مركز الثقل دلالات المصطلح والمقتضيات

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

أولاً : تمهيد : 

" والجبال أوتاداً " ، "عمود الخيمة و/ أو واسطها " ، " مركز ثقل الجسم " ، " مركز ثقل العمليات " ، كلها مصطلحات تدل على أمور ؛ وإن اختلفت مصاديقها ؛ إلّا أنها تشير إلى شيء مهم يسترعى الانتباه ، ويجذب نحوه الأنظار ، أمرٌ يرى أثره الإنسان العامي قليل الثقافة والعلم ، كما يلمس أهميته عالم الفيزياء المتخصص ، وهو ـ المصطلح ـ لا يغيب عن أي قائد عسكري عند التخطيط أو التوجيه أو وضع مسار لبناء القوات . وحيث أننا في أجواء حرب ومعارك ؛ في جنوب فلسطين حيث غزة وملحمتها ، والضفة الغربية واشتباكاتها وتعرض العدو لها وعليها ، وفي الشمال حيث " حزب الله " ومعركته مع هذا العدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا ، وفي الوقت الذي بدأ العدو وعلى لسان ( حامي ) الرأس وزير دفاعه الجنرال " يواف غالنت " بالحديث عن نقل " مركز ثقل " عمليات جيش كيانه المؤقت إلى هذه المنطقة الحدودية ، وحيث أننا بدأنا نرى قرائن هذا النقل وشواهده من خلال نقل الفرقة النظامية 98 لتنتشر في منطقة العمليات الشمالية ، لتشارك الفرقة 36 مهمة واجب توسيع وضعية جيش العدو إن قرر التوسيع ، أو ما قام به من عمليات غدر كعملية البيجر واللاسلكي في 17 و 18 09 2024 ، وما لحقه من عملية اغتيال في 20 09 2024 لركن عمليات " حزب الله " الحج عبد القادر تقبله الله وإخوانه وأركانه في الشهداء السعداء ، حيث أن الموقف كذلك ؛ تأتي هذه الورقة لتجيب على سؤال : ما هو " مركز الثقل " ؟ وما هي دلالاته وأهميته ومقتضى وَسم شيء بِوسمه في العلوم العسكرية ؟ هذا ما ستحاول هذه الورقة الإجابة عليه بشكل مقتضب ، تاركين لأهل الاختصاصات الرياضية والفيزيائية تعريف هذا المصطلح بناء على علومهم وقواعدها ، فلن نتحدث عنه لا رياضياً ، ولا فيزيائياً .     

ثانياً : تحرير المصطلح :

عندما يُطلق قائد عسكري أو أمني مصطلح " مركز الثقل " على مكون من مكونات مسار بناء قواته أو تشغيلها ، فهو يعني في التعريف الأول المرتبط بالمسار ؛ أن هذا الجزء من المسار البنائي هو الذي سوف تحشد الجهود والقدرات لبنائه والحافظ عليه وتأمين بقائه وإبعاده عن المخاطر والتهديدات ، كون بنائه ومده بأسباب القوة والدوام يعني القدرة على تحقيق الأهداف وبلوغ الغايات . أما في التعريف الثاني المرتبط بالتشغيل ؛ فعندما يقال أن " مركز ثقل " تشغيل القوات هو المكان الفلاني أو المحور الفلاني ، فهذا يعني : حشد أكبر كم من القدرات النارية والصنوف القتالية للعمل على هذا المحور أو ذاك الاتجاه ، كون تحقيق أصل الهدف من العملية العسكرية أو المناورة القتالية يتحقق بالوصول إلى هذا الهدف أو تلك الغاية . هذا باختصار شديد ودون الخوض في تفاصيل فنية وتخصصية ( بتوجع ) الرأس.  

ثالثا : المكانة والأهمية

تبرز أهمية وجود " مركز ثقل " في مسار بناء القوات وتشغيلها ، في ما يأتي من نقاط : 

  1. تُرتب بناء عليه الأولويات

في خضم بناء الأجسام والهياكل التنفيذية أو الأدارية ، تكثر التفاصيل ، وتتعدد الواجبات ، وكلٌ يدّعى أهمية ما يقوم به ، وضرورة التركيز عليه ، والكل يحاول أن ( يشد اللحاف عليه ) ، وحيث أنه ليس هناك كيان سياسي أو عسكري مطلق القدرة ، غير محدود الإمكانيات ، لذلك يأتي تعريف جزء من العمل أو النشاط على أنه " مركز الثقل " لترتب بناء على هذا التعريف تلك الأولويات المتضاربة  أو المتصارعة ، وينظّم تموضعها في مسار يفضي إلى تحقيق الأهداف بأقل الأكلاف . 

