الأرض تهتز تحت أقدام ترامب وإسرائيل يجب أن تقلق

حضارات

مؤسسة حضارات

معاريف 

زلمان شوڤال

ترجمة حضارات

في الولايات المتحدة، كما في إسرائيل، تتكشف تصدعات في أرضية الحوكمة والوحدة الوطنية، وقد تتسع هذه التصدعات عقب الانتخابات في العام المقبل.

تظاهر نحو سبعة ملايين مواطن أمريكي ضد الرئيس ترامب، وعشرات الآلاف في إسرائيل ضد الحكومة، لكن لا هؤلاء ولا أولئك، أي نحو اثنين بالمئة فقط من السكان، يُعَدّون شريحة تمثيلية لمواطني بلدانهم، ولن يحددوا مستقبل الحكم، رغم أن في تحركاتهم مؤشراً على الاتجاه العام للوضع الاجتماعي والسياسي الداخلي في الدولتين.

وفي الواقع، تظهر في كلتاهما شقوق في أرضية الحكم والوحدة الوطنية، وقد تتسع أكثر فأكثر عقب الانتخابات المقبلة، في الولايات المتحدة لمجلسي الكونغرس، وفي إسرائيل للكنيست.

لا جدوى الآن من الخوض في مستقبل إسرائيل السياسي، طالما أنه من غير الواضح من هم المرشحون الذين سيتنافسون في الانتخابات المقبلة. أما في الولايات المتحدة، فهُوية القوى واللاعبين تتضح بوتيرة متسارعة، والأهم من ذلك أن مضمون الصراع يتضح أكثر فأكثر، ففي الحزب الديمقراطي الذي يفتقر إلى قيادة واضحة، يقف مرشحو التيار الوسطي في مواجهة مرشحين يسعون إلى دفع حزبهم والولايات المتحدة بأكملها نحو أقصى اليسار في الخريطة السياسية والاجتماعية.

هذا الصراع الداخلي يتجلى حالياً في محاولة كل من المعسكرين داخل الحزب الدفع بمرشحيه في الدوائر الانتخابية المختلفة، في أقصى اليسار، أُقيم تنظيم يملك ميزانية قدرها 50 مليون دولار، هدفه تجنيد مرشحين مناسبين، خاصة من فئة الشباب، من أجل تعزيز حضور اليسار المتطرف في الولايات المختلفة، ولا يُخفي قادة هذا التنظيم نيتهم جعل انتخابات عام 2026 مجرد مقدمة لثورة بعيدة المدى في المستقبل، وحددوا عام 2034 كتاريخ هدف لها.

في الجهة المقابلة، أسست شخصيات بارزة في الحزب الديمقراطي أطرا مختلفة لضمان فوز المرشحين الذين يمثلون القيم الليبرالية التقليدية لحزبهم، وأحد هذه التنظيمات، المسمى "وولكوم" (Welcome)، نشر برنامجا ينتقد الميل المتزايد نحو اليسار داخل الحزب، محمّلا إياه مسؤولية الخسائر في الانتخابات الأخيرة.

وسيكون اختبار ملموس لهذا الصراع قريبا في انتخابات حاكم ولاية فيرجينيا، حيث سعت مرشحة الحزب الديمقراطي، أبيغيل سبانبرغر، إلى الابتعاد قدر الإمكان عن التيار اليساري، وعادة ما لا تلعب القضايا الخارجية دورا مهما في هذا الصراع الداخلي داخل الحزب، باستثناء القضية الإسرائيلية-الفلسطينية، التي استخدمها اليسار المتطرف المؤيد للفلسطينيين كوسيلة لجرّ الأجنحة الأكثر اعتدالا في اليسار الديمقراطي نحو مواقفه، حتى قبل حرب غزة.

الانتخابات لرئاسة بلدية نيويورك، إلى جانب أهميتها بالنسبة للمدينة نفسها، تحمل دلالة خاصة لأن المرشحين من الحزب الديمقراطي لمناصب مختلفة، وليس فقط في نيويورك، يرون في نتائجها مؤشرا لاتجاهات الرأي العام. النتائج ستُعرف غدا فقط، لكن إذا فاز زهران ممداني (ومن المعيب أنه فاز أيضا بمساعدة عشرات الآلاف من "الحمقى المفيدين" من بين الناخبين اليهود)، فستكون لذلك ارتدادات في أماكن أخرى.

نيويورك ليست مثل بقية الولايات المتحدة، بل هي أحيانا نقيضها التام، ومع ذلك لا يمكن تجاهل احتمال أن دعم الحزب الديمقراطي لمرشح معاد لليهود ومعاد لإسرائيل في مدينة تضم نسبة مرتفعة جدا من اليهود، يمكن أن يُفسَّر كاعتماد استراتيجية هدفها السيطرة على مراكز القوة السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية. على أي حال، شكّلت الانتخابات في نيويورك تحديا لكلا الجناحين في الحزب الديمقراطي: اليسار المتطرف بزعامة السيناتور بيرني ساندرز، وعضوة مجلس النواب ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، وممداني نفسه، في مواجهة المعسكر الوسطي التقليدي.

أما مكانة الرئيس ترامب بين الجمهور الأمريكي، فعلى الرغم من أنها ليست في ذروتها، إلا أنها لا تزال قوية. فهو يحقق نجاحات في قضايا داخلية وخارجية، سواء كان ذلك بفضل الحظ أو نتيجة قرارات صائبة، ومع ذلك، هناك احتمال أن يفقد الجمهوريون أغلبيتهم الضئيلة في مجلس النواب خلال انتخابات منتصف المدة عام 2026، وهو ما ستكون له تبعات أيضا على السياسة الخارجية والأمنية، بما في ذلك ما يتعلق بإسرائيل.

الدعم الجمهوري لإسرائيل في مجلسي الكونغرس، وخاصة في مجلس الشيوخ، لا يزال ثابتا، وسيبقى كذلك ما لم تتأثر سياسات الرئيس ترامب سلبا من قبل عناصر في معسكره لا يبدون تعاطفا مع إسرائيل، ويرون أن الخطوات التي يتخذها في الشرق الأوسط تتعارض مع الأيديولوجية القومية الانعزالية التي انتُخب على أساسها، وكما هو الحال في الحزب الديمقراطي، يوجد أيضا داخل الحزب الجمهوري تيارات معادية للسامية، حتى بين أقرب مستشاري الرئيس الأيديولوجيين، وبحسب ما قاله السيناتور تيد كروز، فإن أعداد هؤلاء تتزايد باستمرار.

وهذه أيضا حقيقة لا يمكن تجاهلها عند النظر إلى الانقسامات المتزايدة داخل المجتمع والسياسة الأمريكيين.

هناك من يخشون أن يؤدي الانقسام في الولايات المتحدة إلى حرب أهلية، وحتى إن لم يحدث ذلك، فإن الانشقاق الداخلي وتبعاته سيشكلان أمرا ستضطر كلٌّ من يهود الولايات المتحدة ودولة إسرائيل إلى أخذه في الاعتبار عند تحديد توجهاتهما المستقبلية.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025