للحرية مذاق آخر، وللأسرى المحرومين من الحرية حلم يراودهم، يعيش معهم لحظة بلحظة ويكبر في داخلهم. فهو غذاؤهم ومصدر قوتهم وسر بقائهم، سواء أكانوا ذكوراً أم إناثاً، قدامى أم حديثي اعتقال. هذا حقهم. لكن دولة الاحتلال تُصر دوماً على مصادرة هذا الحق، فتشدد من قيودها عليهم، وتُصعد من انتهاكاتها وجرائمها بحقهم، وتصدر أحكاماً خيالية ضدهم، وتتهرب من استحقاقات "العملية السلمية"، فيبدو الحل السلمي عاجزاً عن تحريرهم، وتُصر على احتجازهم وإبقائهم رهائن في سجونها ومعتقلاتها لسنوات وعقود طويلة، دون مراعاة لحاجات الأطفال والنساء، أو لمعاناة المرضى وكبار السن من الذكور والإناث، جرّاء الأمراض التي نهشت أجسادهم واستوطنتهم. وهو الأمر الذي يدفع بعض الفلسطينيين -رغماً عنهم- إلى ما يرونه بديلاً، وقد دللت التجربة على جدواه، ألا وهو خطف وأسر الجنود والمستوطنين الإسرائيليين، لمبادلتهم بالأبناء والأشقاء الفلسطينيين والعرب القابعين وراء القضبان، وكسر قيدهم وتحقيق حُلمهم بالحرية. ولقد قُيض لبعض هذه العمليات أن يتوج بالنجاح، كما مني بعضها بالفشل. وفي كل مرة نجح الفلسطينيون في إجراء عملية تبادل، كان هذا يشجعهم على تكرار المحاولة من جديد، بهدف فرض إجراء عمليات التبادل الهادفة إلى إطلاق الأسرى الفلسطينيين والعرب. وما عملية "شاليط"، عنا ببعيدة.
وإذا كان من الطبيعي أن يفرح الشعب الفلسطيني بالإفراج عن أسراه من خلال التسوية والمفاوضات ومن دون قطرة دم، فإنه من غير الطبيعي أن تخشى إسرائيل الإفراج عن الأسرى إلاّ بعد أسر جنود لها في حروبها الدامية، وثمناً لعدوانها السافر على المناطق الفلسطينية والعربية.
واستناداً لما هو موثق، فإن مجمل عمليات تبادل الأسرى، التي جرت بين دولة الاحتلال والعرب - منذ سنة 1948- قد وصل إلى 39 عملية، بدأتها عربياً جمهورية مصر العربية في 27شباط/فبراير1949، ثم فلسطينياً الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بتاريخ 23 تموز/يوليو1968.
وهذه أبرز صفقات التبادل فلسطينياً:
- في 23 تموز/يوليو 1968، جرت أول عملية تبادل بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، بعد نجاح مقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في إجبار طائرة على الهبوط في الجزائر واحتجاز من فيها، وقد تم إبرام الصفقة، بوساطة الصليب الأحمر الدولي، وأفرج بموجبها عن المحتجزين، في مقابل إطلاق 37 أسيراً فلسطينياً من ذوي الأحكام العالية.
- في 28 كانون الثاني/يناير1971، جرت عملية تبادل جديدة بين حركة "فتح"، وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، أطلقت بموجبها إسرائيل الأسير الفلسطيني محمود بكر حجازي، في مقابل إطلاق الجندي الإسرائيلي شموئيل فايز الذي كان قد تم أسره في أواخر سنة 1969. ومن الجدير ذكره أن حجازي المعتقل في 18 كانون الثاني/يناير 1965، يُعتبر أول أسير فلسطيني في الثورة الفلسطينية المعاصرة.
- في آذار/مارس1979، جرت عملية تبادل "النورس" بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، أطلقت بموجبها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة- الجندي الإسرائيلي أبراهام عمرام، الذي كانت قد أسرته في 5 نيسان/أبريل 1978 خلال عملية الليطاني. وقد أفرجت إسرائيل في المقابل عن 76 معتقلاً فلسطينياً، من ضمنهم 12 فتاة.
