كيف تورطت الإدارة الامريكية في جرائم حرب في غزة؟

حضارات

مؤسسة حضارات

حضارات

ذكرت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي أمس ونقلا عن رويترز، بأن الإدارة الامريكية تلقت معلومات استخبارية تشير إلى أن قانونين في جيش الاحتلال الإسرائيلي حذروا خلال القتال في غزة، من وجود أدلة تدعم اتهامات ضد إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة، وأضاف التقرير أن خمسة مسؤولين أمريكيين سابقين أكدوا أن هذه المعلومات قد تم جمعها في العام الماضي، وأثارت قلقًا كبيرًا عند صناع القرار في واشنطن.

يعلم القاصي والداني والمراقب لأحداث الإبادة في غزة أن حكومة الاحتلال قد ارتكبت إبادة جماعية وتطهير عرقي واضح في قطاع غزة، ولكن أن يأتي هذا من رجالات الاحتلال ومن مسؤولين أمريكيين فهو الأمر المهم واللافت والجديد في هذا السياق.

لماذا لم تتوقف الإدارة الامريكية عن دعم إسرائيل بالسلاح بصورة علنية ومباشرة؟ ولماذا لم تخش أن يتم اتهامها بالمشاركة بجرائم الحرب والابادة في غزة؟  

يحاول التقرير أن يجيب عن هذا السؤال بقوله أن: الرئيس السابق جو بايدن امتنع عن اتخاذ خطوات قد تؤدي إلى مواجهة علنية مع حكومة اليمين في إسرائيل، رغم ان بعض المسؤولين الامريكان انتقدوا هذا القرار واعربوا عن خشيتهم من تبعاته، الا ان الإدارة الامريكية في عهد بايدن، قررت قرارا إجراميا بأنها لا تملك أدلة مباشرة على أن إسرائيل انتهكت قوانين الحرب او تعمدت توجيه نيرانها تجاه المدنيين، وقررت ان تعلن عن عدم حصول أي خرق للقانون، لقد فعلت الإدارة الأمريكية ذلك حرصًا منها على عدم وقف المساعدات العسكرية لإسرائيل، فالقانون الأمريكي يمنع ذلك في حال ظهرت أدلة على انتهاكات جسيمة للقانون الدولي، وحتى لا تجمد التعاون الاستخباري معها.

إن ثبوت أدلة على أن الإدارة الأمريكية تلقت تحذيرات من رجالات الجيش الإسرائيلي يشكل خطرًا قانونيًا عليها، وليس فقط على حكومة الاحتلال الإسرائيلي وذلك بتهمة التواطؤ المحتمل، فالقانون الدولي يقرر مبدأ المساءلة والمحاسبة في حال وجود أدلة على "دولة تزود طرفًا ما بسلاح او استخبارات وهي تعلم احتمال استخدامه لارتكاب جرائم حرب، فقد تتهم بالمشاركة أو التواطؤ".

من الناحية السياسية يعتبر هذا التقرير ضربة قوية جديدة لسمعة إسرائيل المتهالكة في الرأي العام العالمي وحتى في المحافل الدولية، وانهيارًا لادعاءات إسرائيل التي صدعت رؤوس العالم بقولها "نلتزم بالقانون الدولي"، "لدينا نظام قانوني داخلي قوي يحقق ويحاسب"، والغريب في الأمر أن القانونيين داخل جيش الاحتلال المجرم يحذرون ويخشون وفي المقابل إدارة بايدن وحكومة اليمين تتجاهل الأمر، الأمر الذي يقوض دفاعات إسرائيل أمام أي لجنة تحقيق دولية، يشار إلى أن إدارة ترامب أبدت اهتمامًا ضئيلًا بهذا الشأن وفقًا للتقرير نفسه.

من نافلة القول الإشارة إلى أن إدارة جو بايدن دعمت إسرائيل بلا حدود، بل كانت شريكًا لها في عمليات الإبادة للشعب الفلسطيني داخل قطاع غزة، حيث منحت إسرائيل أكبر جسر جوي منذ 1973م، ووفرت غطاء سياسيًا لها في مجلس الأمن، كما أنها استمرت بتزويد إسرائيل بكل ما يلزمها من شحنات الذخائر الثقيلة بما فيها القنابل شديدة القوة، فهل يمكن أن تتم محاسبة إدارة بايدن أو إدارة ترامب بهذا الشأن؟ وهل يمكن أن يخلق هذا دعاوى قضائية داخل الولايات المتحدة؟ أو أن يستخدم ضدها في لجان تقصي الحقائق الدولية؟، الاحتمالات محدودة والتجربة تشهد ولكن ما يدعو للتفاؤل بهذا الشأن أن العالم بعد الطوفان اختلف ولو بشكل أولي عما كان عليه قبل ذلك.  

بالنسبة لحكومة الاحتلال ولجيشها المجرم فمثل هذه التقارير تنضم إلى أدلة أخرى كثيرة، لكنها هذه المرة داخلية ومن قانونيين داخل الجيش مما يعزز احتماليات فتح تحقيق دولي في "محكمة لاهاي"، كما أن هذا ينفي حجة " التحقيق الذاتي" الذي يستخدم لاعفاء إسرائيل عادة من "المحاكمة الدولية".

وماذا عن إدارة ترامب؟ وهل هي معفاة من المساءلة؟ بالتأكيد لا، فهي وإدارة بايدن مشاركة في الإبادة، إلا أنه من الواضح أنها لم تواجه ضغطًا يذكر من جماعات ومؤسسات حقوقية داخل أو خارج الولايات المتحدة.  

ختامًا، قد يعتبر هذا التقرير نذير شؤم سياسي وقانوني لكل من أمريكا وربيبتها إسرائيل، ودافعًا إضافيًا للمؤسسات الحقوقية في العالم للتحقيق ولتنفيذ القانون على الأقوياء أيضًا، كما أنه ينضم لسلسلة الدوافع لاستمرار حركة التضامن والمقاومة الإنسانية التي يقودها أحرار العالم ضد سياسات الهيمنة والقمع التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.  

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025