  1. تخصص القدرات :

وعليه ، وعندما يعاد تُرتب الأولويات و( رصفها ) بناء على الأهمية والفورية  التي فرضها تحديد " مركز الثقل " ؛ عندها يعاد تخصيص القدرات التي تحقق أصل التسمية أو الوسم للموسوم بالمركزية ، فتحشد الطاقات البشرية والمادية أولاً لتلبي مقتضى الصفة ، ثم يعطى بعد ذلك لكل ذي حق حقه من المتطلبات البشرية والمادية والإدارية .  

  1. يمنح التوازن لعملية البناء والتشغيل

ومن أهم ما يضفيه تحديد " مركز الثقل " على عملية بناء القوات ؛ منحها حالة من التوازن ؛ فلا يتضخم شيء على حساب شيء ، ولا تظهر هناك ( تشوهات ) بنوية في الهياكل والتنظيمات والاستعدادات ، في الوحدات أو التشكيلات القتالية والإدارية . 

رابعاً : مقتضى الوسم  : 

عندما يتم تسمية أو وَسم جزء من القوات ، أو منطقة من مناطق العمليات على أنها "مركز الثقل " فهذا يعني أنه يجب : 

  1. أن تخصص القدرات البشرية والمادية والإدارية ، لسد حاجتها ، ثم ينظر إلى باقي الجسم فيعطى ما يقيم أوده ، ويعينه على تنفيذ مهمته ، ولعب دوره . 
  2. أن تخصص لها أو له ، من القدرات والإمكانيات ما يؤمن أمنه أو أمنها ، ويحفظها أو يحفظه من التهديدات والمخاطر التي يمكن أن تتعرض له ، أو يتعرض لها ؛ فبقاء المشروع ـ مطلق مشروع ـ منوطٌ ببقائه ، وزواله مرتبط بزواله. 
  3. يجب أن تكون لـ " مركز الثقل " هذا " نقاط ارتكاز " متعددة ، بحيث لا يختل توازنه إذا ضرب أو أصيب أثناء البناء أو التشغيل ، فوجود " نقطة ارتكاز " واحدة لـ " مركز الثقل " يعني أن الإضرار به و( خلخلة )توازنه  ممكن وسهل ، وهنا قد تكون " نقاط الارتكاز " هذه بشرية أو مادية أو إدارية أو جغرافية ؛ حيث أن " مركز الثقل " يمكن أن يكون بشرياً أو مادياً أو إدارياً أو جغرافيا . وفي هذا تفصيل يطول . 

خامساً : مقتضى تحول " مركز ثقل " العدو إلى الشمال

  1. تخصيص القدرات البشرية والمادية والإدارية لتلبية حاجة التشكيلات المنتشرة في منطقة العمليات الشمالية .
  2. تركيز الاهتمام القيادي سياسياً وعسكريا على الجبهة الشمالية .
  3. زيادة الصلاحيات للقيادات الميدانية . 
  4. إعادة النظر في التدابير القتالية السارية حتى الآن على منطقة العمليات الحالية . 
  5. زيادة الكثافية النارية من مختلف الوسائط القتالية . 
  6. إمكانية تنوع المناورات القتالية ، بين اشتباكات نارية ، وحتكاكات برية ، أو إنزالات جوية وإبرارات بحرية . 
  7. خفض الوتيرة القتالية في الجبهة الجنوبية . 

كانت هذه التفاتة سريعة ، حول " مركز الثقل " تعريفاً ومقتضى ، وما يترتب على حديث " غالنت " الذي ( طبل ) الدنيا فيه ، حول تحول " مركز ثقل " عمليات جيش الكيان المؤقت إلى الشمال ، لم نريد الإطالة ولا التفصيل في هذا البحث التخصصي ، وإنما هي ( معالم على الطريق ) . والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون . 

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023