواقع عن العدو المنتشر في مواجهتهم ، ومحاولة فهم نواياه عبر ما يُجمع من معلومات ومعطيات وقرائن ومؤشرات ، كما يتمثل الهم الآخر في حجب ما يمكن من معلومات ومعطيات حول قدراتهم ـ القادة ـ وحركاتهم ونواياهم عن عدوهم ، فإن حقق القادة هذين الهدفين ـ المعرفة و / أو حجبها ـ فإن قيادتهم لقواتهم ، وتشغيلهم لقدراتهم ، سوف تكون من السهولة والكفاءة بالمكان الذي يحققون فيه التفوق على عدوهم ، لذلك يعمدون للتزود بما يساعد على تحقيق هذا الهدف ، من مختلف وسائط الاستعلام والمراقبة ، أو ما يعرف عند أهل الاختصاص بوسائط الـ ( السطع ) والتي منها الطائرات المأهولة وغير المأهولة ، والأقمار الصناعية ، والبالونات ، وغيرها من وسائط جمع المعلومات ، ومراقبة المواقف والوضعيات .
ثانيا : مهام المسيرات الجوية :
وحيث أننا نتحدث عن الوسائط الجوية التي دخلت الخدمة في مسرح الضفة الغربية ، والتي من أشهرها حتى الآن الطائرات بدون طيار ؛ المجنحة وغير المجنحة مما يعرف بـ " كواد كبتر " ، فالموقف يفرض علينا الحديث عن مهمة هذه الوساط والتي من أهمها :
إن أول ما يضمن النجاح لأي عمل عسكري ـ هجومي أو دفاعي ـ هو حسن القيادة والسيطرة على مجريات العمليات ، وتحرك ومناورة القوات ، قبل العمل وأثناءه وبعده ، حيث تجهد الجهات المتقاتلة في تشويش هذه الإجراءات ، أملأً في منع العدو من الوصول إلى مصادر المعلومات الصلبة ، لمنعه من أخذ القرارات السليمة ؛زماناً ومكاناً . إن أهم ما ينتج عن فقدان القيادة والسيطرة على القوات هو منع قيادتها من عمليات التفكير المنظم الذي يوصل إلى حل المعاضل والمشاكل التعبوية ، لذلك تأتي هذه الوسائط الجوية غير المأهولة لتساعد في تحسين عمليات القيادة والسيطرة على القوات ، لتحقق الأهداف وتنجز المهمات .
ومن الأهداف المرجوة من تشغيل هذه القدرات ؛ القيام بعمليات الرصد والاستطلاع ـ السطع ـ الجوي في مستوييه التكتيكي والعملياتي ، فمشغلو هذه الوسائط يزودونها بأدوات التصوير والتنصت والتقاط الإشارات اللاسلكية ، ما يمكنها من توفير معلومات صلبة ، وفي الوقت الفعلي ، الأمر الذي يساعد في فهم السلوك وتحليل الإجراءات ، ليبنى على المواقف ما يناسبها من مقتضيات .
كما يمكن أن تزود بعض هذه الوسائط الجوية بأسلحة قتال فتاكة ، فتقوم بعمليات الاشتباك مع القوات أو الأشخاص من على مسافات بعيدة أو قريبة ، فتحيد المطلوب تحييده ، وتوقع الضرر بمن يراد أن يصل ضررها له ، وقد تفنن عدونا وحليفه الرئيسي ـ الأمريكان ـ في تشغيل هذه الوسائط في مثل هذه العمليات ، فمنذ احتلال العراق عام 2003 بدأنا نسمع ونقرأ ونشاهد الفعل القتالي الشرس لهذه الوسائط في مختلف الساحات ، من العراق إلى اليمن إلى أفغانستان ، مروراً بأرضنا المحتلة . فقد شغل العدو قدراته الجوية غير المأهولة في جميع حروبه مع المقاومة في غزة ، وها هو يبدأ بتشغيل نوع منها في الضفة الغربية في عمليات القتال والاشتباك مع المقاومين في الضفة الغربية .
