يديعوت أحرنوت
ترجمة حضارات
رونين بريجمان
ما الذي وقّعته إسرائيل؟
في الشهر الماضي، وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي خمسة "شروط أساسية" لإنهاء الحرب، كان أبرزها استسلام حماس الكامل. عمليًا، لم تُنزع أسلحة حماس، ولم تُفرغ غزة من السلاح. وتثير مراجعة وثائق الاتفاق سؤالًا جوهريًا: إذا كانت هذه الشروط أساسية، فلماذا تنازل عنها نتنياهو؟ مصدر في مجتمع الاستخبارات وصف الاتفاق بأنه "ناجح"، لكنه أقر بوجود "تنازلات عميقة جدًا".
قال نتنياهو في منتصف أغسطس/آب 2025: "اجتمعت الحكومة وقررنا خمسة مبادئ لإنهاء الحرب"، مؤكّدًا ذلك أمام الكاميرا برفع يده وتحريكها نحو العدسة. كان هذا التصريح الرابع له خلال أسبوع، يكرّر فيه نفس العبارات، دون أن يشمل ذلك البيانات الصحفية والحشد الإعلامي الهائل. قبل ثلاثة أيام، قال من زاوية تصوير مختلفة إن "الحكومة اتخذت قرارًا حاسمًا بهزيمة حماس"، وأوعز للجيش بالانتقال إلى "المرحلة الحاسمة".
بدا نتنياهو مصرًّا على إقناع حماس بعزمه الجاد على غزو غزة، واضعًا خمسة شروط اعتبرها أساسية للتوصل إلى اتفاق شامل. في خطاب سابق، كانت هناك ستة شروط، لكنه تنازل طوعًا عن بند "نقل السلطة". ومع ذلك، فإن جوهر مطالبه كان استسلامًا كاملًا من حماس، وهو أمر يشكك الخبراء في إمكانية حدوثه. الخيار الآخر المطروح كان التقدم نحو مدينة غزة، بكل ما يحمله ذلك من تبعات.
يزعم نتنياهو الآن أن الضغط العسكري هو ما دفع حماس إلى الاستسلام، وأن هذا الضغط لم يُمارس إلا بفضل خطته، رغم معارضة بعض قيادات الجيش. ويؤكد أن خطة احتلال غزة كانت ثمرة مناورة عسكرية وسياسية ماكرة، قادها بنفسه، بمساعدة الرئيس ترامب.
لكن إذا كان كل ذلك صحيحًا، وإذا كان نتنياهو هو من رسم المسار والنتيجة، فلماذا لم تتحقق أربعة من الشروط الخمسة التي أعلنها؟ لم تُنزع أسلحة حماس، ولم يُفرغ القطاع، ولا تملك إسرائيل سيطرة أمنية كاملة عليه، ولا يوجد وعد بتشكيل حكومة مدنية بديلة عن حماس والسلطة الفلسطينية – بل إن السلطة ستبقى قائمة.
في خطابه بتاريخ 14 أغسطس/آب، قال نتنياهو: "هذه المبادئ الخمسة ستضمن أمن إسرائيل. هذا ما تعنيه كلمة 'نصر'". لكن الرئيس ترامب، الذي وضع ترتيبًا تدريجيًا يتناسب مع جدول جائزة نوبل، تجاهل في هذه المرحلة ما يسميه نتنياهو "نصرًا".
فإذا كان نتنياهو يدعو إلى مبادئ النصر المطلق، فما هو تعريفه للوضع الحالي، في حين أن الأغلبية المطلقة من تلك المبادئ لم تتحقق؟
"الاتفاق ناجح، لكن التنازلات عميقة جدًا"
هذا النص لا يُكتب للتشكيك في جدوى الاتفاق أو الدعوة لرفضه، بل على العكس: عودة المختطفين إلى ديارهم هي بداية تغيير مسار إسرائيل والمنطقة نحو الأفضل. لكن هناك سبب وجيه وراء الجهد المبذول لإقناع الجمهور بأن الأسود أبيض، والليل نهار.
