الطائرات بدون طيار الخطر في (حوش) الدار

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

​​​​​​​
بقلم الخبير العسكري والأمني:
عبد الله أمين.
05 06 2023  

أولاً: توطئة واستهلال:  

لم تعد الحرب مقصورة على ساحات المعارك، وجبهات القتال، فقد تمددت حتى أصبح خطرها يقرع الأبواب، ويدك مؤخرات القوات وخطوطها الخلفية، فمع تطور العلم؛ تطورت وسائل القتال؛ ففي الماضي كانت إذا فصلت بين القوات المتقاتلة أنهارٌ أو وديان أو مسطحات مائية أو مرتفعات؛ شعرت القوات أنها في مأمن من خطر عدوها، وأن لا سبيل أمامه لإلحاق الخطر بقدراتها القتالية ــ البشرية والمادية ـ، ولما دخلت المنجنيقات التي تقذف الحمم، والأقواس التي ترسل الأسهم، والحراب التي تطال الفرسان من على صهوات جيادهم، باتت الجيوش تستشعر الخطر، وعندما استخدم الألمان الطائرات في  ساحات المعارك في مستهل الحرب العالمية الأولى، ثم زادوا من كثافة استخدامها في الثانية؛ باتت الجبهات الداخلية للدول المتصارعة ينالها ما ينال القوات التي تقاتل على الحافة الأمامية لمنطقة العمليات، أو ما يصطلح عليه بالخطوط الأمامية للقتال. ثم تطور العلم، ودخلت التكنولوجيا في كل شيء، وباتت الدول تبحث عما يمكن أن تؤذي به أعداءها، دون أن يطالها ضرره، أو على الأقل بأقل الخسائر الممكنة. وحيث أن سلاح الجو هو من أهم أسلحة القتال التي تستخدم في تليين أهداف العدو، والقاء الرعب في نفوس قادته، تمهيداً لفرض الاستسلام عليهم، ولمّا كان هذا السلاح الفتاك من الأسلحة باهظة الثمن، والتي يتطلب تدريب أطقم عملها جهوداً كبيرة ومدداً زمنية طويلة، كما أن تعويض الخسائر ـ البشرية والمادية ـ  في هذا النوع من القدرات من الأمور التي تستنزف خزائن الدول؛ فقد تفتقت أذهان البشر عن وسائل قتل جوية، صغيرة الحجم، قليلة الضجيج، رخيصة الثمن، منخفضة البصمة العملياتية، قادرة على نقل الموت إلى المكان المطلوب في الزمن المطلوب، ونقل صورة ميدان المعركة ليراه القادة رأي العين، دون تعريض القوى البشرية للمخاطر والخطوب، وهي ما عرفت لاحقاً بالطائرات غير المأهولة UAVK وحيث أن عدونا من أشد الناس حرصاً على حياة؛ فقد أبدع في هذا المجال ـ الطائرات غير المأهولة ـ  وتقدم، وباتت وسائله الجوية هذه تصل حيث يشاء، وتفنن في صناعتها، وتصغير حجمها، وتزويدها بكل ما يمكّنه من فرض سيطرته على ساحة المعركة. ومع تطور المقاومة في الضفة الغربية واشتداد عودها، وتحول مجاميعها وتشكيلاتها إلى تهديد مهم لقوات العدو، ولم يعد دخوله أو خروجه إلى مخيماتنا وقرانا أمراً سهلاً أو( كسدورة ) وشمة هوا، يبدأها متى شاء وينتهي منها بدون خسائر، ولأن تشغيل قدرات جوية مأهولة ـ مقاتل أو مروحي ـ من الأمور التي تفضح سلوك العدو، وتكشف مناورته، فضلاً عن أن ساحة المعركة في الضفة الغربية وطبيعة التهديد فيها لا تساعد في عمليات التشغيل الفاعل والمجدي لتلك القدرات الجوية ، لمّا كان الأمر كذلك؛ فقد بدأ العدو يحشد ويشغل قدرات جوية غير مأهولة تساعده في تحقيق أهدافه، وتحييد المقاومين في الضفة الغربية، مشكلاً وحدات خاصة بهذا النوع من وسائط القتال، ليس أولها الوحدة 5353، ولن تكون آخرها، الأمر ـ الطائرات بدون طيار ـ الذي جاءت هذه الورقة لتفصل فيه ضمن مجموعة من العناوين تبدأ بالتعريف المختصر بالوسيلة، ثم تحديد مهامها، وما ينتج عنها من مخاطر وجعلها سبباً له ـ للخطر ـ، ثم تقترح الورقة مجموعة من طرق الوقاية التي تساعد ـ بعد حفظ الله ـ في حفظ أرواح المقاومين المرابطين في أرضنا الغالية فلسطين.  


