الاعتقال السياسي خطيئة وطنية وسياسية

مهند شريم

الباحث في الشأن الصهيوني

بقلم:
 مهند شريم  

في مثل هذه الأيام قبل ثلاثين عاماً وبالتحديد في 13 أيلول/ سبتمبر 1993 تم التوقيع على اتفاق أوسلو حيث اعتقدت فئة من الفلسطينيين أن هذا هو الطريق الذي سيوصل إلى الحلم الفلسطيني، وبناء دولة فلسطينية مستقلة، وأن هذا هو الطريق المؤدي للخلاص من الاحتلال، والغريب أنه وبعد ثلاثين سنة من الإذلال الوطني وبعد أن قضى ياسر عرفات شهيدًا على يد من وقع معهم هذا الاتفاق، إلا أنه لا زالت هناك فئة فلسطينية تؤمن بأن الطريق الوحيد للوصول للحلم هو بالتعاون والتخابر مع عدو لا يفهم إلا لغة السلاح، فهو عدو لم يأتي كأي استعمار أوروبي ليستغل ثروات البلاد ثم يعود مهاجراً إلى وطنه الأم، بل نحن أمام احتلال استيطاني إحلالي طريقته في الوصول إلى أهدافه هي التطهير العرقي بإبادة الشعب الفلسطيني وإنهائه من الوجود جسدياً وروحياً وثقافياً وسياسياً واقتصادياً.  

والغريب أيضاً أن هذه الفئة من الفلسطينيين وبالرغم من فشل كل مساعي المفاوضات لا تسمح لغيرها من أبناء الشعب الفلسطيني وخاصة في الضفة الغربية من اتخاذ طريق آخر غير طريق الذل والهوان وتمارس ضد الشباب الفلسطيني كل أساليب القمع والاعتقال والتعذيب وحتى القتل أحياناً ،وتبذل الأجهزة الأمنية التابعة لسلطة أوسلو كل ما بوسعها لأجل تفكيك كل بؤر المقاومة ولعل عرين الأسود في نابلس وما قامت به أجهزة أوسلو بالشراكة مع الاحتلال من قتل للمطاردين وتحييد العديد منهم هو مثالٌ ساطعٌ لما تقوم به تلك الأجهزة.  

والكارثة عندما تسمع مسؤولي تلك السلطة وأجهزتها الأمنية وهي تتحدث عن الدور الوطني الذي تقوم به الأجهزة بالرغم من أن ما تقوم به خطيئة وطنية واضحة، كيف لا؟ وكل الدنيا تعارفت على حق الشعوب في مقاومة المحتلين والسعي في سبيل تقرير المصير، أما أن يسمى قتل المناضلين واعتقالهم وتحييدهم عمل وطني فهو قلب للمفاهيم و مخالفة للعقل السليم. ثم تأتي الكارثة الكبرى فكل المراقبين والمحللين بما فيهم من يتبع سلطة أوسلو يقولون أن الحكومة الصهيونية الحالية هي الأكثر تطرفاً في تاريخ الكيان منذ نشأته، وهي حكومة تسعى إلى حسم الصراع وضم الضفة الغربية وحتى ضم الضفة الشرقية لو أمكنهم ذلك، وحتى أن بعض أطراف هذه الحكومة يرى ضرورة تفكيك سلطة أوسلو وإنهاؤها، وليس هناك طريق لوقف عدوان هذه الحكومة إلا بالمقاومة ،والمقاومة المسلحة على وجه الخصوص والمنطق السياسي الصحيح يقول أن على سلطة أوسلو وأجهزتها الأمنية أن ترفع يدها عن المقاومة وتسمح لها بضرب قوات الاحتلال ومستوطنيه وذلك على الأقل لترسل رسالة للاحتلال والمجتمع الدولي أن الفلسطينيين لديهم خيارات أخرى فإن لم تستجيبوا للمفاوضين فعليكم مواجهة المقاومين وفق نظرية من يهز الشجر وآخر يجني الثمر، إلا أن سلطة أوسلو لا تفهم منذ استشهاد الرئيس ياسر عرفات إلا لغة واحدة هي لغة الذل والهوان التي تسمى مفاوضات ،تلك المفاوضات التي لا يأبه لها الاحتلال ولا يستخدمها إلا لإطالة عمره وتوسيع استيطانه، وهذا بالنسبة للاحتلال معروف ومفهوم ،أما لماذا تقوم سلطة أوسلو بهذه الخطيئة الوطنية والسياسية؟ أمر غير مفهوم ولا يمكن تفسيره إلا بأن الشعب الفلسطيني بات مخطوفاً من قيادة غير شرعية تسعى فقط للحفاظ على منجزاتها وثرواتها الشخصية، وعلى حركة فتح أن تحاسب نفسها وتقف أمام مسؤولياتها وتعيد إرثها الوطني الذي عمّده الشهداء بدمائهم والأسرى بآهاتهم ،وإلا لن يرحمهم التاريخ.  

یا قادة سلطة أوسلو: الاعتقال السياسي والمساس بحياة المجاهدين والمناضلين والمقاومين جريمة لن يغفرها لكم شعبنا وسيحاسب يومًا كل من باع إرث الشهداء.


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023