في مصر.. قمة من أجل بناء السلام في غزة

صحيفة لوفيغارو الفرنسية 

​​​​​​​ترجمة حضارات 

قالت صحيفة لوفيغارو الفرنسية إنه بعد نحو ثلاثين عاماً من قمة عالمية أولى فاشلة في شرم الشيخ من أجل السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، يلتقي الرئيسان الأمريكي والمصري مجدداً اليوم الاثنين، بنفس الهدف، في هذه المدينة السياحية على شاطئ البحر الأحمر، محاطين مرة أخرى بنحو عشرين زعيماً دولياً.

في عام 1996، كان الهدف هو “إنقاذ” رئيس الوزراء شيمون بيريز بعد موجة من الهجمات التي نفذتها ”حماس”،  قبل شهرين من الانتخابات التشريعية التي فاز فيها خصمه بنيامين نتنياهو، مما وجّه ضربة قاسية لمسار التقارب الإسرائيلي الفلسطيني. أما هذه المرة، فالهدف هو “إنهاء الحرب في قطاع غزة، وتعزيز الجهود لإرساء السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وفتح صفحة جديدة من الأمن والاستقرار الإقليمي”، وفقاً لما أعلنته الرئاسة المصرية.

وهي أهداف ما تزال بعيدة المنال بعد عامين من هجوم 7 أكتوبر. وقبل توقف إطلاق النار، فقد قُتل أكثر من 62 ألف فلسطيني، بينما عاد نحو نصف مليون من سكان غزة منذ يوم الجمعة المُنصرم ليجدوا منازلهم قد تحولت إلى أنقاض.

لن يحضر لا بنيامين نتنياهو ولا حركة حماس قمة شرم الشيخ. لكن عدداً من القادة الدوليين سيشاركون فيها، من بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والعاهل الأردني عبد الله الثاني، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، بالإضافة إلى رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، تُشير “لوفيغارو”.

رغم الأزمة السياسية الحادة التي يعيشها في فرنسا، قرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المشاركة في القمة، بحسب الإليزيه، “دعماً لتنفيذ الاتفاق الذي قدمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في غزة”. كما ينوي ماكرون تبادل وجهات النظر مع نظرائه حول “الخطوات المقبلة لخطة السلام”.

وتسعى باريس، التي نجحت في إقناع عدة دول كبرى بالاعتراف بدولة فلسطين، إلى الإسهام في مرحلة ما بعد الحرب في غزة، وهي مرحلة دقيقة جداً، إلا أن إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية لا تبدوان راغبتين في منحها دوراً أساسياً، توضّح صحيفة “لوفيغارو”.

تتزامن القمة مع عملية إطلاق سراح 48 رهينة أو جثة إسرائيلية كانت لدى حركة حماس وتسليمها إلى إسرائيل. مقابل ذلك، ستفرج إسرائيل عن 250 “معتقلاً لأسباب أمنية”، بينهم عدد من المدانين بتنفيذ هجمات دامية ضد إسرائيليين، إضافة إلى 1700 فلسطيني اعتقلهم الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر 2023. وهكذا تكون المرحلة الأولى من خطة ترامب قد اكتملت، تُشير “لوفيغارو”.

أما المراحل التالية، التي ستتطلب مفاوضات جديدة -ربما مجدداً في شرم الشيخ أو القاهرة- بمشاركة الوسطاء المصريين والقطريين والأتراك والأمريكيين، فستكون أكثر صعوبة. وتشمل المرحلة التالية من خطة ترامب نزع سلاح حركة حماس، ونفي مقاتليها، واستمرار الانسحاب العسكري الإسرائيلي من غزة، تتابع “لوفيغارو”.

وفي الوقت الذي أعلن فيه وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أن الجيش سيواصل جهوده لتدمير أنفاق حماس في القطاع -وهو هدف لم يتحقق خلال عامين من الاحتلال- حذر أحد قادة الحركة الفلسطينية، حسام بدر، قائلاً: “المرحلة الثانية من المفاوضات تحتاج إلى مناقشات أكثر تعقيداً، ولن تكون سهلة كما كانت المرحلة الأولى”.

وأضاف كاتس أنه أمر الجيش بالتركيز على تدمير الأنفاق في غزة بالتوازي مع نزع سلاح حماس، بمساعدة 200 جندي أمريكي قرر دونالد ترامب إرسالهم، لكن ليس إلى داخل قطاع غزة، لدعم تنفيذ خطته.

ورغم أن الجيش الإسرائيلي ينسحب من نصف القطاع الفلسطيني، فإنه سيواصل احتلال منطقة عازلة في شرق غزة، ما يغذي خطاب حماس الرافض لنزع سلاحها، وهو أحد البنود الأساسية في خطة ترامب التي وافقت عليها الحركة مبدئياً، والتي ستكون محور النقاشات في شرم الشيخ، توضّح “لوفيغارو”

وقال حسام بدر: “في غياب قوة أمنية فلسطينية، من المستحيل أن تنزع حماس سلاحها”.

من جهتهم، لا يريد لا بنيامين نتنياهو ولا الولايات المتحدة، في الوقت الحالي على الأقل، عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة. فمَن سيقوم إذن بنزع سلاح الإسلاميين؟ تتساءل “لوفيغارو”؛ موضّحة أن فرنسا ترى، مع دول أخرى، أن الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية هي وحدها التي يمكنها تنفيذ هذه المهمة الصعبة،  بدعم من قوة دولية لحفظ الاستقرار، يتطلب إنشاؤها تفويضاً من الأمم المتحدة، وهو موضوع آخر على جدول أعمال قمة شرم الشيخ.

ومضت “لوفيغارو” قائلةً إن حركة حماس، رغم قبولها بعدم المشاركة في إدارة غزة المستقبلية، فإنها تسعى إلى جعل قضية سلاحها مسألة فلسطينية داخلية.

وقال حسام بدر: “هذه مسألة تخص جميع الفلسطينيين، وعندما ردَدْنا على خطة ترامب، قلنا إن عدداً من بنودها، وهو عدد غير قليل، يتعلق بالقضية الوطنية الفلسطينية، وبالتالي يجب أن يكون الرد من خلال حوار وطني فلسطيني”. وكشف بذلك عن استراتيجية الحركة في المفاوضات المقبلة، مضيفاً أن حماس “تبقى عنصراً أساسياً في المجتمع الفلسطيني”.

وعقب القمة، من المقرر أن تجمع مصر هذا الأسبوع مختلف الفصائل الفلسطينية للتوافق على 40 اسماً سيشكلون “اللجنة الفنية” التي ستدير غزة.

واعتبرت “لوفيغارو” أنه في الساعات الأولى من وقف إطلاق النار في غزة، يبدو أن الوضع يؤكد أن حركة حماس، رغم هزيمتها العسكرية، لم ترفع الراية البيضاء. فقد قال أحد سكان غزة للصحيفة الفرنسية إن “أعضاء من جهاز الأمن الوطني التابع للحركة انتشروا بالفعل على بعض الطرق لإظهار أنهم ما زالوا يسيطرون على الوضع”، مؤكداً أن حماس استدعت ما بين خمسة إلى سبعة آلاف من مقاتليها.

وأضاف أن الحركة بدأت أيضاً في تصفية فلسطينيين تعاونوا مع إسرائيل خلال العامين الماضيين، حيث قُتل خمسة من أفراد عائلة دغمش خلال الساعات الماضية في قطاع غزة. ويبدو أن مرحلة ما بعد الإفراج عن الرهائن ستكون شديدة الصعوبة، تتوقع “لوفيغارو”.


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025