تجارة الكورونا
بقلم / ناصر ناصر
17-3-2020
دفع 1-6% من المصابين بفيروس الكورونا حياتهم ثمناً لعجز البشرية عن مواجهة هذا الفيروس الجديد ، فيما لا يمكن إحصاء الخسائر الاقتصادية والتي ستبلغ مئات المليارات من الدولارات على الأقل ، ونتائج الكورونا عموماً ما زالت مفتوحة وغير واضحة ، فالأزمة ما زالت في ذروتها ، ومع ذلك يمكن الاشارة لبعض " الرابحين " من هذه الأزمة ، فمصائب قوم عند قوم فوائد ، وبعبارة أدق مصائب قوم عند الطغاة مكاسب ، فالأزمات والعيش في ظل الخوف والرعب والهلع يخدم في أغلب الاحيان السلطات والقادة الذين يسعون لمزيد من السيطرة والتحكم ، ومن أبرز الأمثلة على ذلك من سيتضح لاحقاً كتاجر الكورونا الأول في المنطقة وهو رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو .
منحت أزمة الخوف المبالغ به من الكورونا نتنياهو فرصة تاريخية ، وعززت من مواقفه اتجاه خصومه بعدما تلقاه من دفقة حياة أخرى من نتائج انتخابات الكنيست ال 23 ، فدعا خصومه للتوحد والتعالي عن الخلافات لمواجهة خطر الكورونا ، وبذا فرقّت الكورونا بين نتنياهو وصديقه ترامب والذي تعرضه الأزمة وتداعياتها الاقتصادية الصعبة على امريكا لخطر خسارة الانتخابات الرئاسية القادمة في الولايات المتحدة ، وقد تكون هذه هي إحدى الحالات النادرة التي تفترق فيها مصالح الزعيمين بعد ان اتفقت في معظم المواقف خاصة نقل السفارة للقدس وإلغاء حقوق الفلسطينيين في صفقة العصر .
لا يحتاج نتنياهو لإعلان حالة الطوارىء او استخدام بعض قوانينها كما فعل السبت الماضي بسماحه لجهاز الامن العام ( الشاباك ) باستخدام منظومة متابعة رقمية لكل مصاب بمرض الكورونا من خلال اختراق الهواتف النقالة ، فدولة الاحتلال قائمة في الأصل على قوانين الطوارىء التي يعاني منها بالأساس الفلسطينيون داخل الخط الأخضر ، وقد يعني هذا انضمام ما يقارب 20 % من اليهود لدوائر المتابعة الأمنية من قبل الشاباك، فوفق القانون الاساس للحكومة من سنة 1992 فعلى الكنيست ان تقرر سنوياً تمديد حالة الطوارىء وهذا ما يحدث فعليا باستمرار ، وهي احدى ( ميزات ) الديموقراطية الاسرائيلية المتهالكة .
تجدر الإشارة الى ما تقوم به سلطات الاحتلال من استغلال لأوضاع الكورونا بممارسة المزيد من القمع والقهر ضد الفلسطينيين بشكل عام وضد الاسرى الفلسطينيين داخل السجون بشكل خاص ، حيث منعتهم وفي هذا الظرف بالذات من شراء العديد من المستلزمات الغذائية ، ومنها مواد تنظيف بحجج واهية ، وعلى أمل ان يغطي غبار الكورونا ( المكثّف )على هذه التجاوزات والانتهاكات .
ومن جهة أخرى تستخدم حكومة الاحتلال مبرر الكورونا لضمان التهدئة الأمنية مع قطاع غزة دون أي تقدم حقيقي في مسار التهدئة ، فهي بارعة في استخدام المبررات ، فقبل أشهر كان مبرر ( ورطة تشكيل حكومة ) واليوم مبرر الكورونا .
سمحت الكورونا لنتنياهو وأمام ناظر أعين المعارضة ( المغيوظة ) بالتفرد باتخاذ القرارات في كل ما يتعلق بتنظيم حياة المواطنين تحت ستار مواجهة الأزمة ، والأهم من ذلك فقد سمحت له ورغم كونه المتهم الأول بقضايا الغش والخداع والخيانة بإغلاق المحاكم في اسرائيل ، وبالتالي تحقيق هدفه بتأجيل موعد محاكمته لشهرين إضافيين أي 24-5 مما يعزز إمكانياته بالتملص والمراوغة .
من الواضح ان مشكلة الكورونا هي حقيقية وجدية وخطيرة ، ولكن طريقة تعامل بعض الطغاة معها ومنهم نتنياهو هي المشكلة ، وتحديدا من حيث الادارة الفردية وطريقة اتخاذ القرار بعيداً عن المؤسسات المنتخبة ، وكذا الاستعراضات الإعلامية واستخدام الأمر في المناكفات السياسية الداخلية مما أظهر ضعف وهشاشة مقولة " الديموقراطية الوحيدة المزدهرة في الشرق الاوسط "، ولا عجب فإن دولة استعمار استيطاني قامت على اساس الابادة والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين ، لا يمكن لها الا ان تكون كذلك ، ولكن جديد الكورونا هو إظهار ضعف ديموقراطية ( دولة اليهود ) أمام اليهود أنفسهم ، فلا تداول سلس للسلطة في عهد ( الملك الفاسد ) نتنياهو ولا قدرة على محاسبة الخارجين عن القانون ، بل مزيداً من اختراق خصوصيات حتى ( أبناء الشعب المختار ) .