المقاومة في الضفة الغربية بين سندان السلطة ومطرقة الاحتلال

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

أولاً : مقدمة

تسارعت في الأونة الأخيرة الخطوات الأمنية الخشنة لأجهزة سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية ضد فصائل المقاومة في مدن شمال الضفة الغربية ؛ خاصة مدينة جنين ومخيمها ، مما استدعى تدخل جهود وساطة من وجهاء وكبار القامات الفلسطينية العاملة في حقل المصالحات المجتمعية ، والجاهات العشائرة ، علّ جهودهم تحقن الدماء المسفوحة ، وتوقف آلة الخراب التي ( شغّلتها ) أجهزة السلطة ، في جهد ـ جهد أجهزة أمن السلطة ـ يُجمع أغلب أهلنا في فلسطين المحتلة على أنه لا يصب في مصلحة فلسطين ، ولا في مشروع تحررها وخلاصها من المحتل الذي يفسد الدين والدينا ، ولا فيما تتذرع به تلك الأجهزة من علل وأسباب ؛ تزعم أنها تهدف إلى حماية ( مكتسبات ) وطنية . أمام هذا الموقف المستجد ، والتغول غير المبرر لأجهزة السلطة الأمنية ، وجدت فصائل المقاومة العاملية في شمال الضفة الغربية نفسها بين مطرقة العدو ، وسندان السلطة ، عاضة ـ المقاومة ـ على جرحها ، مقدمة عدم التصادم مع جزء من أبناء شعبها على التقاتل معهم ، معطية للعقل فرصة ، علّ من اعتدى يثوب إلى رشده ، ويكف عن غيه ، ويوقف آلة بطشه ، ويتوحد مع أبناء شعبه ؛ فيكون لهم درعاً حامية ، وعيناً راعية ، الأمر ـ العودة على حضن الشعب وخيار المقاوم ـ لا يبدو أنه حاصل في المدى المنظور . وانطلاقاً من هذا الموقف ؛ يأتي " تقدير الموقف " هذا ليوصف الحالة ، ويحلل معطياتها ، ويقدر مآلاتها ، ثم يقترح توصيات للتعامل مع هذا الأزمة وإدارة صفحاتها . 

ثانيا : توصيف الموقف

بما أن كاتب هذا " التقدير " ارتضى تسمية المطرقة والسندان لتوصيف لموقف الكلي ؛ فإنه سيمضي على هذا المنوال في التوصيف والتحليل ، ومن ثم على الله قصد السبيل . 

  1. سندان السلطة

أما عن سندان السلطة ؛ فإنه يتكون من أهم المركبات الآتية : 

  • ( شرعية ) قانونية تخول هذا الطرف احتكار استخدام العنف والسلاح . 
  • ( شرعية ) محلية وعربية ودولية ، تحميه من المسائلة والنقد ، على اعتبار أنها ـ السلطة ـ  الممثل (الشرعي ) والوحيد للشعب الفلسطيني .
  • حاضنة شعبية ـ بغض النظر عن حجمها ـ مرتبطة مصلحياً بسلطات الحكم المحلية ؛ المدنية والعسكرية تؤيد وتؤازر إجراءات السلطة الأمنية والسياسية ضد فصائل المقاومة وحاضنتها . 
  • تنسيق أمني ، وتبادل معلوماتي ، وتخادم إداري مع العدو ، يمكّن أجهزة السلطة الأمنية من السيطرة المعلوماتية ، والإدامة العملياتية للإجراءات التعبوية والميدانية التي تقوم بها ضد المقاومة وحاضنتها . 
  • حرية حركة ومناورة في مختلف البقع الجغرافية المرشحة للعمل الأمني والعسكري . 
  • تنسيق أمني مع جهات أمنية إقليمية تساعد في عمليات قطع خطوط الإمداد المالية واللوجستية ، وتضييق هامش الأعمال الإدارية  لفصائل المقاومة في تلك الجغرافيات الإقليمية .
  • كم الدمار الهائل وغير المسبوق الناتج عن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة . 



  1. مطرقة الاحتلال :

أما عن توصيف مطرقة الاحتلال وما يزيدها ( ثقلا) وفاعلية ؛ فيمكن إيراد أهم السمات التالية التي تسم هذه المطرقة وتمنحها ( ثقلا ) .  

  • منطقة عسكرية بكامل قدراتها الإدارية والقتالية واللوجستية ، الأمر الذي يعني تعبوياً انتشار ما يعادل 20  كتيبة قتالية على كامل جغرافيا منطقة العمليات . 
  • قدرات قتالية كاسرة ( للتوازن ) في عمليات حرب المدن ، والاحتكاكات القريبة مع مجاميع المقاومة ، من قبيل الطائرات المسيرة ( نقطية ) الاستهداف ، أو تلك التي توفر للقادة الميدانيين متابعة آنية لساحة العمليات ، وصولاً إلى استدعاء الطيران الحربي في بعض حالات الاشتباك الجو أرضي . 
  • سيطرة شبه كاملة على الفضاء الجوي والالكتروني لمنطقة عمليات الضفة الغربية . 
  • قدرات قتالية ( شعبية ) تابعة للتجمعات الاستيطانية ، مدعومة عند الحاجة بقوات أمن وجيش نظامية . 
  • قرار بعودة كتائب نظامية منتشرة في جبهتي غزة ولبنان للعمل في مناطق الضفة الغربية .
  • توجه سياسي أمني يقضي باعتبار ساحة الضفة الغربية ؛ ساحة تهديد رئيسية ، وزيادة العمليات الهجومية و( الدفاعية ) فيها . 
  • حالة ( نشوة ) يعيشها الاحتلال ـ شعبياً ، ورسمياً ـ ناتجة عن إنجازاتهم في معارك غزة ، ولبنان .
  1. الــ ( جسم ) ما بين المطرقة والسندان

