في المكان الذي فشلت فيه اللياقة، ترامب كسر كل القواعد وأنشأ شرقاً أوسط جديداً

حضارات

مؤسسة حضارات

المصدر : معاريف

بقلم : الممثلة الإسكتلندية إيلي لاون

كتب الكاتب المسرحي الأسطوري ويليام شكسبير، الذي فهم جوهر الدراما أكثر من أي شخص آخَر، ذات مرة: "العالم كله مسرح، ونحن جميعاً ممثلون." هذا كان قبل عصر التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي، ولو كان حياً اليوم، أو انتقل إلى المستقبل في آلة الزمن التي لم يطورها إيلون ماسك بعد، ربما لَكان غيّر جملته إلى: "العالم كله ترامب، ونحن مجرد ممثلين ثانويين"، وذلك بعد أن يسأل طبعاً: "أي لغة يتحدث الرئيس الأميركي؟"

ومَن لا يزال رافضاً أن يستوعب، فقد حصل أمس على دليل إضافي على أننا نعيش في عالم دونالد ترامب؛ فزيارته القصيرة لإسرائيل ومصر أظهرت التغيير الذي يصعب على كثيرين تقبُّله، فالرئيس الـ47 للولايات المتحدة يعيد تشكيل الشرق الأوسط بطريقة لم يكن أحد ليتخيَّلها، حتى شكسبير نفسه.

لا أحد يعلم فعلياً ما الذي سيحدث في المرحلة الثانية، وحتى تفاصيل الاتفاق الذي وقّعه ترامب باحتفالية في شرم الشيخ غير معروفة، لكن الجميع يشعر بأن الأمور ستنتهي بصورة جيدة.

في العالم القديم، قبل ترامب، كان الرؤساء الأميركيون يتصرفون برزانة وبرئاسية، ويحافظون على مسافة دبلوماسية، ويتعاملون بأدب مع نظرائهم، ويصدرون بيانات متوازنة تدعو الطرفين إلى التحلي بالمسؤولية، ثم يرسلون دبلوماسيين محترفين ومحنكين… والذين كانوا غالباً يفشلون في مهمتهم في تهدئة الأوضاع في الشرق الأوسط.

أمّا ترامب، فهو شيء آخَر تماماً؛ إذ قام بتعيين صديقه من مجال العقارات ستيف ويتكوف، الذي لا يملك خبرة تُذكر في قضايا الشرق الأوسط، كمبعوث خاص له، وفي أقل من 9 أشهر، تمكّنَا، بمشاركة وظهور مفاجئَين من صهره جاريد كوشنر، من إنهاء حرب استمرت لعامين.

لقد كسر ترامب كل القواعد المعروفة؛ إذ ألغى حظْر الأسلحة الذي فرضه بايدن، وصادق على ضربات إسرائيلية داخل إيران، وقصف المنشآت النووية الإيرانية، وسمح لإسرائيل بشن غارات على قطر، ثم مباشرةً طَلَبَ من نتنياهو الاعتذار، ووقّع مع القطريين اتفاقية دفاع مُحسَّنة، وأقام لهم مركزاً عسكرياً للتدريب على الأراضي الأميركية، وسمح لكوشنر وويتكوف بلقاء أحد كبار قياديي "حماس"، خليل الحية، بحسب تقرير "أكسيوس" لإقناعه بخطة النقاط العشرين الأميركية، ونجحا.

بدت الأجواء  في الكنيست وكأنها استنساخ لحالة الكونغرس الأميركي خلال خطاب حالة الاتحاد: جُمَلٌ قصيرة وتصفيق متواصل. لقد كان ترامب مرتاحاً تماماً ليلقي خطاباً يجمع بين الكوميديا الارتجالية وتيار الوعي والنص المكتوب، ومَدَحَ رئيسَ هيئة الأركان على مظهره "السينمائي"، وأثنى على يائير لبيد، وطالب الرئيس هرتسوغ بأن يمنح نتنياهو عفواً. وخلال الخطاب، كان الشعور العام أننا "كلنا عائلة واحدة".

ومن مفارقات عهد ترامب أن إسرائيل معزولة أكثر من أي وقت مضى، وتعتمد بصورة غير مسبوقة على الرجل الذي يجلس في المكتب البيضاوي، وأصبحت معاداة السامية توجُهاً رائجاً على مواقع التواصل، والسفر إلى دول أوروبية بات أمراً محفوفاً بالمخاطر، وكأنه زيارة إلى بغداد.

ومع ذلك، فإن هناك اتفاقيات سلام تاريخية تلوح في الأفق: مع سورية ورئيسها الجهادي، ومع لبنان وحزب الله الضعيف، ومع السعودية، ومع إندونيسيا ودول إسلامية أُخرى، على الرغم من أن أغلب شعوبها ما زالت تكره إسرائيل.

من الأفضل أن تنضموا إلى التجربة، لأنه لا خيار أمامنا في الواقع.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025