أولاً : مقدمة :
تسارعت في الأونة الأخيرة الخطوات الأمنية الخشنة لأجهزة سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية ضد فصائل المقاومة في مدن شمال الضفة الغربية ؛ خاصة مدينة جنين ومخيمها ، مما استدعى تدخل جهود وساطة من وجهاء وكبار القامات الفلسطينية العاملة في حقل المصالحات المجتمعية ، والجاهات العشائرة ، علّ جهودهم تحقن الدماء المسفوحة ، وتوقف آلة الخراب التي ( شغّلتها ) أجهزة السلطة ، في جهد ـ جهد أجهزة أمن السلطة ـ يُجمع أغلب أهلنا في فلسطين المحتلة على أنه لا يصب في مصلحة فلسطين ، ولا في مشروع تحررها وخلاصها من المحتل الذي يفسد الدين والدينا ، ولا فيما تتذرع به تلك الأجهزة من علل وأسباب ؛ تزعم أنها تهدف إلى حماية ( مكتسبات ) وطنية . أمام هذا الموقف المستجد ، والتغول غير المبرر لأجهزة السلطة الأمنية ، وجدت فصائل المقاومة العاملية في شمال الضفة الغربية نفسها بين مطرقة العدو ، وسندان السلطة ، عاضة ـ المقاومة ـ على جرحها ، مقدمة عدم التصادم مع جزء من أبناء شعبها على التقاتل معهم ، معطية للعقل فرصة ، علّ من اعتدى يثوب إلى رشده ، ويكف عن غيه ، ويوقف آلة بطشه ، ويتوحد مع أبناء شعبه ؛ فيكون لهم درعاً حامية ، وعيناً راعية ، الأمر ـ العودة على حضن الشعب وخيار المقاوم ـ لا يبدو أنه حاصل في المدى المنظور . وانطلاقاً من هذا الموقف ؛ يأتي " تقدير الموقف " هذا ليوصف الحالة ، ويحلل معطياتها ، ويقدر مآلاتها ، ثم يقترح توصيات للتعامل مع هذا الأزمة وإدارة صفحاتها .
ثانيا : توصيف الموقف :
بما أن كاتب هذا " التقدير " ارتضى تسمية المطرقة والسندان لتوصيف لموقف الكلي ؛ فإنه سيمضي على هذا المنوال في التوصيف والتحليل ، ومن ثم على الله قصد السبيل .
- سندان السلطة :
أما عن سندان السلطة ؛ فإنه يتكون من أهم المركبات الآتية :
- ( شرعية ) قانونية تخول هذا الطرف احتكار استخدام العنف والسلاح .
- ( شرعية ) محلية وعربية ودولية ، تحميه من المسائلة والنقد ، على اعتبار أنها ـ السلطة ـ الممثل (الشرعي ) والوحيد للشعب الفلسطيني .
- حاضنة شعبية ـ بغض النظر عن حجمها ـ مرتبطة مصلحياً بسلطات الحكم المحلية ؛ المدنية والعسكرية تؤيد وتؤازر إجراءات السلطة الأمنية والسياسية ضد فصائل المقاومة وحاضنتها .
- تنسيق أمني ، وتبادل معلوماتي ، وتخادم إداري مع العدو ، يمكّن أجهزة السلطة الأمنية من السيطرة المعلوماتية ، والإدامة العملياتية للإجراءات التعبوية والميدانية التي تقوم بها ضد المقاومة وحاضنتها .
- حرية حركة ومناورة في مختلف البقع الجغرافية المرشحة للعمل الأمني والعسكري .
- تنسيق أمني مع جهات أمنية إقليمية تساعد في عمليات قطع خطوط الإمداد المالية واللوجستية ، وتضييق هامش الأعمال الإدارية لفصائل المقاومة في تلك الجغرافيات الإقليمية .
- كم الدمار الهائل وغير المسبوق الناتج عن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة .
- مطرقة الاحتلال :
أما عن توصيف مطرقة الاحتلال وما يزيدها ( ثقلا) وفاعلية ؛ فيمكن إيراد أهم السمات التالية التي تسم هذه المطرقة وتمنحها ( ثقلا ) .
- منطقة عسكرية بكامل قدراتها الإدارية والقتالية واللوجستية ، الأمر الذي يعني تعبوياً انتشار ما يعادل 20 كتيبة قتالية على كامل جغرافيا منطقة العمليات .
- قدرات قتالية كاسرة ( للتوازن ) في عمليات حرب المدن ، والاحتكاكات القريبة مع مجاميع المقاومة ، من قبيل الطائرات المسيرة ( نقطية ) الاستهداف ، أو تلك التي توفر للقادة الميدانيين متابعة آنية لساحة العمليات ، وصولاً إلى استدعاء الطيران الحربي في بعض حالات الاشتباك الجو أرضي .
- سيطرة شبه كاملة على الفضاء الجوي والالكتروني لمنطقة عمليات الضفة الغربية .
- قدرات قتالية ( شعبية ) تابعة للتجمعات الاستيطانية ، مدعومة عند الحاجة بقوات أمن وجيش نظامية .
- قرار بعودة كتائب نظامية منتشرة في جبهتي غزة ولبنان للعمل في مناطق الضفة الغربية .
