اختبار السودان - مشكلة حماس
مركز القدس للشؤون العامة وشؤون الدولة 
26-10-2020
ترجمة حضارات


هناك قلق كبير في صفوف قيادة حماس من أن اتفاقية التطبيع بين السودان وإسرائيل ستشل أنشطتها في السودان.
 • سمح السودان في الماضي لحركة حماس بتحويل أراضيه إلى مسار رئيسي لتهريب الأسلحة من إيران إلى قطاع غزة، وتغيرت الظروف والتطبيع مع إسرائيل سيلزمها بحرب حازمة على جميع أنواع الإرهاب.

تشعر حماس بقلق بالغ إزاء إعلان التطبيع بين السودان وإسرائيل، الدولة السنية التي كانت لسنوات عديدة منصة ملائمة للإخوان المسلمين وحماس وطريقًا رئيسيًا لتهريب الأسلحة من إيران إلى قطاع غزة نظرًا لموقعها على طول البحر الأحمر.
اتفاق التطبيع بين السودان وإسرائيل هو ضربة مزدوجة لإيران وحماس على حد سواء.

وأصدرت حماس، نهاية الأسبوع، بيانا أدانت فيه اتفاق التطبيع بين السودان وإسرائيل، وأعربت فيه عن غضبها واستيائها من الاتفاق، ودعت الشعب السوداني إلى "محاربة جميع أشكال التطبيع وعدم قبول أي اتصال مع العدو المجرم". وجاء في بيان حماس إن الاتفاق لن يحقق الاستقرار في السودان ولن يحسن وضعه بل "سيمزق السودان نفسه."

كان السودان دولة مؤيدة للإرهاب استضافت القاعدة وزعيمها أسامة بن لادن بل وحتى تبنت حماس.
قاد هذه السياسة اللواء عمر البشير، الذي حكم السودان من عام 1989 إلى عام 2019، حيث قام بحل مجلس الأمة وأسس نظامًا عسكريًا في البلاد يطبق الشريعة الإسلامية.

كشفت المخابرات الإسرائيلية منذ أكثر من 10 سنوات أن البحرية السودانية تعمل كمحور رئيسي لنقل الأسلحة من إيران إلى قطاع غزة.

الضربات الجوية الإسرائيلية في السودان

وفقًا لمصادر أجنبية، أقرتها مصادر أمنية إسرائيلية مع مرور السنوات، فقد هاجم سلاح الجو الإسرائيلي مرارًا وتكرارًا أهدافًا داخل البلاد في إطار مكافحة إسرائيل لتهريب الأسلحة الإيرانية عبر السودان إلى قطاع غزة.

ذكرت مجلة "التايم" في مارس 2009 نقلاً عن مصادر أمنية إسرائيلية أن عشرات الطائرات الإسرائيلية والطائرات بدون طيار هاجمت السودان خلال عملية "الرصاص المصبوب"، وهي قافلة في السودان ضمنت 23 شاحنة تحمل أسلحة معدة للتهريب إلى قطاع غزة.

كان هدف العمليات الجوية الإسرائيلية، وقف إمداد قطاع غزة بالأسلحة وإرسال رسالة إلى إيران حول قدرات إسرائيل الاستخباراتية والعملياتية الدقيقة.

كانت عملية هجوم معقدة على بعد 2800 كيلومتر من إسرائيل، بحيث توجب تزود طائرات F-16 "" المقاتلة بالوقود جواً فوق البحر الأحمر.

وكانت القافلة التي تعرضت للهجوم تحمل نحو 120 طنا من الأسلحة الإيرانية، من بينها صواريخ مضادة للدبابات وصواريخ فجر 3 قادرة على الوصول إلى مسافة 40 كيلومترا ومجهزة برأس حربي يزن 45 كيلوغرام.

قتل في الهجوم عدد من المواطنين الإيرانيين والمهربين السودانيين. قبل أيام قليلة من الهجوم، حذرت الولايات المتحدة الحكومة السودانية من السماح بتهريب الأسلحة من أراضيها، تجاهلت الحكومة السودانية التحذير فجاء الهجوم الإسرائيلي.
لكن على الرغم من الهجوم الإسرائيلي الناجح، استمر تهريب الأسلحة من البلاد إلى قطاع غزة.

كشف رئيس جهاز الأمن العام " الشاباك"، يوفال ديسكين في اجتماع لمجلس الوزراء في عام 2009 أنه منذ عملية الرصاص المصبوب، تم تهريب 22 طنًا من المتفجرات الجاهزة، و 45 طنًا من المواد الخام، لإنتاج الوسائل القتالية، ومئات الصواريخ الجاهزة، ومئات قذائف الهاون وعشرات الصواريخ المضادة للطائرات والدبابات إلى قطاع غزة.

وكانت مصر على علم بعمليات التهريب للسودان من قطاع غزة وعملت أيضا على إحباط عمليات التهريب في عهد الرئيس حسني مبارك.

في مارس 2011، أعلنت مصر رسميًا أن الجيش المصري أوقف خمس مركبات تحمل أسلحة من السودان كانت في طريقها إلى قطاع غزة. وقد تم ضبط هذه الأسلحة في المنطقة الحدودية بين مصر وقطاع غزة.

