هل يُقدم العدو على مناورة برية واسعة في شمال الضفة الغربية؟

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

قراءة استشرافية 

مقدمة

لأن ( العليق يوم الغارة ما بينفع ) ؛ يأتي طرح هذا السؤال الإفتراضي بهدف تصور الموقف الميداني في حال أقدم العدو على مثل هذا الإجراء في قادم الأيام ، حيث أن المراقب لمناورات العدو اليومية ضد مدننا وقرانا في الضفة الغربية ، يرى تطوراً في الإجراءات ، وشراسة في التنفيذ ؛ ففي الوقت الذي كان العدو يستخدم فيه جرافات مدولبة أمام قواته من أجل التعامل مع ما يضعه المواطنون والمقاومون من عوائق ومتاريس لسد طرق تقدمه أو إعاقته أو حرف مساره ؛ أصبح الآن يحرك أمام آليات الهندسة هذه آليات مجنزرة من نوع الـ D9   وأخواتها ، فتجرف و( تحرث ) الأرض حرثاً . ولما بدأ المقاومون بزرع عبواتهم تحت الأض ، وعلى جوانب الطرقات ، وعلى أعماق أبعد مما قد تصله (شوكة) جرافات الـ D9 ، رأينا العدو يدفع بالـ ( بواگر ) المخصصة للحفر حتى مسافات تصل المترين عمقاً ، فتنزع كل ما زُرع أو جُهز من عبوات ونسفيات . إذن فالعدو يطور إجراءاته وفقاً لتطور عمل المقاومة والمقاومين ، الأمر الذي يتطلب مواكبة ومراقبة تطور إجراءات العدو وتقدمها ، والبحث عما يمكن أن يحد من فعاليتها ، وصولاً إلى إفشالها ، ومنع العدو من تحقيق أهدافه منها . وفي هذا السياق ، تأتي هذه الورقة لتطرح هذا السؤال ، وتحاول الإجابة عليه ليبنى على الشيء مقتضاه ، إنطلاقاً من القاعدة التي تقول : أن العاقل لا ينم لعدوه ولو كان نملة . إن الإجابة على هذا السؤال تفترض الإجابة على مجموعة من الأسئلة أخرى ؛ نطرحها ونجيب عليها تباعاً ، لتساعد في فهم الموقف وتصوره ؛ ومن أهم هذه الإسئلة : 

  • ما هو تعريف المناورة إبتداءً ؟

كون الحكم على الشيء وفهمه فرع من تصوره ، دعونا نبدأ أسئلتنا بتعريف المناورة ؛ حيث يذهب البعض ـ ونحن منهم ـ إلى أن مصطلح المناورة يمكن أن يطلق على أي إجراء تعبوي يمكن أن يقوم به التشكيل أو الوحدة العسكرية ؛ فالمسير مناورة ، والتدريب مناورة ، والانتشار التعبوي مناورة ، و ... . يذهب آخرون إلى تعريف المناورة تعريف أكثر تحديداً ، فيعرفونها على أنها : عملية تعبوية الغاية منها حشد ونشر وسائط قتالية ـ بشرية و / أو مادية ـ وتشغيلها كمنظومة نار واحدة ، في سياق تحقيق أصل الهدف من العملية العسكرية . وهذا تعريف نتبناه أيضاً كما يتبناه غيرنا . وهنا يمكن أن نطلق على كل عمليات التوغل والاقتحامات التي يقوم بها العدو كل يوم لمدننا وقرانا ، يمكن أن نطلق عليها مسمى المناورة ؛ حتى لو قصر وقتها ، وقلت القوات المشاركة فيها . 



  • لماذا جعلنا فرضية المناورة أنها قد تكون في شمال الضفة الغربية ؟

السؤال المهم الثاني المطروح في هذه الورقة الاستشرافية هو سبب تحديد جغرافيا عمل العدو في محافظات شمال الضفة الغربية ، وهنا لن نطيل الحديث ؛ فواقع الأمور ، وتطور الموقف الميداني الذي جعل من محافظات الشمال ومدنه ، بدءاً من طوباس ، فنابلس فجنين فقلقيلة ، مروراً بطول كرم  دون أن نغفل عن طمون  ، جعل منها بؤراً للمقاومة ، وخزانات لقدرات بشرية ومادية للمقاومين ، الأمر الذي يفرض على العدو التفكير الجدي في عمل جذري مضاد ، يعق تطور العمل المقاوم هناك ، ويمنع تطوره إلى أطول مدة زمنية ممكنة ، الأمر ـ إعاقة تطور المقاومة ـ ما عادت تجدي معه إجراءات الأمن الجاري التي يقوم بها االعدو بشكل يومي ، لذلك قد يعمد العدو إلى إجراءات أكثر شمولاً وخشونة وجذرية ، على شاكلة عملية السور الواقي 2002 ، ولكن بصورة أقل زخماً وحدة . 

