رغم مهرجان الولاء في الكنيست، ترامب لن يسمح بعودة الحرب

صحيفة هآرتس

ترجمة حضارات 


بقلم يوسي فرتَر 

من بين اللحظات الكثيرة التي تستحق أن تُخلّد من يوم الاثنين، برزت لحظة واحدة حملت عدالة شعرية: حين قطعت القنوات التلفزيونية خطاب بنيامين نتنياهو في الكنيست لتعرض مشهد لقاء عيناف تسينغاوكر بابنها متان، الذي أُفرج عنه من الأسر. هذه الأم التي تعرّضت للشتائم والتهديدات من أنصار نتنياهو، واتهموها بأنها السبب في تأخر إطلاق سراح ابنها، بل وتمنّوا أن يكون الأخير في القائمة، عادت لتخطف الأضواء في اللحظة التي حاول فيها نتنياهو أن يصنع مجده السياسي.

في قاعة الكنيست نفسها، التي تحوّلت إلى ما يشبه مهرجانًا للحزب الحاكم، جلس أمير أوحانا يدير الجلسة كأنه مقدّم احتفال انتخابي، لا رئيس هيئة تشريعية. أوحانا، الذي جعل التملّق لعائلة نتنياهو مهنة، قاد عرضًا من التصفيق والصفير لا علاقة له بالمهابة، بل بالاستعراض. حتى دونالد ترامب، المعتاد على مهرجانات أنصاره في أمريكا، بدا متحفظًا ومربكًا من هذا المشهد الفوضوي.

في الصفوف الأولى جلس متعهّدو الأصوات في حزب نتنياهو، أولئك الذين سيُطلب منهم قريبًا ردّ الجميل في الانتخابات الداخلية. أما اللافت فكان الغياب المتعمّد: رئيس المحكمة العليا إسحاق عميت والمستشارة القانونية السابقة للحكومة غالي بهراب-ميارا، التي أُقيلت من منصبها ووُصفت باستخفاف على ألسنة الوزراء بأنها “مجرد محامية”. أوحانا فضّل عدم دعوتهم كي لا يُغضب رئيسه وزوجته ورفاقهم في القيادة، فاختار الولاء الحزبي على حساب تقاليد الدولة.

وعوض أن يكتفي بخطاب مقتضب، ألقى أوحانا كلمة مطوّلة وغارقة في التفخيم الذاتي، نموذجٌ للفراغ الذي يُخفي العجز. أما ترامب، رغم نرجسيته المعروفة، فبدت له هذه المبالغات عبثية. كان خطابه مزيجًا من الوعظ السياسي والمسرح الساخر، حمل رسالتين مركزيتين: الأولى، دعوة علنية للرئيس إسحاق هرتسوغ كي يمنح العفو لـ“المتهم بيبي”، في إشارة إلى نتنياهو؛ والثانية، إعلانه الصريح أن “الحرب انتهت”، خلافًا لما يردده نتنياهو من أن “المعركة لم تنتهِ بعد”.

في معسكر اليمين الإسرائيلي يسود وهمٌ مريح مفاده أن ترامب، حين ينصرف انتباهه عن الشرق الأوسط، سيسمح لإسرائيل باستئناف القتال. الكاتب يصف ذلك بأنه خيالٌ سياسي، لأن عشرات القادة الذين اجتمعوا مع ترامب في شرم الشيخ أقسموا على الالتزام بخطته للسلام، ولم يأتوا للنزهة أو لالتقاط الصور. هؤلاء القادة شركاء فعليون في رؤية ترامب الجديدة، وهو حريص على علاقاته معهم، ولن يضحّي بتفاهماته الدولية من أجل نزوات نتنياهو أو ضغوط اليمين.

ترامب، في نظر الكاتب، رئيسٌ خطير على بلاده، يغيّر وجه أمريكا نحو الأسوأ، لكنه في الشرق الأوسط يتصرّف بفعاليةٍ نفعية. عقليته التجارية “البلدوزرية” تجعله قادرًا على فرض الوقائع بسرعة، وهو عازم على توسيع اتفاقات التطبيع مع دولٍ إسلامية كإندونيسيا والسعودية، ولن يسمح خلال ما تبقّى من ولايته بعودة الحرب التي قد تُفشل مشروعه السياسي.

قبل انتخابه مجددًا وعد ترامب أن يكون “رئيس السلام”، لكنه ترك نتنياهو يواصل عملياته في غزة لأشهر. وعندما شعر أن نتنياهو يستهزئ به ويستغله، تدخّل شخصيًا وفرض اتفاق وقف النار. وقد كافأ نتنياهو بالمديح العلني في الكنيست، لكنهما – بحسب الكاتب – يعلمان جيدًا أن هذا المديح يغطي على علاقةٍ قائمة على الإذلال السياسي، كما كشفتها تقارير واشنطن بوست.

أما نداء ترامب لهرتسوغ بشأن العفو، فليس عفويًا بل منسّق مسبقًا مع مكتب نتنياهو. وترامب هو آخر من يعارض فكرة كهذه، إذ يرى في الأنظمة القضائية عدوًا مشتركًا في كلٍّ من أمريكا والبرازيل وإسرائيل. هرتسوغ بدا في تلك اللحظة حائرًا ومحرجًا، كمن يتمنى أن يختفي عن الأنظار.

حين نطق ترامب بكلماته، انفجرت القاعة بالتصفيق، ووقف الوزراء والنواب مهللين، ووقف نتنياهو بدوره خافض الرأس متأثرًا، كأنه ضحية أُعلن تبرئتها. في أجواء كهذه، يقول الكاتب بسخرية، لم ينقص سوى أن يحمله أعضاء الائتلاف على أكتافهم كمن “تحرّر من سجن المحكمة”.

وبينما كان يعيش نشوة اللحظة، تراجع نتنياهو عن موافقته التي أعلنها قبل ساعات للمشاركة في قمة شرم الشيخ، متذرعًا بـ“قرب العيد”، كأن الموعد فاجأه فجأة. سبب التراجع غير واضح: هل هو تهديد من المتطرفين في حكومته مثل سموتريتش وبن غفير؟ أم ضغط من ابنه يائير؟ أم رفض من زوجته سارة التي لا تطيق أن يظهر بجانب محمود عباس أو أن يصافحه؟

الجوهر السياسي للمقال:
يرى الكاتب أن زيارة ترامب للكنيست لم تكن عرض تضامن، بل لحظة إعلانٍ ضمني أن الحرب انتهت، وأن واشنطن لن تسمح باستئنافها. ترامب، الذي يستخدم نفوذه لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وفق مصالحه الاقتصادية والسياسية، يُمسك بزمام الأمور، بينما نتنياهو غارق في مسرح الولاء الداخلي ومهووس بالبقاء في الحكم، ولو على حساب كرامة الدولة ومكانتها.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025