كما أن العدو يستخدم بعضاً من وسائطه الجوية المأهولة ، كمروحيات القتال والإسناد القريب من نوع AH64أباتشي ، حيث يمتلك العدو سربين من هذه الطائرات هما السرب 190 والسرب 113 وهي مسلحة بصورايخ " هلفاير " وصواريخ " هايدرا 70 عيار 2.25 انش ، ومدفع رشاش نوع M230 عيار 30 ملم ، حيث تتدخل هذه المروحيات في بعض العمليات والمواقف المعقدة ، التي تتطلب قدرات لتحييد أهداف بشرية ومادية منتشرة في منطقة العمليات ؛ قبل ، أو مع ، أو بعد الاشتبكاك والاحتكاك مع مجاميع المقاومة .
كما يضطر العدو أحياناً للدفع ببعض قدراته الجوية في عمليات الإخلاء الطبي ، أو إنقاذ قوات محاصرة أو تعزيزها ، عبر استخدام مروحيات النقل من نوع " شنوك " أو " اليسعور " وغيرها من وسائط القتال الجوية المناسبة لمثل هذه المهام القتالية .
ومن الأمور التي تُستخدم فيها الوسائط الجوية ؛ ما يعرف بالمناورة الرأسية أو المناورة القائمة ، حيث تقوم القوات المقاتلة بالتقرب والاحتكاك والاشتباك مع العدو عبر استخدام القدرات الجوية ، فتُنقل قدرات قتالية بشرية ومادية إلى أقرب نقطة ـ نقطة الانفصال ـ من منطقة العمليات ، مؤمنة ـ وسائط النقل الجوي ـ لجنود المناورة موقفاً قتالياً متفوقاً على عدوهم ، لتحقيق المهام المطلوب القيام بها في سياق عمليات ما .
هذه هي أهم الوظائف التي تُسند لهذه الوسائط الجوية ـ المأهولة وغير المأهولة ـ ، والتي تهدف في نهاية المطاف إلى الاسراع في إغلاق دوائر المعلومات والإجراءات في مختلف المواقف العسكرية ، لتُنجز المهام وتُحقق الأهداف في أقل الأوقات وأبخس الأثمان .
ثالثا : أثرها على المناورة البرية :
أما عن أثر هذه الوسائط الجوية في إجراء المناورة البرية في مسرح عمليات الضفة الغربية ، فيمكن الحديث مطولاً في هذا المجال ، ولكننا سنكتفي بالحديث عن أهم هذه الآثار والمتمثل في الآتي :
رابعا : الوقاية والحماية :
نختم هذه الورقة بالحديث عن إجراءات وتدابير الحماية والوقاية من هذه الوسائط القتالية ، في ظروف ميدانية وموضوعية لا نملك معها مجارات العدو في محاولة إمتلاك ما يمكن أن يجعلنا نتفوق عليه في هذه الجزئية التعبوية ــ هذا لا يعني عدم المحاولة ـ ولكن يجب أن تخصص وستثمر القدرات على أفضل وجه . وقبل أن نبدأ في الحديث عن سبل الحماية والوقاية ، نشير إلى أن هذه الإجراءات تأتي في سياق ما يعرف بإجراءات "الدفاع السلبي " ؛ أي إجراءات الحماية الذاتية غير التعرضية للعدو ، كما أن بعضها ـ الإجراءات ـ الآخر يمكن أن يوصف بإجراءات " الدفاع الإيجابي " أي المبادر ضد العدو ، وهذا ـ أنواع الدفاع ـ بحث تخصصي فني يطول الحديث فيه . كما أننا لن نخوض في تفاصيل هذه الإجراءات ، تاركين هذا الأمر لأهل الميدان والاحتياج ، يفهمونه بما يلائم بيئة عملهم ، وميدان اشتباكهم . أما عن الإجراءات فإن من أهمها ما يأتي :
كانت هذه بعض الأفكار ، والمعطيات التي تساعد في معرفة وفهم دور هذه الوسائط الجوية ، وأثرها على مناورة قوات العدو في الضفة الغربية . والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .