الضم ضمانة محدودة

الضم "ضمانة محدودة "
 بقلم آنشيل بابر 
 هآرتس  3-6-2020 
ترجمة حضارات 


نتنياهو يحرص بأن يترك المستوطنين معلقين ، فهو يحتفظ بكل الخيارات مفتوحة ويدرك تماما الأثمان الجيوسياسية والاقتصادية التي سيجبيها الضم.
نتنياهو يتحدث عن تاريخ 1-7 كتاريخ لا ينبغي تضييعه للضم ، ولكنه لا يوضح كيف ينوي ان يفرض السيادة ، فلا توجد خارطة ولا توجد صيغة قانون ولا يوجد جدول أعمال .
المستوطنون من جهتهم منقسمون بين من يريد قبول إطار ترامب الآن وفوراً قبل ان تغلق نافذة الفرصة التاريخية ، وبين من يخشى من مركبات الدولة الفلسطينية التي في خطة ترامب ، وتحويل المستوطنات المعزولة لجيوب ثابتة ، ولكنّ نتنياهو لم ينجح في تهدئة كلا الطرفين . 
رغم ان المستوطنين هم حلفاء نتنياهو ولكن توجد بينهم فجوات جوهرية ، صحيح بأن الايدولوجية الاستيطانية التي تتمسك بالعودة والسيطرة على كل أرض "اسرائيل " انطلاقاً من أوامر ربانية ، تتقاطع مع رؤية نتنياهو في تجديد وتمكين السيدادة اليهودية في الوطن التاريخي ، ولكن الخلاف في سلم الأولويات والأجندة .
المستوطنون يرون في الفلسطينيين العدو الرئيس والعقبة المركزية التي يجب تجاوزها بكل طريقة ممكنة ، وبقية العالم والدول العربية هم جزء مما يمكن تسميته بقلق يمكن تجاهله ، أما نتنياهو فلا يرى بهم كذلك فهم فالفلسطينيون جزء هامشي من الكل العربي الكبير والصراع معهم ليس صراعاً مستقلاً بحد ذاته ، إنما جزء من صراع كبير بين (القومجية) العربية والاسلامية الراديكالية والتي ترى باسرائيل موقع متقدم للعالم الغربي لذا تريد تدميرها ، كما ان نتنياهو يعارض تقديم تنازلات للفلسطينيين من منطلق رؤيته للأمر كمن يضعف الموقف الاسرائيلي العام ، ولكن المعركة الحقيقية هي مقابل عدو عربي وإسلامي كبير يستخدم الفلسطينيين كأدوات . 
ان الفرق في الرؤيا بين نتنياهو والمستوطنين يحتم وجود فجوة اجتماعية ، فمشروع الاستيطان في نظر نتنياهو هو محاولة من قبل الصهيونية الدينية لوراثة ( الرواد العلمانيين ) في مرحلة الاستيطان العامل ، ليس من منطلق الكراهية أو الغربة لهؤلاء الرواد بل من منطلق الارادة لاستمرار توسيع نهجهم وطريقتهم .أما نتنياهو فلا يرى بنفسه وريثاً لمن جاء قبله ، فقد تربى على كراهية حركة مباي التاريخية " جذور حزب العمل واليسار في اسرائيل " ، كراهية أكبر مما لدى مؤيدي مناحم بيغن ، نتنياهو رضع من والده -الذي يحتقر مناحم بيغن ويراه ضعيفا – بغضه واشمئزازه من المؤسسة البلشفية وهدفه في حياته هو إنشاء نخبة قومجية جديدة بقيادته .
وبالنسبة لنتنياهو فان المستوطنين "مشبوهين " لسبب تبجيلهم وطموحهم بالتشبه لرجال مباي والكيبوتسات السابقين .
ومن جهة أخرى ينخدع المستوطنون من عدد المتدينين الكبير الذي أحاط نتنياهو نفسه بهم ، ومن مدحه الدائم لهم ، ولكنه عملياً لا يرى بهم- أي المستوطنين -إلا داعمين ومؤيدين ، وليسوا شركاء في دفة القيادة ، وكبار قادة المستوطنين من ذوي الخبرة الخاصة يدركون أن مفهوم أرض اسرائيل بالنسبة لنتنياهو هو مجرد أداة وليس قيمة .
الفرق الجوهري بين نتنياهو والمستوطنين هو ان المشروع السياسي لنتنياهو مكرس لإدامة سيطرته على الحكم ، أما مشروع الاستيطان فقد بدأ قبله وسيستمر بعده وفق المستوطنين .
أحد قادة المستوطنين وهو متشائم يعتقد أن نتنياهو سيقوم بضم مستوطنتين أو ثلاثة كخطوة رمزية ، ويبدو أن تقديراته صحيحة ، فنتنياهو سوف يضم معظم الضفة ان اقتنع أن هذا الأمر لن يمس بأحد إنجازيه الكبيرين وهما : إبعاد الموضوع الفلسطيني من أعلى سلم الأجندة الدولية ، وإنشاء حلف غير رسمي ضد ايران مع الأنظمة في الخليج ، لذا لا توجد حتى الآن خطة لعملية الضم ، ويوجد موعد وتاريخ فقط .
نتنياهو يحافظ على كل الاحتمالات مفتوحة ويدرك تداعيات ونتائج الضم كما ان خلافات المستوطنين الداخلية تخدم نتنياهو وسوف يتهمهم بتضييع الفرصة التاريخية بعد ذهاب ترامب ، وهذا دليل انه الوحيد القادر على قيادة اليمين .

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023