وتضمنت الشحنة كميات كبيرة من قذائف الهاون والقنابل اليدوية والمتفجرات كان من المفترض تهريبها عبر الأنفاق إلى قطاع غزة.

أفادت مصادر أجنبية أن أربع طائرات حربية إسرائيلية هاجمت في تشرين الأول "أكتوبر" 2012 مصنع "اليرموك" الإيراني في السودان، والذي أنتج ذخائر وأسلحة لتنظيم حماس في قطاع غزة، وبحسب تقارير مختلفة، أنشأت إيران المصنع في العام 2008.
أسفر الهجوم عن مقتل شخصين وتدمير 40 حاوية كانت في المصنع.

وبحسب تقديرات خبراء المخابرات، فقد أدى الهجوم إلى تدمير مخزون كبير من صواريخ فجر 5 التي كان من المفترض أن تصل إلى حماس في قطاع غزة وربما صواريخ شهاب 3 التي كان من المفترض أن تتمركز في السودان وتهدد إسرائيل.

متى بدأ السودان في التحرك ضد حماس؟

في عام 2014، كانت هناك نقطة تحول في السودان عندما تشاجر الحاكم عمر البشير مع إيران بشأن ادعائه بأنها تعمل على نشر التشيع في السودان السني، قام البشير على اثر ذلك بطرد الملحق الثقافي الإيراني وأغلق المراكز الثقافية الإيرانية في أراضيه.
يبدو أن القرار السوداني جاء بعد ضغوط من السعودية، عدوة طهران.

كان لهذه الأزمة بين إيران والسودان تأثير على العلاقات مع حماس. تعاون السودان مع إيران في تهريب السلاح عبر أراضيه إلى مصر ومنها إلى قطاع غزة.
وصلت الأسلحة في السفن الإيرانية التي ترسو بانتظام في بورتسودان.

في مارس 2014، سيطر مقاتلو الوحدة الخاصة البحرية (شييتت 13) التابعة للجيش الإسرائيلي على سفينة أسلحة إيرانية KLOS C" " والتي كان من المفترض أن تصل إلى ميناء في السودان.

لقد ضبطوا على السفينة صواريخ بعيدة المدى تصل إلى 200 كيلومتر كانت ستصل في نهاية المطاف إلى قطاع غزة.
تم الاستيلاء عليها على مسافة 1500 كيلومتر من إسرائيل، وأظهر ذلك مرةً أخرى قدرات إسرائيل الاستخباراتية والعملياتية الممتازة في الحرب ضد "الارهاب" الايراني- الحمساوي.

بعد الخلاف مع إيران، أغلق السودان مكاتب حماس في أراضيه وبدأ في اعتقال نشطاء الحركة الذين أقاموا بنية تحتية في البلاد.

بعد لقاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في أنتيبي، أوغندا، مع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، في آذار 2020، أفادت الأنباء أن حماس حاولت إنشاء فرع في السودان لمهام استخباراتية في إفريقيا.

ذكرن صحيفة "إنتل تايمز " في يوليو "تموز" 2020، أن السلطات في الدولة اعتقلت في الخرطوم رئيس الفرع الإفريقي لشعبة المخابرات التابعة للجناح العسكري لحركة حماس، محمد رمضان عبد الغفور.
وهو ذراع يعمل على بناء القوة العسكرية للتنظيم من خلال فروع حماس في ماليزيا وتركيا ولبنان.

تخشى حماس أن تشمل اتفاقية التطبيع بين إسرائيل والسودان ملاحق لحرب مشتركة بين البلدين على الإرهاب، فعلى ضوء نشاط حماس السابق المكثف في السودان، سيؤدي ذلك الى رقابة مشددة لقوات الأمن السودانية على نشطاء حماس في البلاد.

لا يزال لعناصر حماس وجود في البلاد ويساعدهم نشطاء الإخوان المسلمين وعناصر المعارضة.

السودان الآن متحمس للغاية لتقديم نفسه للعالم كدولة تحارب الإرهاب بحزم، بعد أن أخرجها الرئيس ترامب من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

إن عملية تطبيع الدول العربية مع إسرائيل هي أنباء سيئة للغاية بالنسبة لحماس، وذلك عندما يتعلق الأمر بأنشطتها العسكرية، ودول الخليج تضيق بالفعل خطواتها، ففي المملكة العربية السعودية تتم محاكمة 60 من نشطاء حماس بتهمة المساعدة في تهريب الأموال عبر تركيا إلى الجناح العسكري لحركة حماس في قطاع غزة.

وتقدر حماس أن أي دولة عربية أو إسلامية تنضم إلى عملية التطبيع مع إسرائيل يجب أن تتعهد للولايات المتحدة وإسرائيل بأنها ستحارب الإرهاب، مما يعني إلحاق ضرر جسيم بذراعها العسكري في الخارج، هذا غير الضرر السياسي للمنظمة وتعريفها بـ "منظمة إرهابية".

ومن المفترض أن يكون هذا أيضًا اختبارًا للسودان بموجب اتفاقية السلام مع إسرائيل، وسيتعين عليه الالتزام بمحاربة المنظمات "الإرهابية" الشيعية والسنية، وفي ضوء التجربة السابقة، تأتي حماس على رأس القائمة، ولن تتنازل إسرائيل والولايات المتحدة عن هذا الموضوع، ولذلك فإن حماس تواجه ضغوطاً كبيرة.