المجلس الأطلسي
بقلم/ فريدريك كيمبي
ترجمة حضارات
دارت عناوين الأخبار حول لقاء دونالد ترامب الأخير مع شي جين بينغ بشأن التوصل إلى هدنة تجارية، لكن ما غاب عن الأخبار هو أمر أكثر أهمية بكثير، سيشكّل المنافسة الشديدة بين القوتين الأبرز في العالم: التنافس على هيمنة الذكاء الاصطناعي.
دخل العالم في سباق التكنولوجيا الأخطر منذ فجر العصر النووي، لكن هذه المرة، الأسلحة هي خوارزميات لا ذرات، فبدلًا من سباق للحصول على سلاح خارق واحد، يهدف هذا السباق إلى تحديد كيفية تفكير المجتمعات وعملها واتخاذها للقرارات، لا يغيّر الذكاء الاصطناعي توزيع القوة حول العالم فحسب، بل يغيّر أيضًا طبيعة هذه القوة وكيفية ممارستها.
سباق له عواقب على الأجيال
ترى الحكومة الصينية في الذكاء الاصطناعي محركًا أساسيًا لما تسميه "القوة الوطنية الشاملة"، ولذلك تُركز على التكامل السريع للذكاء الاصطناعي في المراقبة، والخدمات الاستهلاكية، والتصنيع المتقدم، والتحديث العسكري، والاكتشافات العلمية، ضمن استراتيجية وطنية موحدة، تقول تيس دي بلانك-نولز، المديرة الأولى في برامج التكنولوجيا في المجلس الأطلسي: "من أبرز جوانب نهج الصين إعطاء الأولوية للتطبيق، أو ما يُسمى بالذكاء الاصطناعي المُعزز". تتمتع الصين بميزة على الولايات المتحدة من حيث توفير التوجيه والحوافز لدمج الذكاء الاصطناعي في جميع قطاعات الاقتصاد.
في الصين، يخضع القطاع الخاص لإرادة الحزب الشيوعي، وتختلف دورة الابتكار الناتجة عن ذلك عن النموذج الغربي الذي يقوم على علاقة أقل ترابطًا بين السياسات الحكومية والصناعة والأوساط الأكاديمية.
في المقابل، تعتمد الولايات المتحدة على ديناميكية قطاعها الخاص، وثقافة البحث المفتوح، والتحالفات الدولية. وتكافح لإيجاد تنسيق فعال على مستوى وطني بين الحكومة والشركات والجامعات، كما تعاني من ضعف في حماية الخصوصية والملكية الفكرية، مما يؤدي إلى ضبابية تمنع وضع مسارات واضحة.
تحذّر التحليلات من أنّ فشل الولايات المتحدة في الحفاظ على ريادتها في مجال الذكاء الاصطناعي ستكون له عواقب على الأجيال، إذ ستحدد نتيجة هذا السباق أي القيم —الكفاءة الاستبدادية أم الديناميكية الديمقراطية— هي التي ستضع المعايير العالمية لكل شيء من التجارة الرقمية إلى الحروب المستقلة.
كتب جوش تشين ورافاييل هوانغ في وول ستريت جورنال: "يشبه سباق الذكاء الاصطناعي المتصاعد الحرب الباردة وما اتسمت به من صدامات علمية وتكنولوجية كبيرة، ومن المرجح أن تكون له عواقب مماثلة". ويضيفان أن الصين والولايات المتحدة "مدفوعتان بالخوف بقدر ما يدفعهما الأمل في التقدم".
مساعدة الولايات المتحدة وحلفائها على التعبئة
يعتمد الفوز في هذا السباق على القدرة على إنتاج الرقائق الأكثر تقدمًا، وتطوير أفضل النماذج، وتشغيل أقوى الحواسيب، وتوفير الطاقة الرخيصة والمستدامة.
الأهم من ذلك، أنّ المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي ستحدد المعايير العالمية المتعلقة بالحرية والخصوصية والكرامة الإنسانية، فقد صُمّم الإنترنت بمعايير تدعم الانفتاح والتعبير الحر، وهو ما شكّل حياة جيلين من البشر. واليوم يمتلك الذكاء الاصطناعي الفرصة نفسها لإعادة تشكيل المستقبل. وإذا خسرت الولايات المتحدة، قد يتحول الذكاء الاصطناعي إلى أداة للسيطرة الاستبدادية بدلًا من تمكين الأفراد.
استجابةً لهذه التحديات، أطلق المجلس الأطلسي "لجنة الجيوتك للذكاء الاصطناعي" لتنسيق الجهود وتقديم استراتيجيات عملية للحفاظ على التفوق التكنولوجي الأمريكي، ستركز اللجنة على ستة مجالات: ابتكار الذكاء الاصطناعي، سلاسل التوريد، مصادر الطاقة، استخدام الحكومات للذكاء الاصطناعي، تنمية المواهب، والتحالفات الدولية.
يرى البعض تشابهًا بين سباق الذكاء الاصطناعي ومشروع مانهاتن. إلا أن هذا التشبيه مضلل:
مشروع مانهاتن كان سريًا ومركزيًا تقوده الحكومة الأمريكية.
أما ثورة الذكاء الاصطناعي فقد قادتها الشركات الخاصة، لا الحكومات.
لذلك، تحتاج الحكومات للتعاون مع شركات مثل أنثروبيك، جوجل، إنفيديا، مايكروسوفت، وأوبن إيه آي في الولايات المتحدة، وفي الصين مع علي بابا وهواوي وغيرها.
الصين ستفوز بسباق الذكاء الاصطناعي
صرّح جينسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لإنفيديا، في مقابلة مع فاينانشال تايمز: "الصين ستفوز بسباق الذكاء الاصطناعي."
وأشار إلى تخفيف الصين لقواعدها التنظيمية، ودعم الطاقة، ومساندة الدولة لشركاتها. وفي المقابل، يركّز البيت الأبيض أكثر على تقييد مبيعات التكنولوجيا الأمريكية للصين، بدلًا من دعم الشركات الأمريكية للصعود عالميًا.
تمتلك الصين القدرة على دمج طموحات الدولة والشركات بشكل يضمن الحشد الوطني نحو هدف واحد، بينما تركز الشركات الأمريكية على المنافسة والأرباح، ما يخلق تنافرًا بين الأهداف الوطنية وأهداف السوق.
سباق الذكاء الاصطناعي لا يشبه سباقًا على سلاح واحد، بل سباقًا على من يضع معايير المستقبل، وستتناول لجنة الجيوتك هذا التحدي، وتحدد أفضل السبل لمواجهة قدرة الصين على تعبئة مجتمعها بأكمله لخدمة أهدافها التكنولوجية.
النجاح في الذكاء الاصطناعي لن يكون بنفس أثر صنع القنبلة النووية، لكنه سيؤثر على كل فرد على وجه الأرض، وقد يحدد أي مجموعة من القيم والدول ستقود العالم في المستقبل.