وحيث أننا وصّفنا ( السندان ) و ( المطرقة ) ؛ فلا بد حتى تكتمل صورة الموقف من توصيف الجسم الذي تحاول تلك المطرقة ، وذاك السندان سحقه ، والقضاء عليه ؛ عنينا به المقاومة ، حيث أن من أهم صفاته وميزاته ما يأتي : 

  • إمتلاك روح تعرضية عالية . 
  • توفر تأييد وحاضنة شعبية معقولة . 
  • ( قصر ) العمر العملياتي للمقاومين . 
  • صعوبة في بناء أجسام عمل وخلايا مقاومة ، مستدامة تؤمن تراكم الخبرات والتجارب . 
  • صعوبة في عمليات القيادة والسيطرة ، الداخلية والخارجية . 
  • صعوبية في عمليات الإدامة العملياتية ، والإسناد الفني . 
  • حصار جغرافيات العمل ، وتقطيع أوصال مناطق الحركة والمناورة . 
  • صعوبة في عمليات الإسناد أو الدفاع المتبادل بين الجغرافيا في منطقة العمليات ، وحتى داخل بقعة العمل الواحدة .   

ثالثاً : تحليل المعطيات

إن تحليل معطيات ( السندان ) و ( المطرقة ) و ( الجسم ) ما بين هاتين الأداتين ، يوصلنا إلى مجموعة من الدلالات والمؤشرات والتي من أهمها : 

  1. حالة استنزاف وإرهاق للجسم ( إقرأ المقاومة ) المستهدف ناتجة عن كفاءة ( المطرقة والسندان ) وسيطرتهما على الموقف ، وقدرتهما على تبادل الأدوار ، والفعل التخادمي ، مما يجعل المقاومة في حالة من الضغط والارباك يحرمها من ميزة الهدوء والسكينة ، ويبقها تحت الضغط ، الأمر الذي ينتج عنه عدم قدرة على التفكير المنظم المطلوب لتطوير الأعمال ، واستخلاص العبر ، ومن ثم السيطرة على الموقف ، والخروج من مربع رد الفعل إلى مربع الفعل . 
  2. صعوبة البناء والتأسيس لعمل مقاوم مستدام ، طويل العمر ، عالي الكفاءة . 
  3. صعوبة مراكمة التجارب وتوريث الخبرات . 
  4. صعوبة في عمليات الإدامة والإمداد البشري والمادي . 
  5. بدء ( تململ ) الحاضنة الشعبية الناتج عن حجم التضحيات البشرية والمادية ، وعدم تفهم أو قبول الاشتباك أو ( الاقتتال ) الداخلي ، حتى لو كان دفاعاً عن النفس .  

رابعاً : التقدير

نعتقد أن الظروف الدولية والإقليمية والمحلية ، ساعدت وتساعد في عملية إدمة الضغط على المقاومة في الضفة الغربية ، في إجراء تتوزع فيه الأدوار ؛ بين المحتل وسلطة الحكم الذاتي وأجهزتهما الأمنية والعسكرية والإدارية ، مضافاً لهما أجهزة أمن إقليمية ودولية ، الأمر الذي قد يفضي على المدى القريب إلى إدامة حالة استنزاف المقاومة بشرياً ومادياً ومجتمعياً ، وعلى المدى المتوسط إلى ( تخلخل ) الحاضنة الشعبية ، وتساوقها مع رغبات أجهزة سلطة الحكم الذاتي الأمنية والإدارية ، كنتيجة لكم التضحيات البشرية والمادية للفعل المقاوم ، وتضرر المرافق الخدمية الناتج عن عمليات التخريب الممنهج الذي تمارسه قوات الاحتلال أثناء تصديها لعمليات المقاومة في مختلف مدن وقرى الضفة الغربية . 

خامسا ً : توصيات

  1. عمل وقفة تعبوية لقوى المقاومة لمراجعة الفعل المقاوم ـ أهدافاً وإجراءات ونتائج وضوابط وسياسات ـ في السنة الماضية على أقل تقدير . 
  2. التوافق على استراتيجة عمل تهدف إلى إدمة العمل المقاوم وعدم توقفه من جهة ، وبناء عمل مقاوم مستدام ، تطول فيه أعمار المقاومين الفنية ، وتراكم فيه التجارب ، وتورّث فيه الخبرات ، من جهة ثانية. 
  3. البحث في سبل وإجراءات وطرق عمل تحمي الحاضنة الشعبية ومن بطش المحتل الأصيل ، وتغول الفاعل الوكيل ، وتحافظ على الحد الأدنى المقبول من مقومات صمودها وتحمل أعباء الفعل المقاوم . 
  4. بناء وتقديم سردية تعري أجهزة سلطة الحكم الذاتي الأمنية ، وتسحب بساط ( الدعم ) و ( التأييد ) الشعبي من تحت أقدامها .

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023