يقول مصدر استخباراتي مطّلع، يتواجد غالبًا على خط التماس بين الاستخبارات والدفاع والمستوى السياسي، إن من حق الجمهور الحصول على إجابات صادقة على ثلاثة أسئلة مركزية:
وثيقة التفاهم بين إسرائيل وحماس
نُشرت وثيقة قصيرة بصيغة PDF على الموقع الحكومي، تلخص قرارًا اتُخذ عقب استطلاع رأي هاتفي بين الوزراء. وهي تعديل على قرار سابق وافقت فيه الحكومة على الاتفاق الذي اقترحه الرئيس ترامب لإنهاء الحرب وصفقة الأسرى.
في اللحظة الأخيرة، أُضيف بند يمنح رئيس الوزراء ووزير الدفاع صلاحية خاصة لتعديل قائمة السجناء. وتنص الوثيقة على حذف بعض السجناء الأمنيين وإضافة آخرين، وفق ملحق سري محفوظ في أمانة الحكومة.
هل تشمل هذه الأسماء إرهابيين سبق أن أعلن نتنياهو ووزراؤه أنهم لن يُفرج عنهم؟ وهل يرتبط هذا القرار بسلسلة المحادثات التي استمرت حتى فجر الجمعة بين كبار المسؤولين في الدول الوسيطة ونظرائهم الإسرائيليين؟
ما لم يُكشف للجمهور
كل ما لم ترغب الحكومة في كشفه – مثل خرائط الانسحاب الدقيقة، وآلية مراقبة الاتفاق، والتحقيق في الجثث التي تدّعي حماس أنها لا تعرف مكانها – نُقل إلى الملحق السري.
في الاتفاق الذي وقّع في شرم الشيخ، جاء في بدايته أن "الرئيس ترامب سيعلن انتهاء الحرب"، وأن "العمليات العسكرية ستتوقف فورًا بموافقة الحكومة الإسرائيلية". هذا لم يُذكر في قرار الحكومة المنشور، الذي صوّر العملية على أنها "خطة لإطلاق سراح الرهائن".
الفرق في المصطلحات واضح: "الانسحاب" يعني مغادرة دائمة، بينما "الانتشار" يحافظ على مرونة العمليات. وينص القرار على أن إطلاق السجناء ونقل الجثث لن يتم إلا بعد استلام جميع الرهائن، خلافًا للرواية الأميركية التي تحدثت عن خطوات متزامنة.
الواقع مقابل الرواية الرسمية
إسرائيل ستنفذ انسحابين من غزة: الأول قبل عودة المختطفين، والثاني بعدها، "لتجنب الاحتكاك مع السكان"، وهو تفسير مثير للجدل للتنازلات التي قدمتها إسرائيل بعد جدال حاد مع حماس عبر الوسطاء.
كل ما لم يُكشف – من خرائط الانسحاب إلى آلية المراقبة الدولية – نُقل إلى الملحق السري، في محاولة لخلق توازن قسري بين سلوك نتنياهو خلال العامين الماضيين وما وافق عليه الآن.
يتفاخر نتنياهو بإعادة المختطفين، لكنه يتجاهل أن 42 منهم وصلوا إلى غزة أحياءً، وعادوا – أو سيعودون – في توابيت. حماس مسؤولة عن موتهم، لكن الحكومة الإسرائيلية مسؤولة عن تأخير جهود إعادتهم، حيث عمل بعض الوزراء علنًا وسرًا لمنع ذلك.
خياران مرّان
بعد أن وضع نتنياهو شروطًا لم تلتزم بها حماس، لم يبقَ سوى خيارين: إما أن يتراجع عن قضايا وصفها مرارًا بأنها ضرورية لأمن الدولة، أو أنها لم تكن كذلك، وطرحها فقط لضمان استمرار الحرب.
التحول من أوهام "النصر الكامل" إلى التنازل شبه الكامل لا يمكن تفسيره إلا بحملة دعائية تهدف إلى إقناع الجمهور بأن حماس استسلمت، وأن نتنياهو وترامب هندسا كل شيء.
لكن الحقيقة أن حماس لم توافق على نزع سلاحها، ولا على خروج قيادتها، ولا على حل الحركة، ولا على تشكيل حكومة تكنوقراط. الاتفاق لا يتضمن أي من هذه الالتزامات، لا في النسخة الإنجليزية التي وقّعتها إسرائيل والولايات المتحدة، ولا في النسخة العربية التي وقّعها خليل الحية.
وبعد كل ذلك، يبقى السؤال: هل كانت تلك الشروط ضرورية فعلًا؟ أم أنها كانت مجرد أدوات دعائية لضمان استمرار الحرب؟