ثانياً: تعريف بالوسيلة:

في التعريف بالوسيلة، لن نطيل، ولن ندخل في تفاصيل فنية، أو هندسية حول هذه الطائرات من حيث الطول أو العرض أو الوزن، فهذا بحث فني تفصيليٌ لسنا من أهل الاختصاص فيه، لذلك سنكتفي بالقول بأنها وسائل قتال جوية مختلفة الأحجام والمديات ومدد الطيران والمكوث في الجو، ذات أجنحة ثابتة أو مروحية، يقوم بتشغيلها أطقم فنية بشرية ـ محطات أرضية ـ مستقرة في داخل مناطق العمليات أو خلف خطوط القتال، أو في بلاد مجاورة للبلاد التي يتم تشغيل تلك الوسائط فيها، لتحقيق المهام بأقل الخسائر البشرية والمادية الممكنة. هذا باختصار شديد. إذن فالهدف الرئيسي منها: تقليل الأكلاف لدى المشغلين، ورفعها لدى المُهاجَمين. 

ثالثاً: مهامها:  

أما عن المهام الجزئية لهذا الوسائط الجوية، فيمكن ذكر أهمها على النحو الآتي:  

1. تحسين عمليات القيادة والسيطرة C2:  

إن أول ما يضمن النجاح لأي عمل عسكري-هجومي أو دفاعي- هو حسن القيادة والسيطرة على مجريات العمليات، وتحرك ومناورة القوات، قبل العمل وأثناءه وبعده، حيث تجهد الجهات المتقاتلة في تشويش هذه الإجراءات، أملأً في منع العدو من الوصول إلى مصادر المعلومات الصلبة، لمنعه من أخذ القرارات السليمة زماناً ومكاناً.
 إن أهم ما ينتج عن فقدان القيادة والسيطرة على القوات هو منع قيادتها من عمليات التفكير المنظم الذي يوصل إلى حل المعاضل والمشاكل التعبوية، لذلك تأتي هذه الوسائط الجوية غير المأهولة لتساعد في تحسين عمليات القيادة والسيطرة على القوات، لتحقق الأهداف وتنجز المهمات.  


2. الرصد والاستطلاع التكتيكي والعمليات:  

ومن الأهداف المرجوة من تشغيل هذه القدرات؛ القيام بعمليات الرصد والاستطلاع ـ السطع ـ الجوي في مستوييه التكتيكي والعملياتي، فمشغلو هذه الوسائط يزودونها بأدوات التصوير والتنصت والتقاط الإشارات اللاسلكية، ما يمكنها من توفير معلومات صلبة، وفي الوقت الفعلي، الأمر الذي يساعد في فهم السلوك وتحليل الإجراءات، ليُبنى على المواقف ما يناسبها من مقتضيات.  


3. الاشتباك مع الأهداف بشكل مباشر بالعمليات الانتحارية، أو عن بعد بالقصف:  

كما يمكن أن تزود بعض هذه الوسائط الجوية بأسلحة قتال فتاكة، فتقوم بعمليات الاشتباك مع القوات أو الأشخاص من على مسافات بعيدة أو قريبة، فتحيد المطلوب تحييده، وتوقع الضرر بمن يراد أن يصل ضررها له، وقد تفنن عدونا وحليفه الرئيسي ـ الأمريكان ـ في تشغيل هذه الوسائط في مثل هذه العمليات، فمنذ احتلال العراق عام 2003  بدأنا نسمع ونقرأ ونشاهد الفعل القتالي الشرس لهذه الوسائط في مختلف الساحات، من العراق إلى اليمن إلى أفغانستان، مروراً بأرضنا المحتلة، فقد شغل العدو قدراته الجوية غير المأهولة في جميع حروبه مع المقاومة في غزة، وها هو يبدأ بتشغيل نوع منها في الضفة الغربية في عمليات القتال والاشتباك مع المقاومين في الضفة الغربية.

هذه هي أهم المهام التي تسند لهذه الوسائط الجوية، والتي تهدف في نهاية المطاف إلى الإسراع في إغلاق دائرة المعلومات في مختلف المواقف العسكرية، لتنجز المهام وتحقق الأهداف في أقل الأوقات وأبخس الأثمان.  


رابعاً: أخطارها:  

إن ما يجعل هذه الوسائط القتالية ذات خطر عالٍ هو ما توفره من قدرات عملياتية، وما تمنحه من ميزات تعبوية لمن يشغلها في المعارك، لامتلاكها أهم الميزات التعبوية التالية:  

1. دقة التنفيذ:

إن أهم ما تتميز به هذه الوسائط القتالية؛ دقتها في إنجاز المهام، وتحقيق الأهداف، فهي عبر أطقم تشغيلها الأرضية، قادرة على التقرب من الأهداف والاطباق عليها، بشكل سريع ودقيق، وقبل أن يُفطن لها، كما أن أطقم توجيهها التي تعمل في الميدان ـ المصادر البشرية وقوات الرصد والاستطلاع البري ـ تساعد في تزويد مشغلي هذه المركبات الجوية بالإحداثيات أو المواصفات الدقيقة للأهداف، فتتمكن هذه الوسائط الجوية بواسطة هذه المساعدات من رفع نسبة الدقة في تنفيذ الضربات والغارات إلى أعلى مستوى متصور، بحيث لا يكاد يفلت منها هدف استهدفته، أو شخص طاردته.    