  • ما هي أركان مناورة العدو ؟

يأتي الحديث عن أركان مناورة العدو كونه يساعد في ملاحظة قرائنها ومؤشراتها ، ومرتكزات نجاحها ، لمحاولة ضرب هذه المرتكزات ، وتلك الأركان لإفشال هذه المناورة ، أو على الأقل تقليل فرص نجاحها ، ومن أهم أركان مناورة العدو أنها مناورة برية ؛ بمعنى أن عمدة قواتها سوف تكون من صنف القوات البرية ، كون مناطق العمل المتوقعة مناطق برية ، إذن فالتهديد أرضي في مجمله وأصله . أما الركن الثاني من أركان مناورة العدو فهو وجود نار تمهدية ؛ وحيث أن منطقة العمليات تفتقر إلى خطوط حد ، وحواف قتال أمامية ( حامق ) من قبيل تلك المتعارف عليها في العمليات العسكرية التقلدية ، فإن الهدف من النار التمهيدية لمناورة العدو في منطقة العمليات هذه هو : استفزاز المقاومين ، وكشف انتشارهم ، ودفعهم للخروج من أماكنهم المحصنة ، ليسهل على العدو تصيدهم بوسائطه الجوية ، أو الأرضية الموجة من الجو . أما الركن الثالث والأخير من أركان مناورة العدو فهو الجهد السيبراني الالكتروني : بحيث يسيطر العدو على الموقف الالكتروني في منطقة العمليات ، فيتنصت على من يشاء ، ويتعقب من يشاء ، ويشوش على من يشاء ، ويستهدف بشكل مُركّز من يشاء ، و يعطب كثيراً من الجهود الهندسية المعتمدة على التقنيات الالكترونية ، وهذا أمر يجب أن يفطن له ، فالوحدة 8200 تنشط في مثل هذه المواقف القتالية ، وتقدم أكبر خدمة للقوات المناورة في منطقة العمليات . 

  • ما هي عناصر نجاح مناورة العدو ؟

وحتى تنجح مناورة العدو البرية ، فإنه بالعموم ، يعبئ لها ما يلزم من قدرات ، ويواكبها بكثير من الإجراءات ، ومن أهم العناصر التي تؤمن النجاح للعدو في مناورته ما يأتي : 

  1. التفوق الاستخباري : بحيث يعبئ العدو كامل طاقته الاستعلامية ؛ البشرية والتقنية ، ليوفر لقوات المناورة أفضل معرفة وفهم لساحة المعركة .
  2. تفوق جوي : وحيث أن المقاومة لا تملك قدرات جوية مضادة ، فإن العدو يسرح ويمرح في أجواء منطقة العمليات عبر وسائطه الجوية المأهولة وغير المأهولة ، بحيث يُسطّح ميدان المعركة ، ويكشف نقاطها العمياء ، ويحبط التهديدات ، ويليّن الأهداف ، بحيث تقل مجهولات ومخاطر ومفاجأت الميدان ، فتنفذ المهام بأسرع الأوقات ، وأقل الأثمان .
  3. تفوق رقمي : وهذا تحدثنا عنه سباقاً فالوحدة 8200 ترافق بإجراءاتها قوات المناورة ، بحيث توفر لها تفوقا ً رقمياً ، يساعد في حسم الموقف ، وكشف خباياه ومجاهيله .
  4. مواكبة سياسية : فنحن في زمن حرب الصور والسرديات ، وينجح من يقدم قصته ، ويبرر سلوكه بالشكل المطلوب ، وهذه مهمة الساسة والسياسين ، والإعلام  والناطقين الرسميين .
  5. صمود الجبهة الداخلية : فإن تهددت جبهة العدو الداخلية ؛ تضعضعت إجراءاته الميدانية ، الأمر الذي يجب أن يُفطن له مبكراً ، وتوضع له التدابير المناسبة .
  • ما هي الدوافع الرئيسية لقيام العدو بمناورة واسعة في شمال الضفة الغربية ؟