- في 13 شباط/فبراير1980، أطلقت حكومة الاحتلال الإسرائيلي الأسيرين القياديين مهدي بسيسو "أبو علي"، ووليام نصار، في مقابل إطلاق أشهر جاسوسة موساد عربية هي أمينة داوود المفتي، التي كانت محتجزة لدى حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح". وقد تمت عملية التبادل في قبرص، بإشراف اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
- في 23 تشرين الثاني/نوفمبر1983، تمت عملية تبادل جديدة، بين إسرائيل والفلسطينيين، أطلقت إسرائيل بموجبها جميع معتقلي معتقل أنصار، في الجنوب اللبناني، وعددهم 4700 فلسطينياً ولبنانياً، بالإضافة إلى نحو 100 أسير من السجون الإسرائيلية، في مقابل إطلاق ستة جنود إسرائيليين من قوات الناحال الخاصة، كانت حركة "فتح" قد أسرتهم في منطقة بحمدون في لبنان، بتاريخ 4 أيلول/ سبتمبر 1982، وهم: إلياهو افوتفول وداني جلبوع ورافي حزان وروبين كوهين وأبراهام مونتبليسكي وآﭬـي كورنفلد. وقد اعتُبرت هذه العملية، الأضخم في تاريخ عمليات التبادل.
- في 20 أيار/مايو1985، جرت عملية تبادل بين إسرائيل والجبهة الشعبية -القيادة العامة- سميت "عملية الجليل"، أطلقت إسرائيل بموجبها 1155 أسيراً كانوا محتجزين في سجونها. وفي مقابل ذلك، أطلق الفلسطينيون ثلاثة جنود إسرائيليين هم: الرقيب أول حازييشاي، وهو يهودي من أصل عراقي، أُسر خلال معركة السلطان يعقوب، بتاريخ 11حزيران/ يونيو 1982، خلال قيادته إحدى أرتال الدبابات الإسرائيلية. أمّا الجنديان الآخران فهما يوسف عزون ونسيم شاليم، الأول من أصل مصري، والآخر من أصل هنغاري، وكانا قد أُسرا في بحمدون في لبنان بتاريخ 4 أيلول/ سبتمبر 1982، مع ستة جنود آخرين، كانوا في حيازة حركة "فتح"، وأُطلقوا ضمن عملية تبادل أُخرى للأسرى سنة 1983.
- في 13 أيلول/سبتمبر1991، استلمت إسرائيل جثة الجندي الدرزي سمير أسعد من بيت جن التي كانت تحتجزها الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، منذ سنة 1983، وذلك في مقابل سماح إسرائيل بعودة أحد مبعدي الجبهة وهـو النقابي علي عبد الله أبو هلال من أبو ديس، الذي كانت قد أبعدته في سنة 1986.
- في 1 تشرين الأول/أكتوبر2009، أفرجت إسـرائيل عن عشرين أسيرة فلسطينية من الضفـة الغربية وقطاع غزة، في مقابل حصولها على شريط فيديو، مصور حديثاً، لمدة دقيقتين، يحتوي على معلومات عن حالة الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليط المأسور لدى حركة "حماس" في قطاع غزة، منذ 25 حزيران/يونيو 2006، وقد ظهر شاليط في الشريط بصحة جديدة. واعتُبرت هذه الصفقة في حينه جزءاً من مفاوضات لإتمام الصفقة الكبرى.
- في 18 تشرين الأول/أكتوبر2011، تمت صفقة التبادل هذه، التي أطلق عليها الفلسطينيون اسم "صفقة وفاء الأحرار" بين "حماس" وإسرائيل، برعاية مصرية. وتم بموجبها إطلاق شاليط الذي تم أسره بزيه العسكري وهو على متن دبابة عسكرية، وفي مقابله أطلقت إسرائيل 1027 محتجزاً فلسطينياً في سجونها، منهم 994 أسيراً، و33 أسيرة. وقد تمت الصفقة على مرحلتين: في الأولى أطلق شاليط في 18 تشرين الأول/أكتوبر 2011، في مقابل إطلاق 450 أسيراً و27 أسيرة. أمّا في المرحلة الثانية فانفردت إسرائيل باختيار الأسماء، إذ أفرجت عن 544 أسيراً و6 أسيرات، بعد شهرين، وتحديدا بتاريخ 18 كانون الأول/ديسمبر من السنة نفسها.
ويعلّق الفلسطينيون آمالاً كبيرة على ما لدى حركة "حماس" من أسرى إسرائيليين تحتجزهم في غزة، وما تمتلكه من أوراق قوة في هذا الصدد تمكّنها من تحقيق صفقة تبادل جديدة.