2. انخفاض البصمة العملياتية لها:  

كما أن صغر حجم هذه الوسائط، وطبيعة المواد التي تصنع منها، ومحركات التشغيل التي تمنحها الحياة؛ جعلت منها ذات بصمة عملياتية ورادارية أقل بكثير من بصمات سائر الوسائط الجوية الأخرى، وهذه ميزة وفرت لها إمكانية الاشتباك عن بعد مع الأهداف، دون أن ترصدها الأعين، وقبل أن تظهر على شاشة الرادارات، فضلاً عن أن تقدير عدم استخدامها من قبل أحد طرفي القتال؛ زاد من كفاءتها ونجاح عملها، وضمان تحقيق أهدافها، وإنجاز مهماتها.  


3. زيادة كفاءة عمليات القيادة والسيطرة على الإجراءات التعبوية:  

إلّا أن أكثر ما يزيد من خطورة هذه الوسيلة، هو ما توفره من إمكانيات وقدرات تساعد في تحسين عمليات القيادة والسيطرة للقوات العاملة في الميدان، وقياداتها في غرف العمليات، فسر نجاح العمل القتالي يكمن في القدرة على السيطرة عليه، وتوجيهه بشكل صحيح لتحقيق الأهداف وإنجاز المهام، الأمر ـ القيادة السيطرة ـ الذي تلعب فيه الطائرات بدون طيار دوراً مهماً لا يمكن الاستغناء عنه، إلى الحد الذي دفع عدونا إلى تزويد قواته المقاتلة وعلى مستوى الفصيل بمثل هذه الوسائل التي تتناسب مع مهامها، وتساعد في رفع كفاءة أدائها ومناورتها.  


4. انخفاض مستوى الخطر عند الاستخدام مما يزيد الجرأة في العمل:  

كما أن قادة التشكيلات المقاتلة والذين توضع تحت إمرتهم مثل هذه الوسائل القتالية، ذات الفتك العالي، والأثر القتالي المثالي، عندما يرون أنهم يمكن أن يتقربوا من أهدافهم ويشتبكوا معها ويلحقوا بها أضراراً ناجزة دون تعريض قواتهم البشرية لأية مخاطر، عندما يرون أن الموقف على هذا الحال، فإن مستوى جرأتهم يزداد، واستعدادهم لتحمل المخاطر يرتفع، مما يدفع بمستوى الاشتباكات والاحتكاكات الميدانية إلى مستوى متقدم، قد لا تقدر على تحمل وتيرته الجهة المقابلة أو العدو المفترض.
 إن ارتفاع منسوب الجرأة لدى المقاتل يعني استعداداً لتحمل زمن اشتباك أكثر، ونسبة أضرار أعلى، مما يعني توفر فرصة لتحقيق المهام وإنجاز المطلوب.  

خامساً: سبل وإجراءات الوقاية منها:  

أما عن سبل الوقاية من شر هذه الوسيلة، فإن أهمها ـ بعد معية الله ولطفه ـ ما يلي من إجراءات، والتي لن نخوض في تفاصيلها كونها من الإجراءات معلومة الدلالة مفهومة المضمون، وهي على النحو الآتي :  

1. توقع استخدامها، فلا يستقيم أن نغفل استخدامها من قبل عدونا الذي سيشغل كل ما يملك من قدرات لضربنا وتحييد مقاومينا.  

2. المعرفة العامة بها وبمخاطرها، فالإنسان عدو ما يجهل، والمعرفة هي بداية الطريق التي تجعلنا نعطي كل شيء قدره، فلا يُهول علينا، ولا نقع فريسة ظنوننا.

3. الخروج من مدى سيطرتها البصرية والنارية، فهذه وسائل لها حدود عملياتية، ومحددات فنية، وكلما ازددنا بها معرفة؛ ازدادت نجاعة إجراءاتنا في مواجهتها.  

4. تلويث الأجواء، بكل ما يمكن أن يسد مسار عملها بدءاً من طائرات الهواة إلى أسراب الطيور، وليس انتهاءً بأفخاخ النار التي تضيق عليها هامش مناورتها.

5. حجب الرؤية والعمل في مساحات مغطاة، فإثارة الغبار والدخان الكثيف يحد من كفاءة رؤيتها ورصدها وكما قيل (العيار اللي ما بصيب بدوش ).  

6. محاولة الدخول على بثها والسيطرة عليها، وهذا أمرٌ يحتاج إلى أهل اختصاص، يجب البحث عنهم، أو إيجادهم ورفع كفاءتهم، فنحن شعب يعشق العلم، ويحسن الابتكار، وما كل الجهاد إطلاق نار، فمن بعضه ومن أجلّه؛ حجب نار ومنع دمار.

كانت هذه بعض الأفكار ونقاط البحث الخاصة بهذه الوسيلة القتالية التي نقلت خطر هذا العدو إلى زقاق مدننا وقرانا، وبات خطره يقرع أبوابنا، ويجول في (حوش) بيوتنا.

 سائلين المولى عز وجل أن يقينا شر عدونا، وأن لا يجعل له علينا سبيلاً. فهو سبحانه غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.  







جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023