حيث أن العدو يخوض حرباً في الجنوب ، وأخرى في الشمال ، فالمنطق والعقل يقول أنه ـ العدو ـ يفترض أن يكون في غناً عن ( حرب ) في الوسط ليقدم على خوضها وفتح نارها ؛ ولكن في حال توفرت مجموعة من الظروف الموضوعية فإن العدو قد يذهب نحو مناورة أوسع وأشمل وأطول زمناً من إجراءات أمنه الجاري اليومية ، ومن هذه الظروف الموضوعية ما يأتي : 

  1. تبلور تهديد حقيقي ذو مصداقية في هذه الجغرافيات ، لا تصلح معه إجراءات الأمن الجاري الحالية ، كأن يصل العدو إلى تقدير أن المقاومة راكمت من القدرات قتالية البشرية والمادية ما يشكل تشغيلها خطراً على أصل مشروعه الاحتلالي والاحلالي في الضفة الغربية ، عنينا به مشروع الاستيطان ؛ بشراً وحجراً .
  2. توفر معلومات عن هدف ـ بشري أو مادي ـ ذو قيمة في هذه الجغرافيات ، لا يمكن أن يتم تحييده عبر إجراءات الأمن الجاري العادية ، أومناورات الاقتحام والمداهمة اليومية ، أو العمليات الأمنية التقليدية.
  3. وجود تقدير مهني ، يسنده قرار سياسي بعدم جدوى الإجراءات الأمنية الروتينية في كي وعي الحاضنة الشعبية للمقاومة ، الأمر الذي يتطلب تشغيل قدرات عسكرية تحفر في وعي المواطنين حفراً عميقاً ، بحيث يجبرون على الانقلاب على المقاومة والابتعاد عنها ، أو التعاون مع العدو ، أو الوقوف على الحياد بين المقاومة والمحتل ، وهذا أضعف الإيمان .
  4. حصول العدو على معلومات ذات مصداقية مؤداها أن المقاومة في هذه الجغرافيا ، أو في جزء منها ، وكنتيجة لتغول أجهزة أمن سلطة الحكم الذاتي ، وعدائها للمقاومة ، وتعاونها العلني والسري مع العدو ، وعدم ارعوائها ، وصدورها في غيها ، توفر معلومات للعدو تقول أن مجاميع المقاومة في صدد السيطرة على مقرات أو منشآت هذه الأجهزة ، الأمر الذي يتطلب مناورة واسعة تحول دون المقاومة وتنفيذها مثل هذه المهمة التي لا تصب في صالح العدو وإجراءاته وأمنه ومصلحته .
  • ما هي الأهداف الرئيسية من مناورة العدو إن قرر القيام بها ؟
  1. تدمير قدرات بشرية و مادية متحصنة في عمق المناطق الجغرافية .
  2. كي وعي الحاضنة الشعبية ، ودفعها نحو الانقلاب على المقاومة .
  3. دفع المواطنين للبحث عن جغرافيات أكثر أمناً واستقراراً ، مما يساعد في التضييق على حركة المقاومة وتطور أعمالها .
  4. رفع منسوب الأمن للمستوطنين في أمكان سكنهم ، وعلى طرق تنقلهم .
  5. السيطرة على موارد مائية أو رعوية أو زراعية .
  • ما هي فكرة المناورة المعادية ؟

تقوم فكرة المناورة العدو ، وحتى تحقق الهدف مطلوب منها ، على ثلاثة إجراءات كلية هي عبارة عن : 

  1. التقرب من الجغرافيا محل الهدف .
  2. محاصرتها ، وعزلها عن محيطها .
  3. تطبيق إجراءات ( قِدر ) الضغط ، وليس ( طنجرة ) الضغط ، كون المساحة أوسع وأكبر ، على أن لا يُحكَم إغلاق هذه ( القدر ) ؛ بحيث يترك معبر ( آمن )  للمواطنين لأخلاء الجغرافيا  والخروج منها ، وترك المقاومين يواجهون مصيرهم ، الأمر ـ خروج المدنيين ـ  يُمكّن العدو من تشغيل قدرات نارية ذات فعالية أكبر مما لو بقي هؤلاء المواطنون في بيوتهم وأحيائهم .
  • ما هي اتجاهات المانورة ؛ الرئيسية والفرعية ؟