- توجه سياسي أمني يقضي باعتبار ساحة الضفة الغربية ؛ ساحة تهديد رئيسية ، وزيادة العمليات الهجومية و( الدفاعية ) فيها .
- حالة ( نشوة ) يعيشها الاحتلال ـ شعبياً ، ورسمياً ـ ناتجة عن إنجازاتهم في معارك غزة ، ولبنان .
- الــ ( جسم ) ما بين المطرقة والسندان :
وحيث أننا وصّفنا ( السندان ) و ( المطرقة ) ؛ فلا بد حتى تكتمل صورة الموقف من توصيف الجسم الذي تحاول تلك المطرقة ، وذاك السندان سحقه ، والقضاء عليه ؛ عنينا به المقاومة ، حيث أن من أهم صفاته وميزاته ما يأتي :
- إمتلاك روح تعرضية عالية .
- توفر تأييد وحاضنة شعبية معقولة .
- ( قصر ) العمر العملياتي للمقاومين .
- صعوبة في بناء أجسام عمل وخلايا مقاومة ، مستدامة تؤمن تراكم الخبرات والتجارب .
- صعوبة في عمليات القيادة والسيطرة ، الداخلية والخارجية .
- صعوبية في عمليات الإدامة العملياتية ، والإسناد الفني .
- حصار جغرافيات العمل ، وتقطيع أوصال مناطق الحركة والمناورة .
- صعوبة في عمليات الإسناد أو الدفاع المتبادل بين الجغرافيا في منطقة العمليات ، وحتى داخل بقعة العمل الواحدة .
ثالثاً : تحليل المعطيات :
إن تحليل معطيات ( السندان ) و ( المطرقة ) و ( الجسم ) ما بين هاتين الأداتين ، يوصلنا إلى مجموعة من الدلالات والمؤشرات والتي من أهمها :
- حالة استنزاف وإرهاق للجسم ( إقرأ المقاومة ) المستهدف ناتجة عن كفاءة ( المطرقة والسندان ) وسيطرتهما على الموقف ، وقدرتهما على تبادل الأدوار ، والفعل التخادمي ، مما يجعل المقاومة في حالة من الضغط والارباك يحرمها من ميزة الهدوء والسكينة ، ويبقها تحت الضغط ، الأمر الذي ينتج عنه عدم قدرة على التفكير المنظم المطلوب لتطوير الأعمال ، واستخلاص العبر ، ومن ثم السيطرة على الموقف ، والخروج من مربع رد الفعل إلى مربع الفعل .
- صعوبة البناء والتأسيس لعمل مقاوم مستدام ، طويل العمر ، عالي الكفاءة .
- صعوبة مراكمة التجارب وتوريث الخبرات .
- صعوبة في عمليات الإدامة والإمداد البشري والمادي .
- بدء ( تململ ) الحاضنة الشعبية الناتج عن حجم التضحيات البشرية والمادية ، وعدم تفهم أو قبول الاشتباك أو ( الاقتتال ) الداخلي ، حتى لو كان دفاعاً عن النفس .
رابعاً : التقدير :
نعتقد أن الظروف الدولية والإقليمية والمحلية ، ساعدت وتساعد في عملية إدمة الضغط على المقاومة في الضفة الغربية ، في إجراء تتوزع فيه الأدوار ؛ بين المحتل وسلطة الحكم الذاتي وأجهزتهما الأمنية والعسكرية والإدارية ، مضافاً لهما أجهزة أمن إقليمية ودولية ، الأمر الذي قد يفضي على المدى القريب إلى إدامة حالة استنزاف المقاومة بشرياً ومادياً ومجتمعياً ، وعلى المدى المتوسط إلى ( تخلخل ) الحاضنة الشعبية ، وتساوقها مع رغبات أجهزة سلطة الحكم الذاتي الأمنية والإدارية ، كنتيجة لكم التضحيات البشرية والمادية للفعل المقاوم ، وتضرر المرافق الخدمية الناتج عن عمليات التخريب الممنهج الذي تمارسه قوات الاحتلال أثناء تصديها لعمليات المقاومة في مختلف مدن وقرى الضفة الغربية .
خامسا ً : توصيات :
- عمل وقفة تعبوية لقوى المقاومة لمراجعة الفعل المقاوم ـ أهدافاً وإجراءات ونتائج وضوابط وسياسات ـ في السنة الماضية على أقل تقدير .
- التوافق على استراتيجة عمل تهدف إلى إدمة العمل المقاوم وعدم توقفه من جهة ، وبناء عمل مقاوم مستدام ، تطول فيه أعمار المقاومين الفنية ، وتراكم فيه التجارب ، وتورّث فيه الخبرات ، من جهة ثانية.
- البحث في سبل وإجراءات وطرق عمل تحمي الحاضنة الشعبية ومن بطش المحتل الأصيل ، وتغول الفاعل الوكيل ، وتحافظ على الحد الأدنى المقبول من مقومات صمودها وتحمل أعباء الفعل المقاوم .
- بناء وتقديم سردية تعري أجهزة سلطة الحكم الذاتي الأمنية ، وتسحب بساط ( الدعم ) و ( التأييد ) الشعبي من تحت أقدامها .
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .