أنقرة في قلب المشهد الدبلوماسي
في لحظة فارقة من مسار الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، احتضنت العاصمة التركية أنقرة اجتماعاً لوزراء خارجية تركيا والسعودية والأردن وقطر والإمارات وباكستان وإندونيسيا، لمناقشة المرحلة المقبلة من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
لم يكن الاجتماع حدثاً بروتوكولياً عادياً، بل تحركاً سياسياً يحمل رسائل عميقة، ويعكس إرادة إسلامية متجددة لصياغة رؤية جماعية لمستقبل غزة والمنطقة بأكملها.
تنوع الحضور.. شرعية سياسية جديدة
ضمّ الاجتماع مروحة من الدول العربية والإسلامية المؤثرة، ما منحه بعداً سياسياً وإنسانياً واسعاً:
السعودية والإمارات: تمثلان الاتجاه العربي الواقعي الساعي إلى الاستقرار والتسوية السياسية.
تركيا وقطر: تقودان محور الدعم الإنساني والسياسي لغزة.
الأردن: يحمل هاجس القدس والمقدسات الإسلامية.
باكستان و🇮🇩 إندونيسيا: تمنحان اللقاء بعداً إسلامياً عالمياً.
هذا التوازن بين العواصم الخليجية والآسيوية والعربية يشكّل نواة لتحالف دبلوماسي إسلامي متماسك، قادر على كسر الاستقطاب الذي طبع المواقف السابقة.
رسائل الاجتماع: ما بين السياسة والرمزية
لإسرائيل: أن أي ترتيبات ما بعد الحرب لن تمرّ من دون صوت عربي وإسلامي موحد.
للولايات المتحدة: أن ثمة محوراً إسلامياً يسعى لأن يكون شريكاً لا تابعاً في إدارة المرحلة المقبلة.
للفلسطينيين: دعوة إلى وحدة الصف وإعادة ترتيب البيت الداخلي.
للمجتمع الدولي: تذكير بأن العالم الإسلامي يمتلك أدوات دبلوماسية وإنسانية فاعلة.
ملامح التحرك العملي
يتوقع أن يتمخض عن هذا الاجتماع مسار دبلوماسي جديد يركز على:
تثبيت وقف إطلاق النار ومراقبته ميدانياً.
إطلاق خطة إغاثة شاملة وإعادة إعمار بإشراف مشترك.
تنسيق الجهود داخل الأمم المتحدة لدفع مسار سياسي عادل.
صياغة رؤية موحدة لمستقبل غزة والسلطة الفلسطينية.
الدور التركي: قيادة الدبلوماسية الهادئة
تسعى تركيا من خلال هذا الاجتماع إلى تثبيت موقعها كـ قوة توازن إقليمية، تجمع بين الدعم الإنساني والمبادرة السياسية.
أنقرة تريد أن تكون منصة للحوار الإسلامي – العربي، لا ساحة صراع بين المحاور، وتدرك أن نجاحها في هذا الملف سيمنحها ثقلاً متقدماً في رسم مستقبل الشرق الأوسط.
نحو تكتل دبلوماسي إسلامي جديد
يبدو أن العالم الإسلامي يتجه لتأسيس منصة تشاور دائمة حول فلسطين، تعيد توحيد المواقف وتضع حداً لسنوات التباعد السياسي.
ورغم اختلاف الرؤى بين العواصم المشاركة، إلا أن ما يجمعها اليوم هو وعي متزايد بأن غزة أصبحت بوابة إعادة ترتيب المنطقة، لا مجرد ساحة نزاع.
خاتمة تحليلية
إن اجتماع أنقرة لا يُقرأ فقط في سياق الحرب على غزة، بل في إطار تحول إقليمي أعمق تشهده المنطقة.
فثمة نظام إقليمي جديد يتشكل بهدوء، تسعى فيه القوى الإسلامية إلى الإمساك بزمام المبادرة، عبر الدبلوماسية لا الصدام.
وإذا ما نجح هذا المسار في التماسك، فقد تكون غزة نقطة الانطلاق نحو مرحلة أكثر توازناً في الشرق الأوسط — مرحلة يعاد فيها الاعتبار لصوت الأمة