حيث أن جغرافيا شمال الضفة الغربية ، تعج بالقواعد العسكرية ، وتخترقها طرق مواصلات طولية وعرضية ، الأمر الذي يوفر للعدو مروحة واسعة من خيارات العمل ، ومحاور التقدم ، مما يعني صعوبة التنبئ بسير حركة العدو ، فمحافظة جنين مثلاً على محيطها خمسة مواقع عسكرية :  الجلمة ، سالم ، دوتان ، برطعة، شاكيد ، وطول كرم فيها القاعدة 407 / جبارة . أما نابلس ففيها : قاعدة حوارة ، وشافي شمرون ، وحاجز صرة . أما طوباس فإنها ( تنعف نعف) بالقوات ففيها : قاعدتي بيليس وبكعوت ، ومعسكرات إيساف وتياسير وميحولا . وهذا موقف ميداني يحيل التنبؤ باتجاه المناورة ومحاور تقدمها أمر شبيه بالضرب بالرمل !! 

  • ما هي القرائن والمؤشرات على التحضير للمناورة ؟

في ظل هذه ( الزحمة ) في القوات والمواقع كما أشرنا في العنوان السابق ، وحيث أن الموقف الميداني على هذا النحو ، فإن أفضل طريقة للتنبؤ باتجاه مناورة العدو هي : رصد ومتابعة ظهور بعض القرائن المؤشرات التي تدل على بدئ التحضير لها أو بدئها ، ومن أهم هذه القرائن والمؤشرات ما يأتي : 

  1. حشد غير عادي ـ كماً ونوعاً ـ للقوات المعادية على حواف المدن والمحافظات الشمالية .
  2. نشاط جوي ؛ مسير أو مأهول ، خارج عن المألوف اليومي .
  3. نشاط استعلامي استخباري ميداني خارج عن المألوف أو المعتاد عليه في مواقف عمليات الأمن الجاري المعادي .
  4. ضربة موجعة تجبي من العدو دماء وخسائر ، إنطلاقاً من هذه الجغرافيا . تدفع العدو للقيام بمثل هذه المناورة .
  5. زيادة مستوى إجراءات التأمين والحماية في محيط الـ ( مغتصبات ) وعلى طرق مواصلاتها .
  6. هدوء ، وقلة حركة غير مألوفة أو عادية على طرق مواصلات المغتصبات التي تقطع مدننا وقرانا في هذه الجغرافيا .
  • ما هي الإجراءات الدفاعية والوقائية لتقليل الأضرار والخسائر المتوقعة لمثل هذه المناورة ؟

أما عن الإجراءات الدفاعية والوقائية لمواجهة مثل هذه المناورة في حال حدوثها فإن أهم ما يمكن القيام به هو : 

  1. تسليح الأرض وتجهيزها بشكل مسبق .
  2. تحديد الأهداف الذاتية ـ البشرية والمادية ـ  المتصور تعرض العدو عليها ، الأمر الذي يساعد في تحديد اتجاهات الهجوم وجهوده المعادية ، كما يساعد في تحديد نوع الإجراءات الدفاعية المطلوب القيام بها .
  3. تقسيم مناطق العمليات بين مختلف فصائل المقاومة .
  4. الابتعاد عن الاشتباكات الحاسمة مع العدو .
  5. تجنب الاستفزاز ، والابتعاد عن ردات الفعل غير المدروسة والمُهدفة .
  6. الصمت و ( والتطهير ) الإلكتروني لمناطق العمليات والاشتباكات .
  7. تهيئة وتحضير ما يساعد في صمود الجبهة الداخلية ، ويرفع من مستوى تحملها ومقاومتها .

الخلاصة

لا نعتقد أن العدو سوف يقوم في الفترة القادمة ـ ثلاثة أشهر على الأقل ـ على عمل مناورة برية واسعة في مناطق شمال الضفة الغربية ، ما لم تتوفر الأسباب الموضوعية لها ، إلّا أننا لا نستبعد أن يقوم العدو بعمل استعراض قوة تعبوي الهدف منه فحص جاهزية القوات تحت قيادة قائد المنطقة الوسطى الجديد الجنرال " أفي بلوط " ، وقدرتها على العمل المشترك والتنسيق بين مختلف صنوف القوات تحت الإمرة ؛ الأمر الذي استدعى كتابة هذه الورقة الاستشرافية ، والتي تحتاج إلى مزيد من البحث والتفصيل من قبل أهل الفن والكار ، ليبنى على الشيء مقتضاه ، وحتى لا نُعلّق (علايقنا) يوم غارتنا . والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون . 



جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023