حين يتسلل الاحتلال من الهاتف إلى المائدة: المقاطعة كسلاح الشعوب

يتباهى الاحتلال "الاسرائيلي" بسيطرته الاقتصادية على كثيرٍ من الحقول التجارية والتكنولوجية حول العالم، ليجبر العالم على التعامل معه وفق سياسة الأمر الواقع، حيث إن الناظر للحقول الغذائية يجد أن الجيد منها ما هو "اسرائيلي" أو يدعم "اسرائيل" وينافس في السوق التجارية بأسعارٍ معقولةٍ وجودةٍ عالية تثبت ذاتها حول العالم.

وعلى الصعيد التكنولوجي يعتبر الاحتلال "الاسرائيلي" من أصحاب البصمة الكبرى في مجال التكنولوجيا الحديثة، وقد صرح بذلك رئيس الوزراء "الاسرائيلي"بنيامين نتنياهو خلال حديثه مع وفد يقوده وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو مؤخرًا في القدس الغربية، حيث كان يتحدث عن الصادرات والمساهمات "الإسرائيلية" في مختلف الجوانب متسائلًا عن امتلاكهم لهواتف ذكية: "أنت تحمل هاتفًا ذكيًا إذن أنت تحمل قطعة من دولة اسرائيل"، ليظهر الهيمنة "الاسرائيلية" على العالم بشكلٍ عام والمنطقة بشكلٍ خاص.

كما يعتبر الاحتلال من أهم المهتمين بمجال الذكاء الاصطناعي حيث وظّف ذلك خلال حربه على غزة خلال مايو 2021 وحرب طوفان الأقصى 2023-2025، وعلى الرغم من الأخطاء التي ارتكبها لاعتماده على منظومة الذكاء الاصطناعي إلا أنه استفاد منها لتطوير دقتها وارتفاع معدلات إصابتها باحترافيةٍ عالية.

أما على الصعيد السياسي، فقد تمثلت المقاطعة برفض التطبيع الرسمي ومناهضة الاتفاقيات الرامية لدمج الاحتلال مع دول الاقليم، لتؤكد الشعوب من خلالها على مركزية القضية الفلسطينية لدى الشعوب العربية والاسلامية.

بالإضافة للتركيز على الجانب الثقافي والإعلامي، حيث عمل النشطاء العرب والمسلمون على نقض الرواية "الاسرائيلية" بتعزيز الوعي بخطورة التطبيع الثقافي والفني والتجاري بوصفه أحد أدوات اختراق القلب العربي والاسلامي بطريقةٍ ناعمة.

ونظرًا لما تشكله المقاطعة العربية والاسلامية للشركات التجارية والمؤسسات العالمية من أهمية كبرى فإن محاربة الاحتلال لها تتزايد يومًا بعد يوم لاعتبارها أحد أهم أشكال المقاومة الشعبية السلمية، حيث تقطع حبال الاقتصاد الذي يتغنى به الاحتلال ومعاونوه على مدار عقود، كما يجعل تكلفة الحروب التي يخوضها الاحتلال باهظة الثمن وليست مدفوعة الفاتورة كما هو المعهود، كما تُضعف حبال السياسةالوثيقة بين الاحتلال وكثير من الدول حول العالم.

وعلى الرغم من ذلك إلا أن المقاطعة لا يمكن لها الاستمرار في النجاح حال بقاءها بذات المنهجية التي بدأت بها منذ سنين عديدة، ومن المتعارف عليه أن مَن لا يتجدد يتبدد خصوصًا في ظل مجابهة احتلال يطور من ذاته يومًا بعد يوم دون توانٍ البتة، وعليه فإن إيجاد بدائل أخرى للمنتجات الواجب مقاطعتها أمر بالغ الأهمية حيث لا يمكن توجيه اللوم على الشعوب حال عدم استمرارها في المقاطعة دون وجود بدائل بذات الجودة والأسعار التي تتمتع بها منتجات المقاطعة.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد أن مقاهي ستاربكس العالمية الداعمة للاحتلال ما زالت مسيطرةً في سوقها الاقتصادي في العديد من الدول إلا أنها تأثرت في دول اسلامية مثل ماليزيا وذلك ليس بسبب التعاطف الماليزي مع القضية الفلسطينية فحسب بل لوجود العديد من البدائل المحلية والمضاهية لستاربكس بأسعاره ومنتجاته، كما يجب توفير مطاعم للوجبات السريعة مثل KFC و ماكدونالدز اللذان يتمتعان بجودة عالية وأسعار في متناول اليد في كثير من البلدان.

أيضًا على الصعيد التكنولوجي، لا شك أن التكنولوجيا الغربية تعتبر المسيطرة على العالم ولكن العالِم بخوارزميات التكنولوجيا يجد أن من الممكن تحقيق اختراق مؤثر فيها لصالح الشعوب العربية والاسلامية عمومًا والقضية الفلسطينية خصوصًا، فالعديد من التطبيقات المصممة "اسرائيليًا" لتسهيل التنقل أو لحماية الأجهزة الالكترونية تكون في ظاهرها حاميةً له لكن مضمونها استخباراتي يهدف لجمع أكبر قدر من المعلومات عن المجتمعات حول العالم.

وفي المقابل لا نجد ما يواجه هذه التطبيقات من حركة المقاطعة التي تضم كافة التخصصات العلمية، ما يجبر الشعوب على التعامل مع التطبيقات المنتجة من الاحتلال سواء علموا حقيقته أم لم يعلموا وفق سياسة الأمر الواقع، الأمر الذي يُفشل حركة المقاطعة بطرق ملتوية.


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025