بقلم الأسير:
يحيى الحاج حمد
عندما يهلّ شهر رمضان تبتسم القلوب وتبتهج النفوس وتترنم الأسماع بأناشيد المدائح والفرح بقدوم شهر الخيرات، شهر الرحمات وصلة القربى، أما عن حال رمضان مع الأسير الفلسطينيّ داخل سجون الاحتلال فليس كما يظن الكثيرون ،فهناك تتفطر القلوب وتتألم النفوس وتُسمع أنّات المشتاقين خلف ستائر الأبراش المغلقة، كيف لا؟ وقد حرمت الأرواح من لقيا أحبابها، وأُبعدت الأعين عن أهلها ووطنها وأمست الأجساد مكبلة في جوف أقبية تجردت من أي رحمة أو حب وتسربلت بألوان العذاب والحرمان.
كيف لقلب أن ينبض بعدما جففت السجون منابع فرحه وحجبت عنه ندى الصباح فبات ظمآناً متشققًا، ينتظر أن يرتويَ بوصال أحبابه؟.
في السجن ما إن يجلس الأسير لتناول سحوره الذي بات في العراء لساعات طويلة حتى تهب نسائم الذكريات حاملةً معها صور أطفاله الجالسين بجانبه على مائدة السحور وعيونهم نعسة ولقمة من يد زوجته تلخص حبًا يملأ فؤادها، وقبلة على يد والديه ينال منها يومًا مرضياً؛ فيهوي قلبه، ويسيل دمعه، وتذهب شهيته، فلا يتناول سحوره إلا لينال البركة التي فيه.
في السجن، لا يسمح السجان للصائمين داخل غرف جرائمه أن يجدوا ولو لحظات قليلةٍ من الراحة، فيفكر ويبتكر وينوّع أصناف عذاباته فما بين عددٍ اختير ميعاده بدقة ليكون منغصاً لحياة الأسرى، وما بين تفتيشاته المتتالية والتي تجعل الأسير في حالة ترقب توجس دائم فتفقده لذة الأمان حتى خلال صلاته وعباداته.
في السجن، يحنُ الأسير لأصدقائه وأهل بلدته وقد اجتمعوا داخل المسجد، واصطفوا لصلاة التراويح وباتوا ليلتهم بابتسامة ومحبة.
في السجن ينتظر الأسير طوال رمضان زيارة من أهله والتي لا تتجاوز الـ 40 دقيقة وذلك حتى يهنئهم بقدوم شهر الخيرات ويطمأن على باقي أهله الذين منعهم الاحتلال من زيارته.
في السجن، يتوق الأسير لصلة أقربائه وأرحامه الذين مضت السنوات دون أن يراهم أو يستطيع أن يعايدهم بقدوم الشهر الفضيل.
في السجن يبحث الأسير في ليل رمضان عن خلوة يصلي فيها ويناجي ربه ويبكي دون أن يراه أحد، ولكنه لا يجد إلى ذلك سبيلًا.
في السجن، يأتي عيد الفطر وقد تبددت كل ألوان الفرح ولم يبقَ سوى فرحٍ واحد وهو أن هذا العيد هو من رب العالمين؛ فيقدم فرحه طاعةً لله ونيلاً لمرضاته.
في السجن، يبقى الأسير على أملٍ دائم أن يأتي رمضان وقد تحرر من قيوده وأصبح بين أهله وأحبابه.